| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

الأحد 24/6/ 2007

 




قطط سمينة.. وشريرة


عبدالمنعم الاعسم

وهكذا، بعد فضيحة دار الايتام، اكتشفنا ان لدينا من يتشبهون بالقطط، والقطط السمان حصرا، بالاضافة لبشر وحوش احترفوا القتل والذبح.. اقصد صارت لنا ثقافة التشبّه بالبزازين، او اتقان عادة البزازين في الاستحواذ، والمواء، والمطاردة والتواري عن الانظار والشراهة، وفتل الشوارب، ثم لماذا نجلد انفسنا الى هذا الحد؟ ولماذا نحتج ونولول على الفساد والفاسدين؟ فثمة قطط سمان لدى كل دول الجوار، وفي جميع دول جامعة الدول العربية واعضاء المؤتمر الاسلامي، والبعض من تلك القطط، اقصد المتشبهين بها، يظهر على واجهات التلفزيون، يناقش، ويفحم غيره، ويدعو الى الاحسان والفضيلة والتبرع بالدم وتكوين فرق طوارئ وإنقاذ، ويقدم لك جرعات من الامل والتفاؤل عن المستقبل، ووجبات من الحِكم والنصائح بوجوب الصبر، لكن اياك ان تذكّره بالفساد والتهريب واللطش والتلاعب والتزوير، ومن اين لك هذا، فانه سيقلب عليك طاولة النقاش، ويختزلك من متهِم الى متهَم ، ولا ينبغي ان ترفع صوتك، فانه سيزمجر وسيصبح كلامه دوي، وحججه نِبال.
مكان القطط الفاسدة في كل مكان.. في الحكومة والاحزاب والمعارضة.. في الاعلام ومنظمات الاحسان ودور الايتام والمجتمع المدني وهيئات النزاهة واجتثاث التعدي على الاموال العامة، ومحافل العبادة. يلبسون البدلات الاوربية اوالعمائم اوالشراويل اوالعُقل. يعرفون جميع اللغات، واللهجات، والعادات. لديهم "اصدقاء" متفانين في الوزارات والسفارات والبنوك وشرطة الحدود والكمارك. سخاؤهم لا شك فيه، ونعومتهم لا يختلف عليها اثنان. لا تجرب التعرف الى طيبتهم ومشاعرهم الرقيقة، فهم يبكون بدمع ساخن لاتفه قصة عن مقتل عصفور على يد صياد قاسٍ، او عن اب لخمسة اولاد فقدَ اجره اليومي في عملية نصب.
السؤال هو، كيف تسنى لهؤلاء ان يتقمصوا شخصية تلك القطط؟ او كيف استطاعوا ان يستلهموا مهارة القطط في توليف الثروة بالطرق الشيطانية، ليس اهونها الاحتيال؟ وهل ان القطط سبقتهم، فعلا، الى صفات النعمة بالجشع والاثراء بالسطو والغِنى بكل وسيلة حرام؟ لكن السؤال الاهم هو: لماذا القطط؟.
استأذِنُ القارئ في هذه اللجاجة، وسآخذه في جولة الى عالم هذا الحيوان الذي شاء حظه العاثر ان يكون رمزا لشريحة بشرية عُرفت بالشراهة والاحتيال والفساد.. فاقول:
يبدو ان سيرة القطط، نفسها، لا تخلوا من طبائع وسلوك لافتة بحيث تماثل معها بشر من بيننا، إذ اكتشف الحكماء ذلك التماثل فذهب لديهم مثَلا، فان مخلب القط المستور المعروف بالخرمشة والفتك، أهّل هذا الفصيل من الحيوانات ان يكون من عائلة الاسد والنمر والفهد المتوحشة، على الرغم من انه يحسن المؤانسة والمداهنة والاندساس في الفراش واشاعة الاطمئنان.
وقد وجدت خلال رحلة التقصي في خلفيات العلاقة بين القطط والانسان ثمة اشارة الى صفة حملها القط المنزلي الاليف كونه "حرامي البيت" بالمقارنة مع وفاء الكلب، وقد تجد في بعض سلوكياته نزعة مرعبة، حيث يأكل احيانا اولاده الصغار خشية وقوعهم بيد الغير، وفي معابد القدماء وخرافاتهم ثمة الكثير من التعويذات والتمائم باسم القطط نظير شر او حقد، ووجد الاثاريون المصريون الهة قط"بس" بين الفراعنة، وثمة في ذاكرة بغداديي القرن الماضي رواية عن "بزونة حسين الطعمة" التي كانت تمعن في استغفال الرجل فتأكل طيوره واحدا بعد الاخر حتى كمن لها وقبض عليها واجلسها بالقوة على سيخ مشويّ فنطّت من بين يديه وهربت من دون رجعة..
فمن الذي يكرر تجربة حسين الطعمة بواحدة من بزازيننا الغادرة؟.

إذن، هناك شراكة بين طبائع البزازين الفاسدة وطبائع جنس من البشر عرف بفساد الذات، وانتعشت مواهبه وجرائمه لدينا في العراق في غضون انفلات الامن وانفلاش القيم، وانفلاق السلطة الى شظايا لا ترى بالعين، وجاء في كتاب عن سايكولوجية القطط الفه عالم بيطري فرنسي اسمه جول دوهين شرح مستفيض عن بداهة الغدر لدى هذا الحيوان وشغلت مقارنته بالكلب(الوفي) صفحات كثيرة، ويُنقل عن مدرب شهير للقطط في الولايات المتحدة، توفي مؤخرا، قوله " حين تأنس للقط وتساومه فانك ستخسر كثيرا قدر ما احسنت اليه.. انه مخلوق شرير، برغم نعومة جلده".
في تاريخ المشاهير ثمة قطط شاء المؤرخون ان يكتبوا عنها الكثير، لكن ثمة في تلك الكتابات سطور لاتخلو من الاعتراف بقذارة او اشكالية طبع تلك الحيوانات التي آنست اصحابها وشغلتهم عن وحدتهم، فقد اشير الى قط بودلير الغامض وبزونة لينين الرقطاء وقط ماسبيرو المبتسم وقطط هيتشكوك البرية المتوحشة، وبزازين بلزاك المثيرة للشكوك، وفي (محاضرات الادباء) كتب الراغب الاصفهاني عن السنور الذي كان مدللا لدى ركن الدولة واراد صاحب له ان يوصل له رسالة مهمة امتنع حاجبه عن ايصالها، فوجد سنور السلطان في ممرات القصر فربط الرسالة في عنقه ودفعه نحو مجلس سيّده فاخذها الاخير وقرأها ووقع عليها بالموافقة، ويكتب رقيب في شرطة ستوكهولم عن تجربته في حراسة بيوت القطط والكلاب، انه عانى من التعامل مع البزازين وسوء طباعها وسلوكها وكيف كان يتصالح بسهولة مع كلب مشاكس خلاف ما كان يحصل له مع هر يتفنن في الازعاج، الامر الذي يذكر بما قالته ميسون الشاعرة لمعاوية :
وكلب ينبح الطرّاق دوني
احب اليّ من قط الوفِ.
وبرغم ان الجاحظ في حيوانه حضنا على الاحسان الى القطط ، واخذها مأخذ حسن الظن، غير انه ترك لنا اشارة الى واحدة من مهاراتها الدفاعية بالقول "وعندما تسقط (من أعالي) فانها تنزل بخفة على اقدامها المبطنة" لكي نسترشد منها الى موهبة النصابين في النفاذ، بخفة قط، من المطاردة القضائية، وليس من دون دلالة قول الجاحظ ان للقط، خلاف الكلب، يحتفظ باسماء عديدة فهو الهرّ والضيون والسنّور، وليس للكلب اسم سوى الكلب ولا للديك سوى الديك، وفي دراسة معاصرة نهتدى الى تعدد الهويات الوطنية للقطط، فثمة القط الشيرازي وقط بورما المقدس والقط الرومي والقط الافريقي، وتسلط الدراسة الضوء على اسرار علاقة هذا الحيوان بعقيدة تناسخ الارواح القديمة، ويشار الى مكان القط في معابد التبت بوصفه كائنا مقدسا يجب استرضاؤه حتى لا يخمش بمخالبه الجارحة، وفي قصص ادجار الن بو نتابع ذلك القط الممسوس بالشيطان والمثير للتشاؤم والتقزز والذي احترف مهاجمة الرهبان والاديرة، وكتب علي بن الحسن الخزرجي في (العقود اللؤلؤية) ان الفقيه محمد بن شافع، ربما كان منحرفا، حين عاش في القرن السادس عشر الميلادي في تعز باليمن من دون عيال ولا زوجة، لكن "كان في بيته نحوا من ثلاثين سنورا، ما بين ذكر وانثى".
على ان مأثرة القطط الوحيدة، موضع الاجماع، تتمثل في ملاحقتها الغريزية للفئران، وتجسد ذلك في نسيج قصص ومفارقات (توم وجيري) لكني احسب ان القطط ستتخلى عن هذه الماثرة لو عرفت بانها تساعد في القضاء على مرض الطاعون.
ــــــــــــــــــ
كلام مفيد:
ــــــــــــــــــ
" للزنابق الفاسدة رائحة اشد فسادا ".
                                             شكسبير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة(الاتحاد) بغداد