| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

الجمعة 2 /2/ 2007

 



شعوذة وسياسة.. ومذبحة


عبدالمنعم الاعسم

معركة “جند السماء” التي انتهت بتناثر مئات الجثث في البساتين ليس فيها جند، ولا علاقة لها بالسماء، ثم انها ليست معركة، انها خلطة من الشعوذة والسياسة والقصف الجوي والمداهمات، وبركة اختلطت فيها دماء عراقية، ليس غير
الجند بضعة مئات من العراقيين بدشاديش ودجل واسلحة وسواتر من الباطون اتخذوا من منطقة الزركه الى شرق النجف مقرا لحركتهم التي لا يعرف احد-حتى الساعة- ما تريد وما لا تريد، باستثناء انها خططت لقتل العلماء حتى يحل العدل في العراق، قال محافظ النجف اسعد ابو كلل ان قائدهم هو ابو كمر اليماني، فيما اعلن نائب المحافظ عبدالحسين عبطان ان اسم قائدهم ضياء كاظم عبدالزهرة، وقبل ذلك قال مسؤول في شرطة المدينة ان القائد يحمل اسم احمد الحسن، ونشرت وسائل الاعلام تصريحات لمسؤولين امنيين قولهم ان زعيم المجموعة اطلق على نفسه اسم الامام المهدي، وذكر مسؤول في وزارة الامن الوطني ان اسمه الإمام محمد بن الحسن المهدي، وهكذا صار الامام المهدي فرض بعد ان كان فرضية، واكتفى (عِرّيف) من البصرة، هذه المرة، اطل من الشاشات الملونة بالقول ان جند السماء يقودهم رجل مهندس.. وآه ايتها الهندسة كم باسمك ترتكب الفظائع.
وحين يتوزع اسم زعيم الجند (الذين لم يكونوا جندا اصلا) بين هذه الاسماء المتضاربة والصفات المركبة العجيبة، والوظائف العنترية، وتنسب اليه تلك الوصفات المضحكة لفتاوى عن مصير الكون ونهاية البشر ومآل الحياة فانه يتبادر الى الذهن بان عالم الخرافة جادَ ويجود وسيجود في المستقبل ايضا بجند عميان وزعامات مهووسة واكاذيب يعوزها التنقيح طالما اتحدت الشعوذة بالسياسة، وطالما انصرف العقل الى غيبوبة ابدية، وقد حذر الكثيرون، قبل هذا، من استطراد حشر السياسة بالرطانات الدينية، وخاف الكثيرون من ان هذا الاستطراد سيفتح باب جهنم على العراق، وها نحن على مشارف ذلك المحذور.
اقول، حين تتحد الشعوذة بالسياسة فان السؤال عن ثمن الدماء، هنا، لا مكان له.. الدماء هنا رخيصة رخْص البصل، والنفوس فائضة عن الحاجة، والجموع، بل الملايين، احوج ما تكون الى الانتحار، وثمة من يتبرع بالتخفيف عن الامهات والابناء اليتامى بالقول “ولا تحسبنهم امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون” اما المستقبل فانه كلمة سرية ممنوعة ومحرمة، لأن المطلوب هو الوقوف.. الوقوف.. ثم العودة او الردة الى الماضي، وليس من دون مغزى ان تجود انواء معركة النجف بعاصفة من الرمل لم تحل بين طائرات التورنادو والاف 16 والقصف المركز للمئات من حاملي الرشاشات ومرتدي الدشاديش، وليس ثمة ما يثير العجب ان يعود جند السماء، بلمح البصر، الى السماء مع لغز السؤال: من اين جاءوا، ومن زوّدهم بهذه الترسانة من الاسلحة؟.
صحفي غربي (دان ميرفي) حار في رصد حقيقة ما يجري وكتب يقول ان المعركة "تذكر بالاجندات المتغيرة في العراق والمياه السياسية الهائجة" في محاولة من الكاتب تلطيف المذبحة التي قتل فيها ثلثمائة من العراقيين في حادث شبيه، في تفاهته، بحوادث المرور المروعة، لكنه اضاف "ان ما حدث فعلا قرب مدينة النجف ما زال تحت التمحيص، غير ان المرجح ان يشكل ذلك تطورا جديدا في العنف بالعراق" وقد فاته ان مثل هذا التطور حدث منذ ان كف القتل في العراق على الهوية وصار على اللاهوية.
في تضاعيف هذا المشهد الكوميدي الدموي يقال ان لجانا تحقيقية شكلت على عجل لتفكيك اسرار قيام مستعمرة سرية مسلحة تقع على بعد بضعة اميال من النجف لاكثر من الف عراقي يحملون فصيلة دم تحت الشبهة، وفي هذا المشهد العجيب ثمة مقابلة بين من يحمل السلاح لاقامة عدالة على اساس نهاية الحياة، وبين من يحمله لاقامة امارة اسلامية على اساس نهاية العقل..وحتى ذلك الوقت سيبقى العراقيون يتلقون مقترحات بناءة بالتسول على ابواب المحسنين في العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ـــــــــــــــــــــــــــ
“ اذا ركبتم امرا علمت انه غي فاجتنبته، واذا اجتنبتم امرا علمت انه رُشد فاتبعته ”.
                                                                                           ابو الاسود الدؤلي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة(الاتحاد) بغداد