| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الأحد 3/7/ 2011

 

لنقرأ الحجاج جيدا

عبد المنعم الاعسم 

الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق لعبدالملك بن مروان قبل الف واربعمائة عام، وهو، في مصطلح هذه الايام، مسؤول كبير في دولة ذلك الزمان، بلغ من من القسوة ما جعله يتسلى بها ويتلذذ في عذاب ضحاياها، وكان يخاطبهم بالقول: “طاعتي عليكم اوجب من طاعة الله”.

كان الحجاج خطيبا بارعا، ولغويا شهيرا، بستعير كلماته من كلام الله، وينحتها من حجر النحو والبلاغة، وهو نفسه كان عالم لغة، تفنن في اختزالها الى مفردة لاثارة هلع الناس الذين يتسلط عليهم، وتخويفهم، واذلالهم، وإخضاعهم، وليس من غير مغزى ان يتلقب الطاغية المعاصر في الكثير من الاحوال بانه حجّاج زمانه، وخصّه الخليفة عمر بن عبدالعزيز بالقول: “لو جاءت كل امة بمنافقيها، وجئنا بالحجاج، لفزنا عليهم جميعا” وتذكر الكتب انه لما دخل البصرة في طريقه الى الكوفة، جلس على المنبر بالجامع، وأمر جنده (حماياته) بأخذ الابواب، وإشهار السيوف، وقال لهم: اذا رأيتموني أضع العمامة عن راسي فضعوا سيوفكم فيهم(في المصلين) ثم بدا خطبته، فالقى عليه الناس الحصى، فخلع العمامة ووضعها على ركبتيه، فجعلت السيوف تبري الرقاب، وسالت الدماء الى ابواب المسجد. 

في السايكولوجيا والطب وعلم التاريخ، ثمة من الحجاج ما بقي في سلوك وثقافة البشر الذي عاش بينهم، وساسهم، وتحكم في رقابهم، وكذلك في فنون حكم الحكام، وشاءت صفحات التاريخ ان تحدثنا عن اكثر من حجاج واحد انتجه اجدادنا، وهناك حجاجيون محسّنون، يأتون الشنائع بلغة سليمة، ولا تأخذهم الشفقة في بريء، او بعابر سبيل، لكنهم، مقابل ذلك إذلاء امام الاقوياء او امام اصحاب النعمة، وكان الحجاج يخاطب عبدالملك بقوله: “إنك عند الله افضل من الملائكة المقربين والانبياء المرسلين”.

ولعل الادارة الصارمة، الفردية، لشؤون الدولة وهوس استخدام السلطة والقرار، واحدة من موروثات الحجاج الكارثية، يشار هنا الى سوء اجراءاته في جباية الضرائب، مثلا، إذ تخيّل ان تراجع الزيادة يعود الى قلة الماشية التي تعين الفلاحين على حرث الارض، فاصدر امره بتحريم ذبح البقر، فقال شاعر:

شكونا اليه خراب السواد

                              فحرّم فينا لحوم البقـــــر

فكنا كمن قال من قبلنا

                              اريها السهى فتريني القمر

الحجاج كان موظفا، وكل الذين برأوه من ظنة القسوة والبطش في العراق والقوها على عاتق الخليفة عبدالملك ارتكبوا ظنة تزوير الحقائق مثلهم مثل الذين برأوا الخليفة وافترضوا ان الحجاج كان وحده المسؤول عن تلك الخطايا، فان الاستبداد المركزي يخلق استبدادا ربما اكثر بشاعة في الاطراف، لكن سيرة وسلوك وايديولوجية الحجاج تعطينا، إذا ما قرأناها جيدا، خطوطا من المحاذير الخطيرة في الادارة والسياسة، يمكن تلخيصها بعنوان عريض هو: الحكم الكيفي ينتج موظفين من جنسه.


“تـَوَقَّ ما تعي
”.
                  علي بن ابي طالب

free web counter