| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         السبت 26/3/ 2011

 

قذافيّو العراق.. رطانة اخرى

عبد المنعم الاعسم 

لم يستطع المعجبون بمعمر القذافي في العراق إخفاء امتعاضهم من المآل الذي انزلق اليه الرجل وهو يطارَد "من زنقة الى زنقة" ولا يزال الكثير منهم يراهنون على صموده وامكانية خروجه من المعركة سالما، وربما اقوى، ولا يهمهم طبعا ثمن هذا الخروج المشكوك فيه من الكوارث التي تحل بليبيا وشعبها، كما لايهم اصحاب القذافي (ولا يأتي في بالهم) لزوم البحث، قبل حلول الخراب، في الخيار الوقائي المنطقي بالتخلي طواعية عن السلطة في ترتيبات مدنية تحول دون التدخل الخارجي وسقوط ليبيا تحت الاحتلال ودوامة الموت اليومي المجاني.
المعجبون بمعمر القذافي في العراق يستعيدون حموضة هزيمة صدام حسين بالمقلوب: كان سينتصر لو لم يخذله حلفاؤه العرب.. ويقللون من شأن المأزق الذي تخلقه الدكتاتوريات لشعوبها، ونتائج المراكمة الطويلة لسياسات القمع ومصادرة الحريات وتركيع الملايين امام السيّاف وحكم الحزب(الفرد) الواحد، وينكرون الحقيقة الموازية الاخرى المتمثلة في ان التدخل الخارجي ليس سوى النتيجة الطبيعية لمنهج حكم (وحاكم) رقص كثيرا خارج الحدود قبل التحسب للعواقب.
هؤلاء استباحوا الدروس التي اعطتها نهاية صدام حسين، وهي تتكرر، على نحو ما في سلوك الحاكم الليبي الذي يتدثر، مزهوّا، بلقب ملك الملوك المثير للضحك، ولا ندري كم منهم سيتأمل هذه النهاية من الزاوية الواقعية، غير ان بيانات وكتابات وتصريحات صدرت عن أعلامهم (بعضها نشر بواسطة اقنية عراقية)لا تدع مجالا للشك في ان الكثير منهم ما زالوا "يركبون رؤوسهم" بالمراهنة على سحر الجملة القومية (والدينية) الثورية في تحقيق الاهداف السياسية، ويتخندقون في الاستنتاج المضلل بان أي مخاض اجتماعي او سياسي في أي دولة عربية املته دائرة الصراع العربي الاسرائيلي، و"المخططات" المشبوهة في حين جرى الماء كثيرا ومتدفقا من تحت هذا الاستنتاج العتيق، واخذ الصراع في المنطقة مجار جديدة.
وإذ عصفت الاحداث الدراماتيكية الاخيرة في هذه المنطقة بالالوان السياسية التقليدية المتوارثة عن عقود الحروب والصحوات (الانكفاءات) الدينية، وضربت بالصميم المحاور والتحالفات الاقليمية، والقت بمصائر الانظمة الحاكمة بكل مسمياتها الى الشارع وعلى مهب الريح فان معسكر القذافي في العراق يقدم نداء التضامن مع "ليبيا الصمود" باقل ما يمكن من احترام المعطيات والحقائق والمشاعر، وباكثر ما يتوفر له من رطانة سياسية.
على اننا لا ينبغي الافتراض بان اصحاب القذافي العراقيين طارئون على ساحة السياسة، او انهم لا يتابعون ما يجري على الشاشات الملونة، او ضحايا اخبار مدسوسة، او انهم مرتاحون (سعداء) حيال خطابات العقيد الكوميدية، لكننا سنفترض بالتأكيد انهم يعرفون بان سقوط القذافي من شأنه ان يعيد الى الاذهان وجاهة (وضرورات) سقوط صدام حسين.. إذ اجرم الاثنان بحق بلديهما.. وبحق نفسيهما.
وطبعا، لا يثير العجب ان يناصر أتباع صدام حسين محنة القذافي ومعركته الخاسرة. العجب في ظهور ما يشبه التيار «الخجول» في الساحة السياسية العراقية لا ينظر الى ما يحدث في ليبيا إلا من زاوية واحدة هي العداء لأمريكا، بالرغم من ان ادارة اوباما ترددت كثيرا قبل ان تنتقد استخدام العنف المفرط والقتل ضد التظاهرات السلمية في ليبيا، وبالرغم من ان الولايات المتحدة شاركت وتشارك على مضض في العمليات العسكرية لفرض حظر الغارات الجوية الحكومية الليبية ضد السكان الآمنين.
وشاءت محاولات اصحاب القذافي العراقيين، الجدد، قلب المعادلة من معركة للحرية يخوضها شعب امتـُهن وأُذِلّ طوال اربعين سنة الى عنوان "مؤامرة امريكية" ان تصطدم بالسمعة المتردية للقذافي، على جميع المستويات، وبهزال ادارته السياسية للأزمة، وبخروجه على اخلاق الصراع السياسي الى فجاجات انفعالية مثيرة للشفقة والقرف.
فالتيار القذافي في العراق، مثل القذافي نفسه، لا يعترف (ولا يريد الاعتراف) بالواقع، أو ان الواقع بالنسبة له هو ما سيحدث بعد الف عام تحت شعار: "المستقبل لنا، ولا يصح إلا الصحيح" وهكذا، فقد فاجأتنا اصوات التيار منذ اول تظاهرة سلمية شهدتها مدينة بنغازي في الاول من آذار الماضي تطالب برحيل العقيد وابنائه وكتابه الاخضر بالقول (حتى قبل ان يقولها القذافي) انها مؤامرة غربية ينبغي دحرها، وذهب البعض من الاصوات الى الدعوة للتظاهر لنصرة نظام العقيد في نفس الوقت الذي سحب المجتمع الدولي، على لسان الامين العام للامم المتحدة، شرعية هذا النظام، وهي مبادرة نادرة في تاريخ المنظمة الدولية منذ تاسيسها قبل ما يزيد على ستة عقود ونصف.
قد يقال، في مغالطة او عجالة، ان ظلال القذافي شاحبة في العراق، لكن الواقع يكشف عن مكونات تيار محلي يسترشد بالبطريكية (الدينية او القومية) وهي نفسها جوهر ما خلفه القذافي من افكار وممارسات ترفع صفة الزعيم السياسي الى موصوف المعبود.
خطورة تيار القذافي في العراق تتمثل في خطورة ثقافة الدونية الاجتماعية، والابوية السياسية، وكذبة القائد الملهم، الضرورة، المنزّه، المصيب دائما، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. لا ينتصر إلا برغبته وعندما يرغب، ولا ينهزم إلا إذا اراد. صاحب الحكمة والكرم والحل والربط والصفحة البيضاء، الذي يخيف ولا يَخاف. مصائر الجميع بيديه. أرواحهم بيديه. يفكر بالنيابة عنهم، حتى في ما يتعلق بالطريقة التي ينبغي ان يموتوا بها.. فكم في هذا العراق من القذافيين..
وكم في ثيابنا من ثقوب باسمائهم.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
العارف لا يكون واصفا ولا مخبرا"
                                   عنيزة البغدادية

 

جريدة(الاتحاد) بغداد




 

free web counter