| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm13mm@live.com

 

 

 

الأربعاء 21/1/ 2009

 

عم ستسفر انتخابات المجالس؟
محاولة استباق

عبدالمنعم الاعسم

انتخابات مجالس المحافظات في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري ستكشف عن حقائق جديدة في خارطة الرأي العام، وقبل ذلك، في ما يتعلق باهلية ومستوى استعداد الكيانات والجماعات السياسية لكي تنخرط، عن قناعة وايمان وجدارة في اللعبة الديمقراطية، وبمعنى آخر، ان من بين ابرز النتائج التي ستأتي بها الانتخابات تتمثل في الحالة الجديدة لاتجاهات الجمهور وموقفه من الخيارات المطروحة، من جهة، وفي الشوط الذي قطعته اطراف العملية السياسية لكي تكون حواضن عن حق لمشروع الديمقراطية في العراق الجديد، من جهة اخرى.

معروف، انه في كل انتخابات حرة، تعددية، ثمة نتائج غير متوقعة، او ما تسمى بالاختراقات، وقد تترتب على ذلك تطورات واصطفافات جديدة ربما تغير الكثير من المسارات والمصائر والاقدار، لذلك تنشغل مؤسسات قياس اتجاهات الراي العام، ومعاهد البحث والتنبؤ والمستقبليات في القراءة المبكرة للنتائج والاحتمالات والتوقعات، استرشادا بمجموعة من المؤشرات والحقائق والمعايير، ومن الطبيعي ان تتحول تلك القراءات الموثقة الى سلعة ثمينة قيد التداول والتسويق فتزدحم على مكاتبها اشهر الشركات العالمية والبنوك واسواق المال ومنافذ السياحة وصناعة القرار، ذلك لأن الجميع بحاجة الى مراجعة حساباته وخططه على ضوء نتائج الانتخابات، وبخاصة تلك النتائج غير المتوقعة. .

على ان افتقار الحالة العراقية الى مؤسسات تتولى تقديم تصورات لنتائج الانتخابات، هو التعبير الطبيعي عن هشاشة خارطة الراي العام نفسه واضطراب المحددات الاجتماعية والسياسية للسكان، ودخول عوامل الطائفية والفئوية والقبائلية على تلك المحددات، فوق الاثر العميق لتركات الاستبداد ودورات العنف وانهيار الدولة وقيم العدالة والانضباط في المجتمع، واستطالة مرحلة الانتقال وتعقّد مجاريها واستحقاقاتها.

وكل ذلك حال دون كفاية عمليات الرصد والقراءة في اتجاهات المستقبل التي تستمد حركتها من تناسب القوى المؤثرة في تشكّل الراي العام، وبكلمة، فانه لا يمكن تحديد صورة المستقبل (ونتائج الانتخابات هي موضوع المستقبل الذي نتحدث عنه) بدقة، واطمئنان بسبب اعتلال الحالة الاجتماعية في العراق وبطء عملية تشكل الراي العام، وطبعا، لا يقلل من هذه التحديات القول التبسيطي الشائع بان العراق يشترك في هذا الحال مع دول كثيرة في المنطقة، وهذا نصف الحقيقة، اما النصف الآخر فنجده في خصوصية العراق الناجمة عن ظروف انهيار الكيان القديم للدولة (بسب ثلاثة حروب متصلة) وعدم قيام الدولة البديلة حتى الآن.

في هذه المقدمة، علينا ان نأخذ بالاعتبار تلك العلاقة الوثيقة بين ومسار الاحداث في العراق وصناعة الاستراتيجيات في العالم، فحتى إلاعلان عن النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات، وثيقة الصلة بالانتخابات النيابية التي ستليها، سيبقى العالم يضرب اخماسا باسداس.

 على انه ثمة في انتخابات مجالس المحافظات، وفي اي انتخابات حرة وتعددية، نوعان من النتائج، الاولى نتائج رقمية، والثانية سياسية، لكن النتائج السياسية تتأثر (أقول تتأثر) بخارطة توزيع القوة والنفوذ والحجوم وعدد المقاعد التي تحتلها الكيانات السياسية في قوام الحكومات المحلية، ويدخل في عداد المؤثرات ملف التحالفات والاصطفافات بين الكتل، وطبعا، قد تحتل كتل صغيرة موقعا يزيد على حجمها اذا ما كانت مقاعدها القليلة تحسم توازنا قلقا بين الكيانات الكبيرة في حال انضمت الى هذه او تلك من الكيانات المتنفذة.

وأحسب أن الجديد في نتائج هذه الانتخابات يتمثل، اولا، في اهتزاز (ولا أقول انقلاب) تمثيل الكيانين الدينيين للطوائف العراقية، وسيعبر ذلك عن نفسه في اختراقات هنا وهناك، وفي دلالات تراجع نسبة التصويت لهما، وفي مظاهر سياسية واعلامية ودعائية عديدة.

ويبرز الجديد، ثانيا، في تفاوت النفوذ، بين محافظة واخرى، بالنسبة لفرقاء الائتلاف الحاكم الذين يتسابقون الى مقاعد المجالس، فقد يحصل(يكتسح. يستأثر) مرشحو كابينة الحكومة(الدعوة) على عدد قليل من الحكومات المحلية، فيما يفرض منافسوهم في الائتلاف (مرشحو المجلس الاعلى) نفوذهم على عدد اقل من الحكومات المحلية لكنهم سيستقوون بحقائب ليست قليلة لهم في حكومات اخرى لتحسين مواقعهم لكي لا يصبحوا القوة الثانية في تسلسل قوى الائتلاف، وستكون الارقام المعلنة تحت حساب ومراجعة من نوع آخر يأخذ بالاعتبار التحضير للانتخابات النيابية، والحساسية المتفاقمة حيال مكانة رئيس الوزراء والخشية من ان يمسك بالرقم الحاسم في المعادلات السياسية. لكن الامر الواضح في هذا الجديد هو تناقص حجم الكتلة التصويتية لمعسكر احزاب الائتلاف الى ما يقارب النصف بالمقارنة مع حجمها في انتخابات المجالس السابقة.

والجديد في النتائج، ثالثا، سيظهر في تشرذم معسكرالتوافق وكل القوائم الممتدة في الطيف السكاني الذي يتحرك فيه ويراهن عليه، مع ظهور مفردات منافسة جديدة (الصحوات. الزعامات المستقلة) لكن حجم التصويت لمجموع القوائم في هذا المعسكر لن يتناقص كثيرا عما كان عليه في الانتخابات السابقة، وقد يرتفع قليلا ، بسبب انحسار تأثير الجماعات المسلحة والقاعدة ونفوذ حزب صدام، الامر الذي سيساعد على تحسن طفيف في الاقبال على التصويت في مناطق كانت قد قاطعت انتخابات الاعوام السابقة او نأت عن ممارسة هذا الحق تحت تأثير التهديدات ودورة العنف.

وإذ لا يمكن قراء نتائج انتخابات اقليم كردستان وكركوك، بسبب إرجاء الانتخابات الى بضعة اشهر فإن الانظار تتجه الى حصيلة المقاعد التي يمكن ان تحصدها القوائم الصغيرة التي كانت الضحية الاولى للاستقطابات الطائفية والقومية خلال الانتخابات السابقة، والآن، تتضارب التوقعات حول الموقع الذي يحتله مرشحوها في الحكومات المحلية.. لكن لا بد من الخوض في نهر التوقعات، فربما نصيب.

وعند الحديث عن القوائم الصغيرة وهي صفة (توضيحية. شكلية)لكيانات انتخابية يلزم الاشارة الى انها تأتي في ما بعد القوائم التي تتقاسم المقاعد الرئيسية في الحكومات المحلية وسلطة القرار، وهي القائمة العراقية والفضيلة وجبهة الحوار والحزب الشيوعي العراقي وحلفاؤه والقوائم التي تتبنى شعارات الديمقراطية وخيارات النظام الليبرالي(اسلامية. قومية. وطنية)وقسم كثير منها تشظت عن احزاب تدير دفة الحكم (الاصلاح- الجعفري) واخرى تحتفظ بحضور اعلامي ناشط دون وجود في الحكومة المركزية او الحكومات المحلية (الالوسي) ومنها قوائم بصفة مستقلة لكن عددا منها اخذ صفة الاستقلال (وكالة) عن (التيار الصدري) والآخر حملها(تكليفا) عن جهات حاكمة، والبعض الاخير مدسوس على صفة الاستقلال من حزب صدام او برسم دول مجاورة، دون قصد التقليل من شأن مرشحين مستقلين لهم حضور وسجل لا غبار عليهما.
طبعا من التبسيط القول ان القوائم الصغيرة يجمعها توصيف سياسي واحد، لكنها جميعا تشترك(وإن على نحو متفاوت) في عدم الرضا حيال الوضع القائم والتحفظ على سياسات(او مفاسد) الحكومة، وتخوض حملتها الانتخابية في شعارات تطرح بدائل عن نهج المحاصصة والطائفية والتبعية، وتحمل الحكم وطبقته المتنفذة مسؤولية استشراء الفساد، وثمة الكثير من هذه القوائم تخوض المعركة باسم ساسة (وضد ساسة معينين) وغيرها باسم مراجع قبائلية، لا احد يعرف الى اي كفة ستميل في حال وصولها الى مقاعد مؤثرة في مجالس المحافظات.
من خلال القراءة الموضوعية لاحتمالات نتائج الانتخابات يمكن القول ان القوائم الصغيرة(بمجموعها) ستحصد غالبية كبيرة من الاصوات، لكن هذه الاصوات ستوزع على مقاعد ليست موحدة ولا يجمعها برنامج او عقد او حتى ادنى مستوى من التنسيق، وما يتبقى من تلك الاصوات سيجري ترحيله الى القوائم الكبيرة في نظام انتخابي صمم ليضمن تحكّم “الكبار” ومن السابق للاوان التنبؤ باشكال التحالفات التي ستظهر من عباءة هذه النتائج، لكن، اغلب الظن، ان مثل هذه التحالفات ستتحقق في المجالس المحلية طبقا لخارطة المقاعد ومصالح المراكز السياسية التابعة لها.
على ان ثمة قوائم صغيرة ستأكل من ماعون القوائم الام
(الاصلاح من الدعوة مثلا) واخرى ستستعيد جمهورا فقدته في ظل الاستقطاب الطائفي (مدنيون) وثالثة ستخرج بنتائج افضل مما يتوقع(المؤتمر الوطني) ورابعة ستتراجع في عدد المقاعد دون النفوذ (الفضيلة. الصدريون. التركمان. مجلس الحوار)
وفي هذه القراءة سنأخذ بالاعتبار التقرير الخطير الصادر عن المركز الوطني للإعلام، شبه الحكومي، استنادا الى استطلاع اجراه على اربعة الآف وخمسمائة عراقي “من جميع المحافظات والقوميات والاديان” يؤكد حصول التيار العلماني على 42 في المائة، مقارنة بالتيار الديني 31 في المائة، واحسب ان النتائج لن تبتعد كثيرا عن هذه الارقام إلا في ما يتعلق بترسيم حدود التيار العلماني، الذي يبدو حتى الآن من غير قسمات سياسية واضحة المعالم.
لكن هذه القراءة ستكون ناقصة إذا لم نجب عن السؤال التفصيلي المهم: ماهي حظوظ الفئات الديمقراطية، غير الدينية، في هذه الانتخابات؟ الآن دخلنا المنطقة الملغومة من رحلة التوقعات.. فلنجرب.

ان التيار الديمقراطي او الفئات الديمقراطية
(والاصح: الجماعة الديمقراطية) مفهوم ومصطلح شائع في الادب السياسي العراقي، يأخذ خصوصيتة المحلية من تار يخ الكفاح الطويل من اجل الديمقراطية في العراق، إذ افرز على السطح تلك النخب التي ارتبطت بذلك الكفاح وصارت جزءا من الحالة الديمقراطية التي تحققت في منعطفات قليلة، وكانت ضحية لغيابها على يد حكومات الاستبداد والدكتاتورية.

وإذا ما تجاوزنا البحث في علاقة المكوّن الكردي(وهو جزء عضوي من هذا الطيف) بالانتخابات، بسبب تاجيل انتخابات محافظات الاقليم، فان الموضوعية تلزم القول بان الحزب الشيوعي العراقي (مع اجيال من اعضائه وانصاره الذين ايتعدوا عنه او انتقلوا الى مواقع اخرى) يقف في قلب هذا الطيف، ويضع بصماته على هياكله وانشطته ومعاركه ، إخفاقا او نجاحا، مع الاخذ بالاعتبار حقيقة غاية في الاهمية وهي ان التطورات العراقية طوال ست سنوات اظهرت الى السطح شرائح وتجمعات وشخصيات ديمقراطية(وليبرالية) جديدة لم تخرج عن معطف الحزب الشيوعي ولا تمت لتاريخه ومنهجه بصلة.

تمتد الفئات الديمقراطية، المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات على طيف واسع من الاحزاب والتجمعات والشخصيات التي يجمعها خيار التعددية وبناء الدولة المدنية (غير الدينية وغير العسكرية او القومية) ونبذ العنف والطائفية السياسية واحترام حق الشعب الكردي في تقرير المصير، وفي داخلها
(طبعا) الكثير من التباينات حيال نظام الفيدرالية والتعاطي مع تركيبة الحكومة وسياساتها والموقف من المؤسسة الدينية وقضايا الاقتصاد، لكن القراءة المتمعنة في حركة الشارع تكشف عن تحول كبير، بخاصة في اوساط المتعلمين، لصالح خيار الديمقراطية والى جانب فئاتها، بل ان الكثير من شعارات الديمقراطيين (الانتقادية) اصبح مقبولا في الشارع، بعد ان اظهروا ابتعادهم عن دوائر الفساد والرشوة والاثراء والتعدي على المال العام.

وتفيد المؤشرات الاستباقية بان رصيد الديمقراطيين من الاصوات سيكون كبيرا قد يصل الى اكثر من عشرين بالمائة منها وما يوازيها من حقائب الحكومات المحلية، وطبعا، سيتزايد تأثيرهم في حال تجمعوا على برنامج واحد، او متقارب، واحسي ان حصيلة النتائج ستسجل بعض الاختراقات، في محافظة او اكثر، لصالح التيار الديمقراطي، باسم قواه الرئيسية او باسم شخصياته الاجتماعية.

غير ان الاكثر اهمية يتمثل في ان خارطة المقاعد النهائية ستعطي للتيار الديمقراطي جرعة شجاعة وحماسة وتأمل للبحث في سبل تفعيل عمل هذا التيار ووحدة صفوفه او فعالياته، مقابل سؤال ثقيل عما اذا كان كانت القوى الاخرى ستسمح له ان يكون ورقة فاعلة في معادلات المستقبل.
 

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
إذا ذكرت لكم ما لا تقبله عقولكم فلا تقبلوه".
                                        الشافعي


 

free web counter