| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                               الجمعة  23/12/ 2011

 

مساران مطلوبان..
العدالة والتوافق

عبد المنعم الاعسم

مرة اخرى، وكما جرى غداة اعلان انتخابات اذار من العام الماضي، فقد اصطدمت عملية اعادة بناء الدولة العراقية الاتحادية الجديدة بثنائية العدالة والتوافق، الدستور والتفاهمات، الاستحقاق الانتخابي وظروف مرحلة الانتقال، احكام الديمقراطية واحكام المرحلة، والجديد في العودة الى بداية التجاذب يتوزع على مستويين، الاول، فشل ادارة التوافق في بناء حكومة شراكة حقيقية (وزارة من غير وزيري الدفاع والداخلية لعشرين شهرا) والثاني، ان الكابينة الاقوى في الحكومة تروج الى بديل عن حكومة التوافق، حكومة الاغلبية، الامر الذي يبدو ان لا فرصة كبيرة امامه وفق حسابات الواقع الموصول بخارطة الارادات والمصالح المتضاربة للكتل السياسية.
ومرة اخرى، ظهرت استحالة ادارة حكم العراق الجديد من قبل حزب واحد، او مكوّن واحد، او لون عقائدي واحد، او زعيم سياسي واحد مهما احتفظ هذا الرقم الذي يرشح نفسه للاستفراد بالحكم من زخم ومكانة واسباب قوة تمثيلية او ادارية، وكان يمكن ان يتحقق ذلك فعلا لو ان مرحلة الانتقال من حكم الحزب الواحد القهري الى مرحلة التنافس الديمقراطي المفتوح، اسست لتجربة برلمانية وسياسية راسخة مصونة بمؤسسات وطيدة ووعي مجتمعي في مستوى هذا المخاض، ويمكن استعجال الاشارة الى ان دول اخرى (مثل حال العراق) نجحت في العبور الى ضفاف الدولة الجديدة بفترة وجيزة من مرحلة الانتقال، مثل جنوب افريقيا وماليزيا.
والمهم هنا، ان المجتمعات لا تحتاج الى الجمع بين العدالة والتوافق، إلا حين تجتاحها الاضطرابات والحروب الاهلية والكوارث الطبيعية التي تلزم تعبئة الشعب، بكل مكوناته القومية والدينية والاجتماعية، لدرء اخطار المرحلة، او في حالة اعادة بناء الدولة والانتقال الى نظام ارقى على اساس من الخراب الشامل وضعف محصلات الوعي وتدني الاستعداد المجتمعي للتجاوب مع متطلبات هذه العملية، وبمعنى ادق، الحاجة، في مرحلة استثنائية، الى تجاوز او تكييف نصوص دستورية وقانونية وهيئات قضاء مستقلة وتعطيل بعض احكام الديمقراطية والحريات العامة وفرض تقييدات تناقض العدالة من اجل العبور الى دولة العدالة المنشودة.
وبمعنى اكثر دقة، ان العدالة من حيث هي نصوص دستورية وقانونية وهيئات قضاء مستقلة هي القاعدة التي يجب تنميتها على الدوام فيما التوافق استثناء من حيث هو تفاهمات وحلول وهياكل تتجاوز بعض احكام العدالة ما ينبغي تقليصه على الدوام ثم تجاوزه.
العدالة ثابت والتوافق طارئ، والجمع بينهما، في مرحلة معينة، ليست بدعة عراقية، لكن البدعة المضللة تتمثل في محاولات تكريس العدالة والتوافق الى الابد وفي جميع الاحوال، وايضا في محاولات تفكيكهما في اطار مشروع فئوي، طائفي، من غير عدالة ولا توافق.
 

“الشيء الذي نريده يفسد الشيء الذي لا يزال بأيدينا”.
                                                                 دانيال دارك


جريدة (الاتحاد) بغداد
 

 

free web counter