| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                               الأثنين 27/8/ 2012

 

الكتابة في السياسية

عبد المنعم الاعسم

يجدر، في البداية، الاعتذار لقرائي مرتين، مرة لأني لم ابلغهم، مسبقا، عن هذا الغياب المفاجئ الذي امتد لاكثر من اسبوعين، ومرة اخرى لأن محرر الجريدة هو الآخر اهمل المسؤولية حيال القارئ الذي يتابع هذه الزاوية، ولم يستبق الغياب بإشعار له ما يبرره.

اقول ذلك تعقيبا على استفسارات وصلت على عنواني الالكتروني من اصدقاء وقراء عن سبب الاختفاء المفاجئ لـ"جملة مفيدة" للمرة الاولى (كل هذا الوقت) بعد ما يزيد على ثماني سنوات من دون انقطاع.

الى ذلك فان الكاتب السياسي لا ينبغي ان يشغل قراءه بشؤونه الشخصية. ذلك حقهم عليه، وفرض من فروض امانة الكتابة في الشان العام، حتى وإن أخذت خصوصياته شكل احتجاج على مسار الاحداث، أو زعل حيال استطراد استفزازي في الادارة السياسية، إذ يخشى ان يضع قدمه في الموضع الذي ينتهي الى منزلق، وبالنهاية الى خيانة مسؤوليته.

قد يصمت الكاتب، ذلك من حقه، لكن ذلك الصمت يصبح كتابة عندما يكون ثمة ما يضطره، وما يتصل بحساسية المواقف واحتشاد الاخطاء والاغاليط والسباق المحموم لخداع الناس، الامر الذي قد يجعل منه شاهد زور، او في الاقل متواطئا مع الضلالة السياسية. الصمت هنا استراحة للضمير.

الكتابة السياسية مسؤولية لانها تضع عناوين لما يجري من احداث. تحركها. تحيي خلاياها. تحولها الى مصائر، وهي ايضا ذاكرة لانها لا تعيش خارج التقاويم واليوميات والاحداث والمصائر.

مرة طلبوا من الكاتب والسينمائي الاسباني الشهير خورخي سيمبرون، الذي عاش حرب الجمهورية الاسبانية عام 1936وحمل شرف الانتماء لها حتى وفاته في مثل هذه الايام قبل عام، ان يتحدث عما يعانية من مواجع، وقد بلغ الخامسة والثمانين من العمر، قال: "الذي يحدث في اجساد المقموعين والضحايا هو ما يوجعني" وشاءت صحيفة البايس الاسبانية الشهيرة ان تصف سيمبرون بالقول انه "ذاكرة القرن العشرين" أما غوستاف غافراس اكبر روائيي العصر فقد قال ان خورخي سيمبرون كان على درجة عالية من "النزاهة الفكرية والسياسية" فيما اعتبر شارل غو رئيس أكاديمية الغونكور الفرنسية أن للرجل "حساسية خارقة" فهو من الرجال الذين جعلهم الألم يتكلمون من غير نطق ويصمتون كلاما.

اقول، لقد جرّت الازمة السياسية في البلاد الكاتب السياسي الى مطبّ ضميري حرج، محيّر،عندما جعلت الجميع ينظرون الى المنافع والعوائد الشخصية والفئوية من اية تسوية، وعندما غاب "المثال" الذي يعلن استعداده للتنازل ولو عتبة واحدة عن سقف الشروط والمكاسب التي يتخندق بها، واحسب ان هذه الازمة وضعت الكاتب السياسي في نقطة المراجعة. التأمل. اعادة تنظيم المعلومات.

اقول: الكاتب السياسي، وليس المهرج السياسي.


"الطريقة الوحيدة لاكتشاف حدود الممكن هي تخطي هذه الحدود قليلا إلى المستحيل"    
                                                                       آرثر سي كلارك - مؤلف قصص خيال علمي     
 

جريدة(الاتحاد) بغداد

 

free web counter