| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 30/8/ 2010

 

بين عهدين.. والمنعكس الشرطي

عبد المنعم الاعسم 

رسالة من كاتب صديق تستحق ان نتمعن فيها، إذ يشير الى ان كل ما يعانيه العراقيون من خطايا انفلات الامن، وفوضى الادارة، واهتزاز الثقة في المستقبل، المتفرعة عن الازمة السياسية، لم يكن لينسيهم فظائع النظام السابق، بل ان ثمة حساسية شعبية عفوية إزاء كل ما يذكرهم بذلك النظام من سلوك للنخب السياسية الجديدة ومظاهر إثراء لمحسوبين على العهد الحالي (يشار لهم بالبنان) حتى غدا حكم صدام حسين ــ يضيف الصديق ــ ميزانا لتعيين ما هو صائب وما هو شرير في الحياة الجديدة، على الرغم من عسف هذا الميزان احيانا في الحساب والمقارنة لتصرفات تتصل بالسلوك البشري الذي يتم رصده في العادة بالتحليل والتأمل وليس بقبان العطار.

ويضيف القول: “حتى حين نحتج على الانانيات السياسية ونقول عن اصحابها انكم اسوأ من نظام صدام فاننا في واقع الامر نجعل من ذلك النظام نموذجا ومقياسا للانحطاط والتعسف واللاعدالة.

احسب، تعليقا على ذلك، ان الامر ذو صلة علمية بما يسمى بالمنعكس اللاشرطي الذي اطلقه العالم البايالوجي الروسي إيفان بافلوف في القرن التاسع عشر ونال عنه جائزة نوبل العام 1904 ويقوم على رصد تفاعل الانسان، والحيوان أيضا، مع التأثيرات الخارجية المديدة واستمرار هذا التفاعل مع غياب وجود مصادر التأثير واشكالها، وكانت تجارب بافلوف على الفئران والكلاب في غاية الاهمية حول تحول المنعكس الشرطي (مظالم صدام مثلا) بالتكرار لسنوات طويلة الى منعكس لاشرطي حيث يثير غضب الضحية حالما تبدو له المظالم مرة اخرى.

وكان ابو حامد الغزالي صاحب (تهافت الفلاسفة) قد لاحظ في إحدى بحوثه طغيان (الروح الخيالي) لدى الانسان مستشهدا بالكلب الذي يهرب بعيدا كلما رأى العصا إذا كان يضرب بها في السابق باستمرار، ما يبقي هاجس الالم قائما في اللاشعور حتى مع ابتعاد خطر العقاب.

وفي انتباهة لرسول حمزاتوف، يقول، ان أبناء قريته في اقاصي داغستان كانوا قد هجروا نبعا من الماء كان قد شهد مذبحة لعشرين من نسائهم، وكان الجيل الثالث من ابنائهم يرتعبون ذعرا كلما مروا بالنبع، وكان كثير منهم يضطرون للمشي يومين بدل ان يسلكوا الطريق عبر النبع مخافة ان يتذكروا بشاعة المجزرة.

قبل سنوات قليلة قال مراسل اجنبي كان قد التقى العشرات من العراقيين وتحدث اليهم عن مستقبل بلادهم، إن الناس هناك لم يخرجوا بعد من الكوابيس، وهم يتصرفون كما لو انهم في زنزانات.. وكدت أعد هذه الصورة فرطا من المبالغة، لولا ان بافلوف والغزالي وحمزاتوف سبقوا المراسل وصاحبي الكاتب، الى تأويل ما تتركه القسوة في الاعماق.. ومع ذلك فان البعض يقترح على العراقيين العودة الى عهد الكوابيس.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
الحُسن ما حسّنه العقل، والقبيح ما قبّحه العقل"
                                                ابن رشد
 

 

free web counter