| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm13mm@live.com

 

 

 

الأربعاء 22/10/ 2008



رؤوسكم مطلوبة.. مرتين

عبدالمنعم الاعسم
  
الاغتيالات السياسية (وتسميها بعض التصريحات الرسمية: ملابسات) وصلت الى حد تجاوز الوصف كأحداث او تحديات امنية إذ يتساقط من تفجيرات او رصاصات تنطلق من عتمة شخصيات سياسية وثقافية "منتقاة " وتهدد بجرّ المشهد السياسي والامني (اذا ما استمرت في ظل هذا التجاهل) الى الانهيار.. فكل طرف سيكون مطلوبا للطرف الآخر، وكل الاطراف مطلوبة للمجهول.. والاكثر من هذا ستكون رؤوس الجميع مطلوبة مرتين.. مرة، للجناة الذين لا يتورعون عن تنظيم المذابح، ومرة اخرى، للتاريخ الذي لا يرحم.
والامر، هنا، بحاجة الى المزيد من التحذير واطلاق صافرات الانذار واليقظة، ففي هذا الجو العراقي المتوتر حيث تمتلئ خزانات السياسة واقنيتها وشعاراتها بالاحتقان والريبة وانعدام الثقة، يمكن (وهذا احتمال وارد وليس نبوءة فانتازية) ان تتسبب رصاصة كاتم صوت واحدة، لزعيم سياسي محدد، في تفليش كل ما تم بناؤه، وتغيير مسار الاحداث الى اللاعودة، ومَن لا يصدق (او يتوقع) ذلك يمكنه الاستدلال اليه من سلسلة الاغتيالات المشهورة في التاريخ إذ غيّر البعض منها أقدار امم وبلدان ومسارات (اغتيال الخليفة عثمان بن عفان) واضرم بعضها الآخر نيران لم يُخمد لهيبها حتى الان، كما هو الحال في اغتيال السياسي اللبناني رفيق الحريري.
لنفتح هذا الملف، منذ ان خرج قابيل من كهفه، قبل مائة الف عام، وانتحى جانبا وبيده صخرة ليفج بها رأس اخيه هابيل الذي مر في ذلك الوقت من امامه، ويقتله في الحال، ثم، بعد ذلك ابتليت الخليقة في سلسلة من المكائد والاغتيالات فسال دم كثير، وحُزّت رقاب وقتلت انفس، وسُمم واغتيل وذُبح دعاة ومصلحون وساسة وزعماء وقادة جيوش ومغامرون، في اجواء مُغبرة وملبدة بالريب والاحقاد فيما عوقب مارة وعابرو سبيل ومشتبه بهم بجريرة غيرهم، جناة او ضحايا او شهود، لكن الكثير من تلك الاحداث تركت اثارا وجروحا وخرابا وفتن (اغتيال غاندي. اغتيال الملك عبدالله. اغتيال السادات) وثمة الكثير منها اصبح مضربا للامثال، او عنوانا لاثارة عورات الماضي، كما حدث في نهاية حياة راسبوتين وما حدث لكليب وجساس في قصة داحس والغبراء.
كما لا تزال حوادث موت مثيرة حسبت في عداد المكائد وجرائم الاغتيال، وما جرى للاسقف بيكيت الذي اغتاله هنري الثامن ملك انكلترا، وكيف مات ابو الطيب المتنبي في الصحراء، او موت ملك العراق غازي او سقوط طائرة الامين العام للامم المتحدة داغ همرشولد، او مقتل الرئيس العراقي الاسبق عبدالسلام عارف وموت الرئيس المصري جمال عبدالناصر، والغريب ان بعضها ضُمّ الى ملفات التاريخ كألغاز، منها استمرار البحث في خفايا اغتيال الرئيس الامريكي جون كندي ثم اغتيال قاتله اوزوالد، والبحث حتى الآن حول جمجمة توت عنخ آمون لمعرفة اسباب الكسر في مؤخرتها ما اذا كان وراؤه حدث عابر ام جريمة اغتيال بالساطور.
وقبل اغتيال النائب صالح العكيلي وبعده، دخلت جريمة الاغتيال السياسي في مفردات الملف الامني بوصفها الخطر الاكبر على هامش الاستقرار الذي تحقق منذ أواخر العام الماضي، لكن الاكثر خطورة (وغرابة) يتمثل في التقليل (او التهوين) من شأن هذه الاغتيالات من قبل الجهات المعنية، واقتصار ردود الفعل على تصريحات ادانة وحزن وتوعد، او في افضل الاحوال تشكيل لجنة للتحقيق في "ملابسات" اغتيال احد الشخصيات، فيما البصمات الاولى على جسد الضحايا الذين يتساقطون يوميا امام منازلهم وفي منعطفات الطرق وخلال تفجيرات وهجمات متقنة واحترافية في طريقها لجر الوضع الامني والسياسي الى عواصف لا احد يعرف الى اين ستنتهي، وبخاصة في حال تطال هذه الاغتيالات (ومن يضمن ان لا تطال؟) شخصيات كبيرة تمسك باطراف الوضع القائم.. وليس ثمة أحد خارج الاستهداف، كما يعرف الجميع، وكما تقول خارطة هويات الضحايا.
وإذ يعتقد المسؤولون (او القتلة) بان الجمهور لا يعرف ولا يتعاون و"لا يتهم" فان واقع الحال يؤكد غير ذلك، فلكل حادث اغتيال بصمة لا تخطئها العين ولا تعبرها الفجيعة ولا تجهل موردها وتمويلها وغطاءها وادواتها الفراسة واليقين والكواليس وحتى البيانات والتقارير والتصريحات الاعلامية، والاكثر من ذلك ، فان ذوي الضحايا ورفاقهم وشهود الجريمة يشيرون الى وجوه القتلة بالعلائم والصفات والجهات، ويتبادلون معلومات تفيد التحقيق والعدالة، اذا ما شاءوا الوصول حقا الى الجناة الحقيقيين.
باختصار شديد، لم تعد الاتهامات الجائرة ضد الخارجين على القانون والعصابات الاجرامية المسلحة تكفي لتبشيع هذه الجرائم التي توصفها المعاهدات الدولية والاعراف والقيم بوصفها اشنع الجرائم كلها ، فان ثمة عنصر جديد يضاف الى خلفيات هذه الجرائم المتزايدة، يمكن وضعه تحت باب التصفيات السياسية والسعي الى خلط (او تمزيق) الاوراق للحيلولة دون دخول المشهد السياسي في حالة التهدئة، وهو الخيط الذي ينبغي امعان النظر فيه، والخطر الذي آن اطلاق صافرات الانذار حيالة.
وباختصار اشد، اذا لم يوضع ملف الاغتيالات في مركز الاهتمام، وفي قلب الخطة الامنية، وإذا لم يعاد النظر في سياسة التنديد الاعلامية ولفلفة جرائم الاغتيالات وطيها حين تتجه خيوط الجريمة الى "اختراقات" في منظومة السلطة، او الى تواطؤات في بعض حلقات المسؤوليات الامنية، او الى اصابع وراء الحدود، او الى مراكز نافذة في الدولة والمؤسسة القبلية والدينية والسياسية، اقول، اذا لم تتغير سياقات التعامل مع الاغتيالات التي تكاد الآن ان تصبح يومية فان الوقت الذي ستضطر فيه الاحياء السكنية والاحزاب والمدن وحتى منظمات المجتمع المدني الى تشكيل فرق اغتيالات "وقائية" ليس ببعيد، وهو اليوم الذي ندخل فيه مرحلة الصوملة، بكل رهاوة.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
اذا كان الجور اغلب من الحق لم يحل لاحد ان يظن باحد خيرا حتى يعرف ذلك منه"
                   
                                                                  موسى الكاظم (ع)


جريدة(الاتحاد) بغداد

 

free web counter