| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الأربعاء 29/9/ 2010

 

توصيف دقيق لما يجري

عبد المنعم الاعسم 

احسب اننا زودنا علم السياسة بفصل مثير عن القدرة الفذة على تبرئة النفس من خطيئة نرتكبها في وضح النهار، فنلفّ وندور حول انفسنا وحول الضحايا الذين يتساقطون يوميا بسلاحنا، فنحمل جنائزهم على اكتافنا الى المقابر، ثم من هناك، نعلن براءتنا مما يجري، ومن هذا الدم المراق، على الرغم من ان بصمات الجريمة بائنة على ثيابنا، بل ونحمـّل بعضنا البعض المسؤولية عن هذا الاستعصاء الذي يجر البلاد الى الهاوية، في لعبة سمجة، يتتبع العالم فصولها في القليل من الشفقة وفي الكثير من الاستغراب.
انظروا الى حرب الوثائق المزعومة التي نخوضها ضد بعضنا. لم يعد العالم يعرف ايا منها الصحيحة واي منها المزورة، وبين كل وثيقتين نعلنهما للرأي العام وعلى واجهات الشاشات الملونة تسقط قطرة حياء من جباهنا الى مجرى الصرف الصحي. نكتب التعهدات لبعضنا باليمين، ثم نمحوها باليسار، وكأن السياسي منا قد انشطر الى عدد غير متناه من الوحدات السياسية الغامضة، تنفي بعضها البعض، وتتضارب هذه مع تلك، ثم انظروا الى كومة بيانات النفي وعبارات “لا صحة له” او “فُهم خطأ” او “جرى تحريف الكلام” ضمن توترات كان فرويد على حق حين اعاد مثيلاتها الى علل جنسية.
ثم تعالوا الى فذلكة غريبة ومضحكة انتجناها باقل ما يمكن من المهارة وباكثر ما يمكن من الاستهبال، وقد بقيت من دون براءة اختراع إذ نطالع على مدار الساعة هذه العبارة: “صرح مصدر مقرب من الزعيم الفلاني لم يرغب ان يذكر اسمه” وقبل ان نسأل: ليش ما يذكر اسمه؟ وممن يخاف صاحبنا؟ وما العبرة من ذلك؟ تكاثر المعقبون على الاحداث ممن لا يرغبون الاعلان عن اسمائهم، وتوزعوا على جميع الزعماء والمنابر، ثم نكتشف ان السبب بسيط، بل وابسط مما يُعتقد، وهو ان صاحب التعقيب يلفق معلومة او تهمة او رسالة تتضمن حشوة مغشوشة تستهدف التشويش على المتسابق الاخر الى منصب رئاسة الوزراء، والاخير، بدوره، سرعان ما يرد على غريمه بتصريح رنان لـ”مصدر لم يذكر هويته” وحين نتهجأه نرتعب مما يحمله من الالغام والتهديدات ولغة التجييش، وهكذا يمتلئ الميدان بالجثث والضجيج واعمدة الدخان والاكاذيب.
الكل يريد منا، نحن الضحايا، شهادة ببراءته مما يحدث، ونحن لا نملك، في الواقع، حق التبرئة، لاننا انفسنا لسنا ابرياء تماما مما يجري، والكل يريد منا ان نأمن جانبه، ونحن فقدنا الكفاءة في هذا الامتحان، لاننا لم نعد نأتمن على حياتنا ولقمة عيشنا.
والمهزلة تتمثل في اننا امسينا حقل تجارب يَختبر فيه المتصارعون ذرائعهم، فيما امسوا هم ساحة نختبر فيها مصداقيتهم، وبين الذرائع والمصداقية استطعنا، نحن وهم، ان نكذب على العالم باننا اخترعنا يوما علم الحساب وسبقنا البشرية الى الابجدية..تصفيق.
 

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
لا تقولوا لي متى ينفد النفط ، خبروني متى ينفد الصبر؟"
                                                       الماغوط


جريدة( الاتحاد) بغداد

 

free web counter