| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الثلاثاء 28/6/ 2011

 

جدل التمديد والانسحاب..
والوطنية

عبد المنعم الاعسم 

في عالم العقد الاول من القرن الواحد والعشرين اختـُزلت سيادات الدول الى ورقة على طاولة الدول الكبرى، ولم تعد القوة العسكرية وحدها كافية لضمان حماية السيادة الوطنية لاية دولة، إذ دخلت على ذلك عوامل موازية تتمثل في ناحيتين، الاولى، علاقات الدولة مع جيرانها في اطار الامن والمصالح المشتركة وانضباط هذه العلاقات بمبادئ عدم التدخل او التوسع او التآمر، والثانية، متانة الجبهة الداخلية بين مكونات الدولة وشرائحها السياسية والاجتماعية وتماسك نظامها السياسي بحيث لا يفتح ثغرة للاطماع او مجالا للانتهاكات.
وإذ ورث العراق، عن حروب النظام السابق وحماقاته وايديولوجيته الديماغوغية، جملة من العداوات والريَب، ونزعات دفاعية تفرط في اعطاء الجانب العسكري مكانة في حساب القوة، فقد كان احتلال العراق العام 2003 عاملا في منع تمزيقه ولجم المحاولات الاقليمية لقضم اراضيه،من جهة، وفي إضعاف بنيته الدفاعية الذاتية، من جهة اخرى، فيما اضاعت البلاد ثماني سنوات في البحث عن منظومة دفاعية مناسبة تحل محل المنظومة السابقة، بين بناء جيش قوي في مستوى قوة جيوش الدول المجاورة، وبين تأمين قوة دفاعية سلمية منتخبة تحقق حماية السيادة دون التوسع بالتسليح او المضي في سباق التسلح مع الجيران.
وفي غضون ذلك تلكأت برامج التسليح والتأهيل واعادة بناء القوة العسكرية، وبدا للكثير من المحللين بان الجانب الامريكي لم يكن متحمسا كفاية لتسريع ايقاع عملية بناء جيش عراقي متكامل التسليح والقوة، ووجد الكثيرون في ما تنشره الصحافة الامريكية عن عدم ارتياح الامريكان للتركيبة الطائفية للمنظومة العسكرية العراقية ولهيمنة احزاب دينية على راس تشكيلاتها سببا لبقاء العراق كل هذه السنين في امس الحاجة الى حلقات تسليح استراتيجية.
وطبقا لمحللين عسكريين غربيين (البريطاني)تشارلز هايمان) فان مخططي الاستراتيجيات الامريكية يأخذون بالاعتبار في ملف تسليح العراق خشيتين متشابكتين ومتناقضتين، الاولى، وقوع العراق تحت ضغط (او هيمنة) جارته ايران، والثانية، تحول العراق الى عامل في اضعاف معادلة تفوق اسرائيل في المنطقة، ويضيف آخرون الى تلك الخشيتين خشية اخرى تتصل بضعف البنية الاحترافية لطبقة العسكر الجديدة، الامر الذي قد يهدد باستخدام القوة العسكرية الضاربة في الصراع السياسي او في حملات شوفينية تعيد الى الاذهان حملات صدام حسين، وتلخيص ذلك هو ان الادارة الامريكية تنظر بعين الحذر الى المطالبات الملحة من بغداد لاعادة تسليح البلاد والتعجيل بتشكيل الدفاعات الجوية والبحرية فضلا عن البرية.
وعلى هدى هذه المؤشرات سيكون خيار التمديد لبعض القوات الامريكية في العراق تحصيل حاصل، وإن كان معارضو هذا الخيار، في الداخل والخارج، لن يكونوا متفرجين، ولن يكون جميع الموافقين على التمديد سعداء.
على ان اسوأ صيغة للتعامل، عراقيا، مع ملف الوجود العسكري الامريكي هي اخضاعه للعواطف والمعايير والاعتبارات والمصطلحات المجردة، أو الى محاولات تركيب اسباب للوقوف مع التمديد او مع الانسحاب التام، فوق ما تتحملة حقائق الوضع، وبعيدا عن الحساب للاخطار والتحسب للمستقبل.
فالذين يدافعون، بحماس مفرط، عن التمديد ونشر قواعد امريكية يستطردون الى تحبيذ خيار الاندماج بالمشروع الامريكي الكوني ويروجون افضليات انتماء العراق الى كتلة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبيرة تتحكم بمصائر العالم باعتبار ذلك مدخلا الى القضاء على التخلف واللحاق بالمدنية وضمان التنمية والحماية الاقليمية، عبورا من فوق التفاصيل المتعارضة ذات الصلة بالسيادات والخصائص المحلية العراقية الاثنية والدينية والعقائدية ومشاعر الوطنية والتبعات الاقليمية لمثل هذا الخيار، فضلا عن استحالة امكانيات الاندماج وفشل تجارب دولية معروفة في هذا المجال وبخاصة الكثير من دول اوربا الشرقية والدول الاسيوية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي.
اما الذين يعارضون بحمية أي وجود عسكري امريكي، مؤقتا او دائميا، فان ثمة جهتين لا فائدة من مناقشة موقفهما، الاول، يمثل هواجس وارادات اقليمية تخطط الى ملء الفراغ الامني الناتج عن انسحاب القوات الامريكية وجر العراق الى محور المجاهدة والتوتير، والثاني، يتصل بالمشروع الارهابي المسلح الذي يعد لضربة امنية، وطائفية، تقطع الطريق على اية فرصة للاستقرار في العراق، وهو الوضع النموذجي المناسب لنشاط الجماعات الجهادية الاجرامية.
غير ان ثمة جماعات سياسية تضع ثقلها الى جانب خيار الانسحاب الفوري والناجز للقوات الامريكية والامتناع عن أي تمديد لها، وهي تنطلق من حزمة اسباب وقراءات تتجمع في الاعتقاد بان الحالة العراقية ستشفى من العلل والاختلالات والضعف حالما يغادر أي جندي امريكي من العراق، وان الجدارة العسكرية للقوات الدفاعية والامنية يمكن ان تتحقق، وبوتائر عالية، حين يتخلص القرار الوطني من قيود الاتفاقية الامنية والوجود العسكري الامريكي، وتذهب بعض قراءات هذا المعسكر الى ان انسحاب القوات الامريكية من شأنه ان يخفف من تدخل بعض جيران العراق في شؤونه، وقد يُبعد شرهم، ذلك لأن العراق، حسب هذه القراءة، سيكفّ، في حال خلوّه من القوات الامريكية، عن ان يكون منصة تهديد للجيران، او جسرا للوثوب اليهم.
وإذا ما استبعدنا الحسابات الامنية لانسحاب القوات الامريكية، فاننا سنطالع آمالا يعلقها البعض من الفئات السياسية على مرحلة ما بعد الانسحاب البعض إذ يتطلع الى استثمار اوضاع ما بعد الانسحاب لتحسين موقعه في معادلات الصراع على السلطة، أخذا بالظن، ان الوجود العسكري الامريكي متحيّز الى هذه الكتلة او تلك، وان انطفاء دوره من شأنها اطفاء تنافس المعولين عليه، في نهاية المطاف.

في كل الاحوال، وفي جميع الاعراف والقيم والمعاهدات والمفاهيم، يُعدّ الاحتلال العسكري لاية دولة قوة بغيضة، يتساوى في ذلك الاحتلال الذي يقوم به نظام (حاكم. جيش) اجنبي طامع، توسعي، مع احتلال يقوم به نظام شقيق او صديق بدواعي مختلفة، كما تتساوى الاحتلالات في بُغضها (ميثاق الامم المتحدة) سواء تمت، كفعل مخطط له، تحت شعارات انسانية انقاذية، ام تمت تحت دواعي انتقامية توسعية او كرد الفعل على سلوك دولة معتدية.
وهذا ما يُدخل الجدل الى موضوع الوطنية (او القومية بحسب مصطلحات كثيرة) حيث تعبر هذه الوطنية عن نفسها (في مختلف المجتمعات) باشكال عديدة، المقاومة واحدة منها، وتـُعدّ، إذا ما نأت عن التطرف والعنصرية والعدوانية، عامل توازن وتضامن واستقرار وتنمية وهيبة في المجتمعات والامم، وبخلاف ذلك، فان المجتمع الذي تتدهور فيه الغيرة على الوطن وتتدنى فيه مشاعر الوطنية الى مناسيب منحطة، وتحل فيه نزعات الدونية محل الكرامة، لا يمكن له ان ينهض باقامة دولة سليمة، ذات سيادة، تحظى باحترام جيرانها والعالم، ولا انْ يضمن استمرار هذه الدولة على الخارطة، وياما انقرضت دول وامم من صفحات التاريخ حين كفّ ابناؤها عن حمايتها بالوطنية وتعاملوا بالانانية وانعدام الغيرة مع التحديات التي واجهتها.
باختصار فانه لا يصح، عراقيا، شطب العامل الوطني من معادلة الجدل حول مصير القوات الامريكية، طالما هي تتصرف (ومفوّضة باتفاقيات) بجزء من ارادة السيادة والنظام السياسي، وبمعنى لآخر، فان خيار التمديد المؤقت او الانسحاب الناجز لا ينبغي ان يعبر من فوق المشاعر الوطنية، ولا ينبغي، طبعا، الاستهانة بنتائج تجاهل هذه المشاعر على المدى البعيد.
مقابل ذلك لا يصح تبسيط النظر الى العامل الوطني العراقي في قضية مصير القوات الامريكية في العراق، ولا ينبغي اختزاله الى جزيئة سياسية، بحيث يصبح كل من يدعو الى إخلاء (تحرير) العراق فورا من جميع القوات الاجنبية وطني وينطلق من جذوة الوطنية(هناك عصابات الارهاب. ووكلاء الدول الطامعة. ونهازو الفرص للوثوب الى السلطة) ولا اعتبار كل من يدعو الى التمديد قدْ فقدَ قطرة الحياء الوطني وباع الوطن الى الاجنبي، فنحن بصدد البحث عن مخرج وقائي لمأزق تاريخي ارتمى اليه العراق في ظروف متشابكة ومعقدة هي اقوى واخطر وابعد اثرا من التعريفات والمصطلحات.
الامر الذي ينبغي الاعتراف به ان الوطنية العراقية اخضعت للتشويه المنهجي في ظل دكتاتورية صدام حسين بحيث صار الحاكم المستبد هو الوطن، والتمرد عليه تمردا على الوطن، بل ان شرائح وفئات ومتبوعات اديان جردت عنها الوطنية لمجرد ان شبهة عدم الولاء للدكتاتور حامت حولها، فيما الان نتابع تطبيقات فجة لمفهوم الوطنية الذي يحرص لاعبون على تفصيله على مقاساتهم.. فيما مقاساتهم اقل بكثير من رداء الوطنية.
 


جريدة (الاتحاد) بغداد
 

 

free web counter