| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com
 

 

 

 

 

الخميس 2 /11/ 2006

 

 

عصام الراوي..الاعتدال شهيدا

 

عبد المنعم الأعسم

فيما ينهار الحد الفاصل بين الموازين، ويهرع الجميع الى التطرف والتخندق والضجيج وشحذ السكاكين، ويمسحون من جباههم ومن افئدتهم الغيرة على الوطن والدين والقيم والرحمة، ينأى اصحاب الاعتدال وصوت العقل ورجاء الحكمة بأنفسهم عن ساحة المذابح، معتصمين بخيارالتسامح، ونداءات التهدئة ودعوة المصالحة والجدال بالتي هي احسن، وإن لا يسمعهم احد، لكن رؤوسهم تبرز مطلوبة لاسياد اللعبة الجهنمية من اطراف الصراع، بل انهم يتحولون، بالنسبة لهؤلاء الاسياد، الى العقبة الرئيسية امام مشروع الغابة الذي يُخططون له ويتقاتلون من اجله. تلك هي باختصار فجيعة الدكتور عصام الراوي: شخصية معتدلة، لا يعترف بفروض السلاح ومشيئة المسلحين.
اكاديمي في منطقه ودفاعه عن رأيه، يستمع اليك من دون ضيق، ويعقب عليك من غير تحامل، لا تملك إلا ان تستمع له، وإن اختلفت معه، وهو الى ذلك لا يجيد التهريج واللف والدوران، ولا يدخر وسعا في الدعوة الى طاولة الحوار والمناقشة، والبحث عن الحلول الوسط، والتأكيد، عن يقين لا يتزعزع، بان امكانية درء اخطار الحرب الاهلية في العراق متوفرة لدى العراقيين، وان غياب هذه الارادة مرده الى ضغوط من خارج المشهد، ومما وراء الحدود.
الذين يعرفون الراوي عن قرب، وبخاصة زملائه التدريسيين، وطلابه، يتحدثون عن شخصيتين متلازمتين ومتكاملتين فيه، لم يستطع الكثير من المنخرطين في شؤون السياسة والعلم، ان يوفقوا بينهما، واحدة، بوصفه عضوا قياديا في الحزب الاسلامي وهيئة علماء المسلمين، وفي معسكر هو جزء عضوي من الازمة الطائفية المستفحلة والمناهضة للوازم اقامة دولة مدنية اتحادية، وثانية، كرجل علم بكل ما تعنيه الصفة العلمية من احترام العقل والتحليل والموضوعية والنأي عن الغلو والتحزب، وهنا يلزم استباق الاستطراد للقول: ما احوجنا الى اشخاص في مضاهاة الدكتور عصام الراوي، والقول ايضا، ان القتلة الذين تصدوا للراوي واطلقوا الرصاص على رأسه، كانوا يطلقون الرصاص على حاجاتنا الماسة الى الاعتدال والروية ورجاحة التدبير والعلاج والتسوية.
حاورته على الهواء، قبل عامين، ودخلت معه في سجال ساخن عن العلمانية والديمقراطية والطائفية والعملية السياسية والقوات الاجنبية، وترك لدي انطباع انه يريد ان يقول شيئا ما يرتدع عنه، ويتأنى فيه، فانزويت معه في ركن هادئ، بعيدا عن الكاميرا، للحديث عن سبل نزع التطرف، واعادة الحياء الى وجوه الساسة المتخاصمين، وكان عصام الراوي في تلك الخلوة، قلقا، صريحا في الاشارة الى مخاوف، غير مفصح عنها، تعصف في فؤاده، والى ايام قادمة ستكون اكثر عنفا مما كانت عليه، والى خسائر جمة في الارواح سيدفعها العراقيون بالمجان، والى فتن ستأتي مثل قطعان الليل..قال لي، ولا يزال القول يردنّ في اذني: الرصاص الذي نسمعه ليس طائشا.. صدقني.. انه ينطلق من اياد تعرف لمن توجهه.
ها هو..الدكتور عصام الراوي.. يسقط في ذلك الرصاص الذي اطلقته اياد تعرف انها توجهه الى صوت الاعتدال، الذي احوج ما نكون اليه، الآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكلام مفيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" يجب ان نحرر أنفسنا من هذا السجن بتوسيع دائرة الرحمة لدينا كي تضم كل المخلوقات ".
                                                                                                                    اينشتاين
ــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة(الاتحاد) بغداد