| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الخميس 29/10/ 2009

 

تفجيرات الاحد..
جريمة وانانيات السياسية

عبد المنعم الاعسم 

تفجيرات الاحد الدامية رفعت اللثام عن قبح المفردة المبكرة عن مقاومة الاحتلال بالسلاح، فقد انتهت حثالة المقاومين المسلحين الى مشروع يقوم على طرد الدولة العراقية من الخارطة بدل طرد المحتلين من العراق، وكشفت عن احتراف مصمم، وسادي، للجريمة في اكثر صورها شناعة، بانْ توقع اكبر عدد من الضحايا وتنال من شواهد مدنية لها صلة بشبكة المصالح العامة، واكثر من صلة بشؤون وملازم الاستقرار .

القول بان لهذه التفجيرات رسالة سياسية، لا ينطوي على اكتشاف مثير، فالتسييس-اصلا- يضرب كل حدث او حادث في العراق مهما كان عابرا او هامشيا، فكيف به اذا ما كان ضربة امنية اخترقت سلسلة من التحصينات وجاءت في وقت تشهد المرحلة احتقانا وتجاذبا سياسيا؟ وكيف يمكن تقليل اثرها السياسي وقد وجهت ضربة الى هيبة ومكانة الحكومة، اذا ما شئنا تسمية الاشياء باسمائها؟.

ومن التبسيط الافتراض بان هدف هذه التفجيرات هو تدمير العملية السياسية التي لا تعدو عن كونها احدى مكونات العهد الجديد في العراق، وتدور هي الاخرى في اقنية من التعقيدات والاحباطات والتحديات، فان المشروع المطروح للارهابيين واصحاب العنف هو الغاء العهد كله، بحاضره ومستقبله، وتجهيز كيان عراقي يتفتت الى كيانات متناحرة ومزارع للحشيش والتهريب والى معسكر لجميع المهووسين بالحرب والسلاح والعنف، والمنبوذين والمطلوبين في كل مكان.

ومن الطبيعي، ان يكون لهذا المشروع الجهنمي انصار وممولون في دول مجاورة، وله مندسون في داخل الشبكة الامنية، ومناصرون (او شامتون في الاقل) في الخارطة السياسية ومفرداتها وشظاياها، وله مجهزون ومؤولون ودعاة ووكلاء في الاعلام وتجارة التهريب والنصب والفساد، لكن الامر الاخطر الذي طرحه هذا المشروع يتمثل في دفع الملايين العراقية الى حالة الاستسلام لقدر التفجيرات، واليأس من امكانية استئصال الجريمة والمجرمين، وانعدام الثقة بالخطط الامنية، تفاقمها الاجراءات الامنية الانفعالية والافراط في المضايقة ومظاهر التفتيش والتعامل بالريبة والزجر مع المواطن وضعف المهنية الادارية.

استبق تداعيات التحليل بالقول انطلاقا من حقائق منظورة وميدانية بان مستقبل المشروع الارهابي في طوره الاجرامي البربري الجديد مغلق على نفسه من جميع الوجوه، ولم يكن ليحظ باي تعاطف في الشارع الذي تعامل معه بسخط واحتقار، وهو بلا مستقبل، ايضا، بالرغم من انه يحتفظ ببعض عناصر الاستمرار والدعم، غير ان الشوط الذي سيقطعه، في الزمان والمكان، مرهون –بالقطع- على قدرة قوى العهد على الصمود والعبور بالعراق الى استحقاقات البناء، ومرهون قبل كل شئ بقدرة هذه القوى على احلال عهد التضحية بالامتيازات والمصالح الفئوية محل الصراع المحموم على السلطة، فضلا عن الحاجة الى ترسيم البعد الايديولوجي للمشروع الارهابي القائم، في جوهره، على خطاب اسلامي ومفارخ دينية تنتشر في بقاع العالم.

فقد اعلنت “دولة العراق الاسلامية” مسؤوليتها عن تفجيرات الاحد الدامي (طبعا، بالدعم الارضي من فلول النظام السابق) وشددت على انها اوقعت بـ”عدو الله” ضربة “الهية” فأعاد هذا الاعلان السؤال التفصيلي اللجوج: هل ان الاسلام يحلل فعلا مثل هذه المذابح؟ وهل ان الاية "ترهبون به عدو الله" التي يهتف بها انصارهذه المذابح لا تجد تطبيقاً إبداعياً لها إلا في بركة دم وجثث لمواطنين عابرين القت بهم حظوظهم العاثرة ليكونوا في المكان الذي شاء ان يكون مسرحا لـ "حرب التوحيد ضد الظلالة" كما جاء في بيان داعم للمذبحة؟.

على انه في اثر كل مذبحة من المذابح التي جرى الترويج لشرعيتها في مساجد او اوكار مليئة بنسخ مطهرة من القرآن، وجرى الاحتفاء بها واجازتها من مساجد ومراجع، نستمع من يقول ان الاسلام بريء من أعمال العنف، وكأن ثمة شطرا محذوفا من الديباجة، أو كأن القائمين بتلك المذابح جهلة في دينهم، أو ممسوسون في عقولهم، في حين نتعرف يوميا الى وكلاء عن اولئك المهاجمين لا تطالهم تهمة الجهل، ولا تدركهم ظنة الجنون.. بل اننا تابعنا الاستماع الى خطب باصوات مشايخ وعلماء دين واعلاميين متدينين ومدرسين في معاهد اسلامية تحض على القتل وتبيح الذبح، بالاستناد الى آيات من القرآن تعد "اعداء الله" بالعقاب على ايدي "الناجون من النار" يضعونها بين كل بركتين من الدم، وكل مدرستين سويتا بالارض، وبين كل عويل وعويل للنساء المثكولات بعزيز عليهن. كل ذلك لكي يحمل الملائكة الانتحاريين الذين فجروا الشاحنات وسط الابرياء الى جنان تجري من تحتها الانهار.

وإذا شئنا الدقة، والصراحة، ووضع النقاط على الحروف، وتجنب التعميم والتعويم والتدليس، والمناورة، والمجاملة فاننا سنقول، على ضوء جريمة الاحد النكراء والف جريمة قبلها، بان وكلاء اعمال العنف من علماء الدين والائمة الذين يظهرون علنا وبالالوان الطبيعية يومياً، وان ممولي المجرمين وزعماءهم ومدربيهم على السلاح، يحفظون، جميعا، آيات القرآن عن ظهر قلب، ويعرفون شؤون الدين من الحديث والفقه والتفسير والسنة والشرع والحلال والحرام والكفر والايمان معرفة لا يطالها الشك وقد تزيد على معرفة اصحابنا الذين يكتفون بتطييب خواطرنا قائلين دائما "ان الاسلام بريء من اعمال العنف".

ومن لا يصدق هذه الحقيقة المرّة ينبغي ان ينصت يوما الى دعاة اسلاميين كبار يدخلون علينا من ثنايا الشاشات الملونة وهم يلفون ويدورون (وليس ثمة ابرع من اولئك الدعاة باللف والدوران) ليقولوا الشيء الذي يقوله ابن لادن والظواهري حول مقاتلة (عدو الله) بكلمات اخرى لا تنطلي إلا على المغفلين.. أما من هم أعداء الله؟ ومن الذي ينوب عن الله في تشخيص اعدائه وقبض أرواحهم، أو شرعنة ذبحهم في مهرجانات دموية متوحشة، فهو امر متروك لحكم هؤلاء الدعاة واولئك الرعاة، وهكذا فان على الذين يتكفلون معاهدات الدول والشرائع والقوانين، وطلاب معاهد العلم والقانون، وحافظي العهود، ومرتادي المساجد والكنائس والمزارات الاستقالة من مسؤولية الدفاع عن الفضيلة بعد ان دخلوا جميعهم وكل البشرية في قائمة (أعداء الله).
أما المؤمنين حقا بان الاسلام بريء من أعمال العنف فان عليهم ان يترجموا ذلك الى فعلٍ يسد الطريق على من يدس عين الله في حشوات التفجير العمياء.

الى ذلك فان تفجيرات الاحد طرحت وتطرح فاصلة مثيرة للانتباه، إذ دخلت العديد من مفردات الطبقة السياسية وخطوطها في محذور الانانيات السياسية في محاولة للتكسب من الكارثة، ويعبّر هذا التكسب عن نفسه في عناوين كثيرة، تتفرع من عنوان واحد هو توظيف الهزة الامنية الدموية الناجمة عن هذه التفجيرات في شبكة الصراع السياسي الفئوي والشخصي، قفزا من على مشهد الفجيعة وتناثر الاشلاء وعويل النساء وسحب جثث الضحايا من تحت الحطام، ومن فوق موجبات الاحتشاد الوطني لالحاق الهزيمة بالمشروع الاجرامي الذي يهدد الجميع من غير استثناء، وقبل ذلك يهدد الوطن الذي يتغنون به صباح مساء.

ويكشف هذا الانزلاق السياسي، كما في كل مرة ينقذف فيها البلد الى فجوة امنية خطيرة، عن عورة الشخصنة المنفلتة في داخل العملية السياسية، بين مَن يبحث عن رصيد في الخراب ومهرجان الجثث يسجله في المخاشنة الانتخابية، ومَن يتشفى بالحكومة ويتسلى بتخبطها، او ينافح عنها في الحق والباطل، ومَن يدفع الدوامة الى تصفيات حساب وتوزيع الاتهامات ضد خصوم سياسيين، ومَن يطلق شعارات ومشاريع نائمة كان قد خسرها يوما، ومن يتفرج على ما يجري ليحتطب الاخطاء والزلات والسقطات هنا وهناك، ومَن يرفع من سقف اسعار التحالف والموالاة، ومَن ينطّ من رصيف الى رصيف بحثا عن جاه مُفتقد، ومقام ضائع. الى شئ من الرطانة، ويجعل من التعاطف مع الضحايا الى مشهد تمثيلي مصنّع، ثم يتولى صاحبه عملية خلط الاوراق، ويقول الشئ ونقيضه، ويجمع-من غير مهارة كافية- بين الدفاع والهجوم، والاحتجاج والرضا، والحضور والهروب، وينظر من ثقب الباب لما يجري ليعيّن مصلحته في المكان والزمان، والبعض من اصحابه يضع إسما محددا هدفا لغاراته الاعلامية، وجهة معيّنة مطعنا لهجماته السياسية، ولا يتورع عن ان يقلل من فداحة الخسارة لكي يدس مسؤوليته عنها تحت البساط الانيق، او ينفخ فيها قدر ما يستطيع ليجعل منها مبررا لتجريم الجميع وليوحي انه المنقذ المنتظر، الذي وحده يمكن ان يغلق ابواب جهنم ومصاريع الفواجع.

في المحن الوطنية، والتحديات والزلازل والكوارث التي تهدد امن الشعوب، وفي اللحظات التاريخية العاصفة للدول يتخلى-عادة- الحريصون على اوطانهم وامنها واستقرارها عن مصالحهم الذاتية، وعن صراعاتهم الهامشية، وحروبهم الفئوية، وفي هذا الامتحان يعاد ترسيم المقامات والحجوم.. فيشار الى الجديرين بحمل الامانة الوطنية، مميزين عمن تكسّب، او سعى الى التكسب، من الكوارث ومشاهد المجازر والتفجيرات.

التكسب السياسي من مذبحة الاحد جرى، للاسف، بالالوان الطبيعية.. وبالصوت والصورة.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
هل لي ان استخدم اسمك في الدعاية لحركة الدفاع السلمي عن الحق، وضد العنف؟ "
                                                                               من غاندي الى تولستوي

 

 

free web counter