| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

السبت 28/7/ 2007

 


 

اختلاف الرأي.. يعترفون به ويصادروه


عبدالمنعم الاعسم

ليس صحيحا القول، دائما وفي جميع الاحوال، بان الاختلافات ظاهرة حضارية، وكان ينبغي القول، دائما وفي جميع الاحوال، بان ادارة الاختلافات بعيدا عن العنف والاكراه والاستئصال والاســــــــــــــتئثار والامـــــــــــلاء هو ظاهرة حضارية، حصرا ، وقد نكون، في الحالة العراقية، قد عرفنا الاختلافات منذ زمن طويل، وعرفنا ايضا قمع الاختلافات وفرض الــــــــــرأي الواحد والحـــــزب الواحد والرئيس الواحد، ونجرب في هذه المرحلة ان نمارس الاختلافات على قاعدة الاحترام المتبادل للرأي.. اقول: نجرب.. لأنه في موازاة هذا التجريب يجري اعادة انتاج عار الدكتاتورية وتحريم "وتجريم" حق ممارسة الاختلاف، وفرض التقديس على منظومة اراء وعقائد ومنع سواها بمختلف اساليب القهر والمطاردة، وهذا يفسر تراجع التعبير عن الرأي المخالف والعقيدة المخالفة والخيار المخالف الى اقبية سرية.
واستعجل الاشارة هنا الى روايات وتسجيلات تتسرب عن حلقات عفوية من الشبيبة العراقية المهمشة، في مدن ومحافظات الوسط والجنوب، حيث تشعر بالحصار والعزلة والتمييز والاقصاء إزاء سطوة المليشيات والمؤسسة الدينية واحزابها حين تحولت الى كابوس بالنسبة لهذه الشريحة الشعبية الاكثر ابداعا وتماسا بالثقافة والفن وصناعة الفرح والفتوة، وقد تناقصت الى حد مخيف النوادي الرياضية والثقافية والفنية التي لا تلتزم فكرا ورأيا ومشيئات المتسلطين، ويشار الى استدعاءات الى مساجد وتحقيقات وعقوبات جسدية طالت الالاف من الشباب من قبل مشايخ ودعاة ورجال دين بتهم مزعومة عن التطاول على المقدسات، ونحتفظ برسائل ومذكرات وشكاوى كثيرة تفضح مناهج قهر حق الاختلاف، يحجم اصحابها عن كشف اسمائهم خوف التعرض الى الانتقام منهم، او من عائلاتهم.
وثمة غير هذه الظاهرة الكثير من الوقائع التي يتناقلها مثقفون ومتعلمون واصحاب رأي عراقيون عن انسحاب هوامش التعبير عن الرأي المخالف تحت تهديد القوى الظلامية والمسلحة والمتسلطة وحتى من عصابات الجريمة المنظمة، ويمكن الاستدلال من جرائم الاغتيال الوحشية للمئات من الكتاب والاكاديميين والصحفيين الى التهديدات التي تلقاها غالبيتهم لرأي او موقف عبروا عنه، ما فرض جوا كابوسيا على الحياة العامة، وحياة ابداع الافكار بشكل خاص.
وبمعنى آخر، فان توصيف الاختلافات بانها لا تعدو عن كونها (ظاهرة حضارية) تنطوي على تبسيط بارد للأمر، لان الاختلافات، في جوهرها، ليست كما يقال ظاهرة حضارية تتصل بعصر التنوير السياسي بل هي ظاهرة سابقة لهذا العصر ابتدأت بتشكيل الجماعات البشرية الأولى، فثمة خلافات بين السادة والعبيد حول شروط التابعية وخلافات في صفوف السادة أنفسهم بصدد السلطة وخلافات بين العبيد ــ أيضاً ــ حول سبل الخلاص من الرق، كما ان العصر الوسيط الذي سبق اندلاع الثورة الفرنسية شهد اختلافات عاصفة في المجتمعات الانسانية وفي مجال علوم السياسة والطبيعة معاً، وليس أدل على ذلك من مأثرة غاليلي في تحديها للكنيسة لاثبات حقيقة ان الارض تدور وليست ساكنة ما تركت أثراً ليس في مجال المنجزات العلمية بل والفكرية أيضاً.
غير ان عصر المدنية (الحضارية) الجديدة أثرى موضوع الاختلافات في الرأي وربطه ــ وهذا هو المهم في حقوق التعبير عن تلك الاختلافات وحق ممارستها، فضلا عن حقوق الحماية الدستورية لاصحاب الآراء المخالفة واشراكهم في تقرير مصائر المجتمع.. ذلك هو المفتاح.
ــــــــــــــــــ
.. وكلام مفيد
ــــــــــــــــــ
" إياك والغرور فإنه يظهر للناس كلهم
   نقائصك كلها ولا يخفيها إلا عليك
".
                                             طه حسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة (الاتحاد) بغداد