عبد المنعم الأعسم

بصمات البرابرة

عبدالمنعم الاعسم

نعرف انهم يتسلون بمشهد انهيار جسر الصرافية ويعدون مشهد انقذاف السيارات والمارة الى الموت بمثابة مأثرة جديرة بالفخر، فنحن واياهم من عالمين مختلفين: عالم الجريمة وعالم السلام.
نعرف انهم يضحكون، يضحكون، حتى يتطوحوا رقصا، حين يشاهدوننا نلملم ايادي وارجل واشلاء ابنائنا ثم نحملها على اكتافنا في نعوش يجللها السواد الى مقابر مجهولة.
ونعرف انهم يتشفّون، ويرفعون كؤوس المناسبة الحمراء حين تفيض ساحة المذبحة بمشاهد النسوة والاطفال المذبوحين بشظايا السيارة المفخخة.
هم يفخخون، ونحن ننقل الضحايا الى المستشفيات فيموت الكثير منهم قبل يصلوا الى النجدة.
هم يتسللون في جنح الليل ملثمين.. ونحن نصافح شمس الصباح حاسرين..هم المؤامرة ونحن النداء..هم اللغم ونحن الوضوح.
نعرف من اين يأتون الى وليمة الدم كمنبوذين، لاننا نعرف من اين نأتي، نحن، كضحايا..كلانا ياتي من جهة في الارض، هم من جهة موبوءة بالثعابين والعتمة، ونحن من جهة مسكونة بالغزلان والضياء.
نعرف الطريق الى جهات العالم الاربع المفتوحة على الغابات والمدارس والمحبة، وهم يعرفون الطريق نحو جهة واحدة مفتوحة على الكراهية والانتقام والزعيق.
يقتلون ونضمد.
يعتمون وننير.
يدنسون ونطهر.
يتحدرون من دورات الغبارالخانقة، ونتحدر من خزانة الهواء النقي.
نعرف اسماء اولئك الذين قطعوا علينا طرق المدارس والكليات، وتركوا كوكبة من اطفالنا يتامى وباقة من امهاتنا ثكلى، وجمع من شيوخنا مكلومين، حين فجروا احقادهم في جسر الصرافية وقبله في جمع من المارة والباعة وسواق السيارات.
نعرف انهم لا ينتقمون لضحايا قصف الطائرات، ولا المدنيين الابرياء، بل ينتقمون للدكتاتور ولتوابعه.
نعرف عصرهم المتوحش، يحملون فيه العصي والشفرات والانصال المسمومة والتهديد بالقتل، مثلما نعرف عصرنا النبيل، نحمل فيه الكتب والاقلام والغيتارات ووعود الحياة.
هم يجيدون تدمير الجسور وأقنية الماء وشبكات الكهرباء، ويحسنون اضرام النار في انابيب النفط وفي المنازل الآمنة، ونحن نجيد الكفاح من اجل ان يبقى الماء عذبا والنور ساطعا والنفط جاريا والمنازل آمنة.
هم لهم خزي الكهف والظلام ونحن لنا مجد الهواء الطلق.
لهم الخزي، ولنا المجد.
ـــــــــــــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ــــــــــــــــــــــــــــ
“لم نكن لنعرف العدالة قبل ظهور عالم الجريمة”.

شوبنهور

جريدة (الاتحاد) بغداد