| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الأحد 31/10/ 2010

 

رأي في إعدام طارق عزيز

عبد المنعم الاعسم 

باختصار، اضم صوتي للمطالبين بعدم إعدام طارق عزيز، ليس لأنه بريء مما نسب اليه من اعمال منافية للانسانية والرحمة، ولا لأنه لم يكن شريكا في المسؤولية عما ارتكبته الدكتاتورية من موبقات وحماقات، ولم يكن-كما يُزعم- رجل دبلوماسية وعلاقات اجنبية ولا صلة له بسياسات التنكيل والحروب والانفالات، ولا انطلـِقُ في موقفي هذا من استهانة بدور طارق عزيز في صعود صدام حسين مسلات الطغيان واهرامات الجثث ومسالك المغامرات والعدوان خارج الحدود، ولا من جهل لمكانته المعروفة في الحلقة الجهنمية التي كانت تذل الملايين العراقية وتفقرها وتعصّب وتفقأ عيونها.
اقول اضم صوتي لمن يدعو الى عدم اعدام طارق عزيز، وهم يتكاثرون الآن، وينطلقون في ذلك من زوايا مختلفة.. ولديّ في ذلك ثلاثة اسباب:
اولا، إن العراق احوج ما يكون الى تهدئة طاحونة الموت ولغة شفاء الغليل ومفردات القصاص المفرط بما يترك عار هذا الملف للعصابات المسلحة وابطال التفجيرات والقتل الطائفي وشعارات الاستئصال والجهاد المستورد، وما يساعد على ضبط الاحتقانات الاجتماعية وترشيدها، وعدم القاء مزيد من الحطب في موقد النوازع المنفلتة، فالاعدامات وإزهاق النفس، مهما كانت عادلة، ومستوفية عناصر الحق والتدقيق والتوثيق لا تشكل، في جميع الاحوال، وفي كل الظروف ، ردعا لموجة الجرائم، او “درسا للجماعة” او “شرعة حماية المجتمع” كما يذهب مشرعو القصاص، وقد تنقلب هذه الروادع “القانونية” الى الضد مما تأسست عليه من مبررات ومسوغات.
ثانيا، ان الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، بكل مفرداتها، وعلى يد مختلف المخططين لها واعوانهم والمنفذين لها صارت جزءا من التاريخ، وصفحة من الماضي (ستعود لها الاجيال يوما) وان بيننا وبين ذلك العهد فترة زمنية عصيبة وعاصفة (وإن كانت قصيرة) تدفقت خلالها انهار من الدماء والدموع وازهقت على حوافها ارواحٌ وآمال، وعمّ فيها خراب وتراب، وتشردت من فيض مصائبها الملايين، واندلعت من شراراتها حروب وصراعات، وكل هذا (وقل اغلبه) مسجل في مسؤولية العهد الجديد، ولاعبيه وشرائحه، بالجملة ومتفرقين، متنفذين او على الهامش، وبعض ما حصل من فضلات احداث ومولودات ما بعد التغيير، بل ان الكثير من فرقاء التغيير ما يزالون يتخبطون في دوامة خطيرة من المكاره والتنافر وانعدام الثقة، وربما التحضير لتصفية بعضهم البعض، لا سمح الله.
فان القصاص من ابطال عهد سابق (بعد ذلك) ليس امرا ملحا في اللحظة التاريخية المحرجة التي يمر بها العراق، إذْ اتسعت الجريمة بالطول والعرض، وتوزع ابطالها على مسميات جديدة ونافرة.
ثالثا، الذين ينصحون بعدم اعدام طارق عزيز ينطلقون من موجبات عديدة، لكن، بصرف النظر عن وجاهة هذه النصائح وعن نيات اصحابها فان النصيحة الموقعة باسم "بان كيمون" تطرح نفسها بقوة بوصفها حاملة لارادة ومزاج المجتمع الدولي، فلا يصح (وليس من المصلحة) ان تُدوّن في وثائق المنظمة الدولية اشارة سلبية ثقيلة ستلقي بظلالها على سجل العهد الجديد الذي يراهن على تطوير دعم المجتمع الدولي له، وينهي ارثا ثقيلا من سوء السمعة المتوارث.
وينبغي، بهذا الصدد، ان يتوقف اصحاب القرار العراقي عند تجربة الحكومة التركية في التعامل مع قرار القضاء التركي باعدام زعيم منظمة بي كي كي الكردية المسلحة عبدالله اوجلان، واحسب ان ثمة ما يجمع بين الحالتين، حين يتعلق الامر بحاجة اي بلد الى تفكيك عزلته وبناء سمعة طيبة بين البلدان.
ثمة الكثير من الامم والدول والتجارب دُفنت تحت الارض حين سقطت في سوء التقدير، لو تعلمون.
 

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
العمل من دون اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا، يثقله ولا ينفعه"
                                                                   ابن القيم


جريدة(الاتحاد) بغداد

 

free web counter