| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                              الثلاثاء 23 / 7 / 2013


 

الخطاب الامني.. الفاجع

عبد المنعم الاعسم 

مسؤول امني في احدى المحافظات خرج من مكتبه للقاء عائلات مفجوعة وغاضبة جراء فقدانها ابناء وازواج ونساء ومعارف في تفجير اجرامي استهدف سوقا شعبيا، وبدلا من مشاركتهم فجيعتهم والتفاعل معها والاعتراف لهم بوجود ثغرات في منظومته الامنية التي تضم عشرات الالوف من الافراد وتستأثر بميزانية اسطورية من الاموال وتتصرف كسلطة فوق القانون، فانه زجرهم واستكثر عليهم هذا الاحتجاج المشروع، وكرر عليهم القول بان مدينتهم ترفل بالهدوء بالمقارنة مع العاصمة بغداد، وقال لهم: "روحوا لبغداد وشوفوا التفجيرات في كل ساعة" وفي غضون ذلك كانت نساء تهيل التراب على رؤوسهن في مشهد فجائعي ويرمين بعضه على الاوسمة التي .

ومن على شاشات التلفزيون ظهر واضحا فجاجة الخطاب الامني في متابعة اثار الهجمات الارهابية على حياة المواطنين، فاعادت المنطق المثقوب بالقول ان الارهابيين يستهدفون هز السلطة، او انهم يوجهون حرابهم الى العملية السياسية، لكي يقنعوا المواطن بانه ما دامن السلطة لم تُهز وان العملية السياسية لم تسقط فان الارهاب فان اهداف الارهاب فشلت.. وهو المنطق نفسه الذي كانت الدكتاتورية تستخدمه" الرئيس سالم.ز فقد انتصرنا" ولا يهم ان يكون مئات الالوف من الجنود والمدنيين قد راحوا طعما للحرائق.

الخطاب الامني من اعقد واخطر وظائف الحكومة لمحاصرة الجريمة وتعبئة المواطنين حيالها، وقد ينقلب الى الضد من وظيفته إذا ما قـُدم بعجالة وتخبط وتضارب، بل وقد يكون عاملا في ترويج الجريمة والتغطية عليها حين يكون هذا الخطاب بيد موظفين غير مهنيين او غير متخصصين او غير مؤتمنين على حياة المواطن ومصالح البلاد.
الدول الحريصة على امنها تعكف على بناء خطاب امني منهجي صارم يقوم على كيمياء المصداقية والاقناع واحترام العقل ويتجنب اللف والدوران وانصاف الحقائق واستغفال الجمهور ودس معلومات اضافية وغير واقعية ضد “العدو” كما انها تعهد مسؤولية الخطاب الامني الى خبراء في التعبئة والاعلام ممن يمتلكون معارف في القانون الجنائي واللغة والسايكولوجيا وعلم المخاطبة وكفاءة التنبؤ واحتساب الحساسيات والمخاطر لضمان التأثير في الجمهور وكسبه.

هذا السيناريو جرى في حوادث امنية خطيرة اخرى فيما الحكومة تعلن عن تشكيل “لجان تحقيق” لا احد يعرف الى ماذا توصلت، بل ان الخطاب الامني استمر، كما في كل مرة، في اللهاث وراء الاحداث واطلاق الديباجات الباردة عن الاقتدار الامني للدولة ونجاح المفارز الامنية في تفكيك خلايا الارهاب او القبض على ارهابيين، وتتبعها الخدمة التلفزيونية التي تقدم الى الجمهور طائفة من اللقطات والاعترافات والمتابعات الامنية الخالية من الاتقان الحرفي ومن عناصر الاقناع، وفي جانب آخر من المشهد تتولى اقنية اعلامية ربطت نفسها بمشروع تهديم العراق حجرا فوق حجر اطلاق وقائع وروايات ومستمسكات مغشوشة سرعان ما يصدقها جمهور واسع قبل ان يكتشف غشها.


جريدة(الاتحاد) بغداد


 

free web counter