| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                               الأحد 26/8/ 2012

 

للاسرار حرمة

عبد المنعم الاعسم

ازدادت حالة تهديد السياسيين لبعضهم بكشف “اسرار نائمة” ستطيح بخصومهم، بل ان بيانا اصدرته كتلة سياسية ضد احد اركانها خرج، في مفردات الاتهام والتخوين والعمالة وسوء الاخلاق، عن كل ما نعرفه من الادب السياسي واصول ادارة الخلافات، وشاءت المهزلة ان يعلن “الضحية” لجوءه الى المجالس العشائرية لاستعادة الاعتبار اليه.

يعيد هذا “الحادث” الى الاذهان تلك الشكوى المريرة  من عدم نضوج بعض زعامات الطبقة السياسية العراقية التي تنزل بالصراع والخلافات السياسية منزلة الابتذال والضحالة، كما يعيدنا (وهو المهم) الى السؤال التفصيلي عما اذا بقيت اسرار خافية حقا حتى الان في العراق.

 قبل سنوات قليلة كتب الصحفي الالماني جيروم هولش الذي زار بغداد “لا اسرار في العراق.. الصندوق مفتوح على مصراعيه” وذلك في نطاق ما سجله عن مشاهداته في “اسبوعية برلين” مؤكدا ان “المعلومات” التي يسعى الصحفيون والمراسلون الوصول اليها في بغداد تتيسر بطريقة سهلة “واحيانا من غير كلفة” أو “من دون ثمن” ويعيد ذلك الى ما اسماه  بقلة تحسب العديد من السياسيين ازاء “امور حساسة” ينبغي ان يكون مكانها “صندوق الاسرار”.

مقابل هذا وقبل هولش باكثر من عشر سنوات كتب مراسل لصحيفة اللوموند الفرنسية من بغداد “ان العراق بلد من دون ارقام” وذلك بعد اعياه البحث عن ارقام ومعطيات تساعد في تكوين قراءة عن احوال العراق، فقد كان يتلقى جوابا واحدا من مسؤولي النظام السابق “الارقام سيادية وغير مسموح تداولها” وهي ذريعة سخيفة تستهدف التعتيم المقصود على المعلومات الخاصة بتحكم الجماعة الحاكمة بثروة البلاد ومسؤوليتها عن تردي الاوضاع،  ولاحظ المراسل باستغراب ان السلطات الحاكمة آنذاك منعت تداول الارقام حتى في  نشرات الانواء الجوية في العراق “كي لا يستغلها العدو” ثم، بعد ذلك، راحت تتلاعب بارقام درجات الحرارة، وتحرف المعلومات الخاصة بالتنبؤات الجوية.

الحقيقة تتمثل في انه ليس ثمة بلد في العالم لا يعنيه حماية “نوع” من الملفات الخاصة بقضايا الامن والمصالح القومية والعسكرية والاقتصادية  واسرار الناس من العبث، وليس ثمة دولة لا تملك صندوقا للاسرار تهتم بحراسته والحيلولة دون الوصول اليه، والسرية هنا لا تخص ظروف الحرب فقط بل انها من لوازم الحماية الوطنية في ظروف السلم ايضا.

اقول، اكاد اصدق ما كتبه الصحفي الالماني عن صندوق الاسرار العراقي المفتوح على مصراعيه، فقد حضرتُ مساجلة قدم فيها موظف سابق”مغضوب عليه” الى محدثيه، ، حزمة من اسرار”خطيرة” عن المرفق الذي كان يديره، وعن ملفات وارقام واسماء وعائلات وصفقات ودول كان قد اؤتمن عليها وينبغي ان تكون في مأمن من التداول، بل وهدد ان يكشف المزيد للاطاحة بخصومه، ويقال ان لاولئك الخصوم سجلات كبيرة من الاسرار تدين المتحدث وقد ترسله الى المقصلة .


"فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفةً

           حَفِظْتَ شَيئاً، وغابَتْ عنك أشياءُ"    
                                          ابو نؤاس
 

جريدة(الاتحاد) بغداد

 

free web counter