| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الثلاثاء 29/3/ 2011

 

نجدة فتحي صفوة.. هذا العَلـَم

عبد المنعم الاعسم 

عندما عملتُ مع نجدة فتحي صفوة قبل اربعين سنة في جريدة ”التآخي” لفت نظري اقتصاده في الكلام، والكلام عن نفسه بخاصة، وبعد ايام انصرف انتباهي الى امر آخر فيه: كان يدخل المكتب ويخرج منه كنسمة، وبخطوات محسوبة وثابتة ورقيقة، وكأنه يخشى ان يشغل حيزا في المكان اكثر مما يتاح له.

لم استطع ابتلاع انشغالي بالرجل، وكيف جاء الى هذا المكان، وخمّنتُ انه ذو شأن. سألت المرحوم عبدالغني الملاح، المحرر آنذاك في الجريدة، فاوجز لي سره وسيرته ببضع عبارات: انه مدرس سابق لامع في كلية بغداد الشهيرة ودبلوماسي سابق مرموق، ومترجم وأديب ومحقق، وكان قد ترجم للزعيم عبدالكريم قاسم بعض لقاءاته مع زعماء اجانب. وللتو شكرت الحظ الذي القى بي على طريقه وجمعني به وانا اقطع خطواتي الاولى في دهاليز الصحافة والكتابة، غير ان الفرصة كانت بخيلة إذ تركـَنا الرجل من دون ضوضاء، مثل اية خاطرة انيقة.

وطوال عقود وعقود، كنت اسمع عنه قدر ما تتيحه مجالس الغربة ومنافذها من اخبار. التقيته في لندن، خلال التسعينات من القرن الماضي، ثلاث او اربع مرات، وفي كل لقاء اضيف الى حافظتي عِلـْما له، ومنه، واعرف انه لا يكف عن الانتاج والتأليف والبحوشة في المخطوطات والوثائق الدفينة، وانه، فضلا عن كل ذلك، لا يزال قليل الكلام، وثابت القدم، ومثل اية نسمة. يناقش برقة لافتة. يستمع اليك بكفاية من الاحترام والدماثة. قد لا تقبل بعض ارائه، لكن لا يسعك إلا احترامها واحترام صاحبها.. اليست هي شمرة العلماء؟.

قبل ايام كنت، مع زوجتي، ضيفا على نجدة فتحي صفوة في منزله بالعاصمة الاردنية. كان يقف وسط مكتبة مهيبة، او- في الاصح - كان يقيم في منزل صمم على شكل مكتبة عامرة بمؤلفاته التي زادت على الاربعين وبمئات من المجلدات والمؤلفات الغنية والنادرة إذ تمتد على رفوف متطامنة وانيقة. من بعيد تفتح صدرها اليك سبعة مجلدات الـّفها عن الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، وعلى مرمى ثمة كتابه المعنون “حكايات دبلوماسية” وآخر عن معروف الرصافي وهناك “العراق في مذكرات الدبلوماسيين الاجانب” وتحقيق في “جهاز الدبلوماسية الاسرائيلية وكيف يعمل” ولصقه “العرب في الاتحاد السوفييتي” الى جانب “العراق في الوثائق البريطانية سنة 1936” و “خواطر واحاديث في التاريخ” وفضلا عن مؤلفات حققها مثل “مرآة الشام: تاريخ دمشق واهلها” لعبد العزيز العظمة، و”مذكرات رستم حيدر” و”مذكرات جعفر العسكري”. والمهم انه يواصل بذات الهمة البحث والكتابة والبحوشة، وقد قطع الثمانينات من العمر.

نحن هنا في حاضرة مهيبة تتبادل فيها الكتب والجدران سر واناقة وإبداع هذا الرجل، في تأليف الكتب، وفي توليف الحياة.

بدأ يسألني عن زملائنا القدامى في الجريدة، وصرتُ أذكـّره بمـِلـَح تلك الايام فينفرج وجهه عن ضحكة طفولية، هكذا هو كما عرفته العام سبعين من القرن الماضي، وعندما وضعتْ السيدة نرمين، زوجته، كؤوس القهوة امامنا صمتَ قليلا، فلكل مناسبة حقوق، ولكل مقام مقال، وذلك بعض ما اعطته الفروض الدبلوماسية الانيقة للرجل، وهو- ايضا - بعضٌ من لوازم الحياة التي شق طريقها، ومن جمال ادبه الغزير.

بكلمة واحدة، نجدة فتحي صفوة ثروة وطنية، كان ينبغي ان تضمها الدولة العراقية الى المفرادات الثمينة التي تشكل هويتها وتاريخها.. فمن يسمع؟.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
في بذور اليوم كل أزهار المستقبل"
                                        مثل صيني


جريدة(الاتحاد) بغداد




 

free web counter