| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                              الأثنين  26 / 5 / 2014


 

التاريخ..

عبد المنعم الاعسم 

ماذا سيقول التاريخ عن هذه المرحلة "العراقية"؟ سؤال يطرح نفسه كلما التبست مجريات السياسة، وتداخلت وتشظت ارادات العراقيين، وظهرت على السطح علامات مخيفة عن المستقبل الذي ينتظر هذه الدولة.

والسؤال التفصيلي، الاكثر اهمية، هو من سيكتب التاريخ الذي نتحدث عنه؟ هناك من يستبعد سلامة المدونات التاريخية المكتوبة من قبل السلطات او منظومات العقائد الدينية او الوضعية فهما معا سيكتبان اساطير وبطولات وحقائق عليلة. وهناك من يرى، ونحن منهم، ان التاريخ الاقرب الى الحقائق يكتبه اولئك المغضوب عليهم، المجلودة ظهورهم، من الشهود والرواة والعلماء والشهداء، الفارّين من الطوائف والعصبيات والولاءات، الذين اشتغلوا على كيمياء الاحداث وسجلوا الوقائع من دون ان ينظروا خوفا الى نوافذ الحاكم، او ينتظروا “عفارم” زبانيته، بل انهم اصحاب فكرة مزبلة التاريخ حين دحرجوا الطغاة وانظمة الاستبداد والمزورين واعداء الحرية الى نهاية تليق بهم.

غاليلو والكندي واسحاق نيوتن وليوناردو دافنشي وفيكتور هيجو والحلاج، وغيرهم كثيرون قلبوا سياق الكتابة عن التاريخ فلم يرووا لنا اساطير منفوخٌ في ملامحها ولا مكائد القصور ومؤامرات الخلفاء والاباطرة، ولم يكن ليعنيهم مرضاة صاحب النعمة، ومجد اولئك انهم علموا الكتبة من اية زاوية يقرأون الاحداث والوقائع وفي اي مكان يضعونها، لنتذكر المشكلة التاريخية التالية: عندما احترقت روما (هكذا كتب المؤرخون) كان نيرون يعزف، متسليا، بقيثارته، ودخلت هذه المفارقة (وقل القيثارة) في كراسات المدارس وكتب التاريخ، ثم اكتشف بعد ذلك ان القيثارة لم تكن قد اختُرعت آنذاك في عصر نيرون، ثم، وهذا المهم، لم يعتذر احد من الذين دسوا هذه الكذبة في كتب التاريخ، او في ذاكرتنا.

بل ان هناك شكوك في سلامة ومصداقية المدونات التي ارخت الثورات، من ثورة سبارتوكوس وثورة الزنج وثورة اكتوبر حتى الثورة العلمية التكنولوجية، وثمة نصف تلك الشكوك (كما يقول الروائي الامريكي المصلح هيرثورن) يمكن ان يكون صحيحا، ولو عدنا الى رواية “وداعا يا غولساري” لجنكيز ايتماتوف، والى رواية “السيد الرئيس” لاوسترياس سنجد اننا لم نلتقط كفاية تلك الحقائق العميقة في ما بين السطور، يكفي ان نتذكر ان ايتماتوف كان يسأل ثائرا عما دفعه الى الثورة فكان الاخير يجيب “ لا اتذكر” ولكن ايتماتوف، مثلنا، كان سليم النية، بل وكان صادقا في كفاحه من اجل الحرية الى ابعد الحدود.

ان العلوم الحديثة تحذرنا مما يقال على انها حقائق تاريخية، يكفي هنا ان يشار الى حكاية دموع التماسيح، إذ نكتشف ان التماسيح لا تذرف الدموع لسبب بسيط هو انها لا تملك غددا دمعية.


"لا تسقط التفاحة بعيداً عن شجرتها"
                                         مثل روماني

جريدة (الاتحاد) بغداد





 

free web counter