| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

السبت 22/8/ 2009

 

مغول في بغداد

عبد المنعم الاعسم 

يتأكد الطابع المغولي لهجمات الاربعاء في اختيار المارة المدنيين الذين القت بهم الصدف الى الشوارع ليكونوا طعما للمذبحة، وكان بين الضحايا، ممن عرفتهم كتاب عرائض ينتشرون على ابواب الوزارات (بينهم ابو عبدالله بالقرب من وزارة الخارجية)، ونساء يراجعن دوائر حكومية بصدد تسديد غرامات بينهم شقيقة شرطي سقط في تفجير سابق، وموظفون كانوا يطلون من شرفات البنايات، وسواق سيارات اجراء لدى اصحابها، وطفلتان رفقة امهما في الطريق الى المستشفى (من البياع) وقس ورفيق له (من الدورة) وعائلة كاملة كانت في الطريق الى الانبار لاستقبال شهر رمضان بين اهلها واقاربها، واخوان انخرطا توا في حراسة المنشآت الحكومية بعد عطالة طويلة، وشاب من كلية اللغات يجرب كتابة الشعر، وسيدة كانت تسرع الى اخذ سيارة النقل الى مدينة الحلة لمساعدة ابنتها التي تشرف على مخاض الولادة.

كان المغول، قبل سبعمائة وخمسين سنة، يتفنون في التنكيل بمن يصدف ان يكونوا في طريقهم، وكان الشر–يقول المؤرخ الالماني بيرتولد شبولر- يتطاير من عيونهم واعطافهم وهم يغيرون على السكان الامنين، من غير تحديد، يقتلون ويحرقون ، لكي يجعلوا من ذلك رسالة الى كل من تلقي به الاقدار على طريقهم، وكانت عقيدة المغول بسيطة قدر ما هي وحشية: “اقتل اكبر عدد من البشر ممن تحت متناول يديك لتخيف غيرهم فيستسملون لك” .

وفي النظريات الجنائية يشار الى ان الجريمة من جنس مرتكبيها، وان الاسلوب الذي يستخدم في ارتكاب الفعل الجنائي يُستدل به الى عقيدة المجرم وافكاره، ولعل الكثير من محللي اسباب واحوال ودواعي ارتكاب اعمال الابادة الانسانية يعرفون ان ابشع الجرائم واكثرها فظاعة ووحشية، ولا يجوز التهاون حيالها هي الجرائم التي يقدم عليها الفاعل بحق انسان يعرف انه بريء، وليس بينه وبين الضحية خصومة او حتى سوء ظن، وان الاقدار والصدف جمعتهما في مسرح الجريمة، وقد توصف هذه الافعال بالجرائم الانسانية، ويوصف مرتكبوها بالمجرمين المحترفين.

صباح الاربعاء الاسود كان مغول “المقاومة” قد حددوا الشوارع مسرحا للجريمة، واختاروا المارة طعما للمذبحة، فكشفوا عن تلك العقيدة السرطانية السوداء، وتركوا لنا فرصة ثمينة لكي نتصور “العهد البديل” الذي يسعون الى تحقيقه من وراء هذه المذابح، بل اختصروا علينا جدلا طويلا حول فكرة المصالحة والتسامح لمّا تمايزوا عنا وانضموا الى عصر المغول،وحين لم يفرقوا بين هويات المارة الذين كانوا في ساعة المذبحة متضامنين الى ابعد حد منظور، وكانت دماؤهم متصالحة ومتسامحة الى ابعد حشرجة بريئة.
 

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
 القوة للحق وليس الحق قوة "
                              حكمة هندية


جريدة (الاتحاد) بغداد - الخميس



 

free web counter