| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                              الأربعاء 21/11/ 2012

 

الغطرسة

عبد المنعم الاعسم 

الغطرسة مركب من مركبات السايكولوجية المعتلة تاخذ صاحبها الى ادعاء القوة، او الاستيهام بها. تمثيلها او الشعور بها.

في الحياة العامة، تظهر الغطرسة على شكل سلوك طاووسي. الخيلاء الفارغة. الزهو بالمظهر. الاستعراضية. الانفة. تصغير الاخرين، وإذا ما أمكن قهرهم، وتحفظ الذاكرة الشعبية الفلوكلورية روايات كثيرة عن الفجائع والمفارقات والمعارك المسرحية او الكارثية التي ترتبط بمتغطرسين.

الغطرسة في بعض انحرافاتها جُبن، فليس غير الجبان من يحتاج الى الزعم بانه قوة لاتقهر، ولاتُكسر، ولاتبارى. الفارس يتحدث الاخرون والتاريخ عن مآثره وشجاعته وانتصاراته.

والغطرسة لاتعرف التواضع، ولا الاعتراف بقوة الآخر، ولا حتى بخذلانات صاحبها. انها، في بعض ممارساتها، ذرائعية مقيتة، ولاتتورع عن تسمية الاشياء بنقائضها. الهزيمة انتصارا، مثلا، وحين يُمرغ انف المتغطرس بالتراب، لايشعر بالعار. انها، من زاوية معينة، قناع يتوسل به ضعاف النفوس لاخفاء حقاراتهم وهوانهم واضطرابهم النفسي.

خارج السياسة تترك الغطرسة اثارا مؤذية محدودة قد تقتصر على صاحبها، او على دائرة من المضللين والاتباع، لكنها في السياسة قد تلحق الاذى بدائرة اوسع. اوطان كثيرة وامم دفعت ثمن غطرسة ضربت قادتها، فالسياسي المتغطرس عدو للحسابات الواقعية للامور والقوى والحجوم. عدو للنصيحة والتبصير والاستشارة. عدو للحكمة ودروس الاخرين وخبرتهم.

السياسي المتغطرس يضيق بحكم التغيرات وتقلبات الاقدار واتجاهات الرياح فينزل منزلة دون كيشوت في مقارعة الانواء بسيف من خشب، ويخوض معاركه حتى نهايتها على الرغم من انها خاسرة.

والسياسي المتغطرس مولع بالخطابات والتصريحات. انها توحي له بالقوة الاسطورية الماحقة لـ”العدو” واكثر ما يعنيه من ذلك ان يسمع مديحا لما يقول، ثم يتوهم ان ما يقوله يتحول الى نص ساحر، مقدس، سرعان ما يدخل افئدة الملايين فتذعن له.

اعداء السياسي المتغطرس نشارة خشب، لا قيمة لهم، وهو بخطاب واحد، كما يتوهم، سيجعل كل واحد منهم تحت نجمة.. والنجوم بين يديه.

الغطرسة السياسية، عندما تتحكم بالامور، تبدو كما لو انها عقوبة للامم التي لم تتعظ من التاريخ.

 

" من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لاتكلفه شيئا فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى سعر "
                                                                                                                                   افلاطون


جريدة (الاتحاد) بغداد

 

 

free web counter