| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الثلاثاء 23/8/ 2011

 

عجيب امر الطغاة

عبد المنعم الاعسم 

لم يبق للقذافي سوى حشرجة اخيرة يشد بها نهاية حكم الكابوس المرعب، لأربعين سنة، بمصير لا مفر منه. في تلك اللحظات اعلن مزهوا ان النصر قريب، تلك اللعبة الملهاة التي زاولها جميع طغاة الارض: منتصرون حتى وإن هزمنا.
صوت القذافي وهو يتحدث عن الانتصار فيما هو يقف على حافة النهاية يتقلص الى مساحة ضيقة من الفضاء الواسع هي ما تبقى له من فرص مستحيلة لالغاء حركة الزمن نحو الهزيمة المنكرة.
عجيب امر الطغاة. كلهم من فصيلة دم واحدة. يقتلون بدم بارد ويتحدثون، حين يداهمهم القصاص، بزعيق حار. صدام حسين حرص ان يظهر بملابس الاستشارية قبل ساعات من سقوط بغداد وهو يعلن في خطاب مهزوم عن قرب الانتصار، وقد انتفخ حتى صدق نفسه وهو يسمع هتاف انصاره اليائس "بالروح  بالدم".
مثل سلسلة نار طويلة يمسك الطغاة ايادي بعضهم وهم يمضون الى حتفهم. نهاية الطغاة مثل نهاية الارقام القياسية لابد ان تكسر يوما. وجوه مستديرة على هيئة فجوة من الديدان والاكاذيب حشروا فيها الشعوب المغلوبة على امرها، والقوا باصحاب الرأي وراء القضبان.
يتبادل الطغاة مفردات اللغة فيما بينهم ويستعيرونها من اموات سبقوهم. يتفننون في شحنها بالروايات والاساطير ومزاعم الاقتدار، ثم يخلعونها بسرعة حين تكف عن الفائدة وتفقد المستمعين مثلما يخلعون احذية ضاقت عليهم، ولايهمهم ان الناس تتذكر، وانها تعود الى الذاكرة في كل حين، فان الذاكرة بالنسبة للطغاة رهن مشيئتهم، او انها اكياس قمامة يعبئونها بالفضلات دائما.
القذافي، كان امينا لاسلافه الطغاة. يستطيع ان يواجه العالم كله بصلافة المهزوم الذي لاينهزم. لايحسب الحساب لشهود العيان. تلك هي الصفاقة حيث القوا بها في نار جهنم فصرخت اني اشعر بالبرد. صلافة الطغاة محسوبة بكومة التلفيقات التي حشدتها في المسافة بينها وبين الحقيقة. المكان الآمن الوحيد لهم هو فن التنكيل بالجموع. يقتلون ثم يذرفون الدموع على ضحاياهم.
لايهم الى اين يهرب الطاغية في ساعة القصاص، هنا، يختلف الطغاة. منهم من قتل نفسه بيديه، ومَن دس نفسه في حفرة، ومَن هرب الى خارج الحدود، ومَن تنكر في ثياب رعيان، وكلها مصائر لاتجلب الشفقة بل الاحتقار. اما الاعوان فانهم يقبلون النهاية وكأنهم اعدوا أنفسهم لها، ولم تفاجئهم. الكثيرون يستسلمون، ويعلنون براءتهم مما حل للشعب، وبعضهم يعلن انه كان مضطرا بالقوة والخوف، الى المشاركة باحتفالات التنكيل بالضحايا. بعض ابناء الطغاة يقاتلون، وبعضهم الآخر يبحثون عن ملاذ من العقاب.
القذافي اعطانا عناصر حية لرواية جديدة عن النهاية المخزية لاولئك الذين يصادرون حرية الآخرين ويظنون بان القصاص اعمى الى الابد.
انه الآن بين ايدينا.
 

"لون الدم ليس دائما احمر.. احيانا لا لون له"
                                                           ناظم حكمت
 

جريدة (الاتحاد) بغداد
 

 

free web counter