| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

السبت 20/9/ 2008



الصح والخطأ في زيارة الالوسي الى اسرائيل

عبدالمنعم الاعسم
 
وانا تلقيتُ الدعوة منذ سنوات
سارجئ رأيي بزيارة النائب مثال الالوسي لاسرائيل الى حين، وقبل ذلك عليّ ان افكك لغز قضية خطيرة اثيرت في مناقشات مجلس النواب، وعُدّت من اسباب قراره سحب حصانة الالوسي النيابية، وقد عرفت بعنوان تلك القضية عندما دخلتُ في "سين وجيم " بالتلفون مع نائب شارك في المناقشة وتعاطف مع قرار المجلس، فكان هول المفاجأة التالية (انتباه): ان العراق في حالة حرب مع اسرائيل وفق قرار "مجلس قيادة الثورة" المنحل.. كيف حدث ذلك؟ يجيب النائب: لان العراق الجديد لم يلغي جميع قرارات مجلس قيادة الثورة "ونتعامل الآن مع الكثير من تلك القرارات بما فيها حالة الحرب مع اسرائيل، وتجريم العراقي الذي يزور دولة العدو" كما قال.
في البداية، لابد من القول (وهذا رأيي) ان النظام السياسي في اسرائيل ليس ديمقراطيا، لان الديمقراطية النقيض لمنهج التوسع والتمييز العنصري وتحويل ابناء شعب آخر، وصاحب ارض وهوية، الى مواطنين من درجة دنيا، وهذه جميعها صفات هذا النظام الذي ادانه المجتمع الدولي، سلوكه العدواني في اكثر من اربعين قرار، وفي هذه البداية، مطلوبٌ القول (وهذا رأيي ايضا) ان حروب العرب مع اسرائيل لم تخرج عن طابع حروب بين انظمة استبدادية وعنصرية، ولم تكن مصالح الشعب الفلسطيني في اساس دواعي تلك الحروب، إلا في نطاق الشعارات التي يتأكد الفلسطينيون من بطلانها في كل حرب، إذ يتركهم العرب يسحبون قتلاهم الى مقابر في العراء، ويعطونهم-بدل ذلك- جرعات وعود ولاءات زائفة، وفتن تثير الصراع الدموي بين فصائلهم.
والآن، هل ان العراق الحالي في حرب مع اسرائيل حقا؟ وقبل ذلك: هل ان العراق كان في حرب مع اسرائيل يوما؟ ثم بعد ذلك: هل نريد حقا ان يكون العراق في حالة حرب مع اسرائيل؟ وبعد كل هذه الاسئلة من يستطيع ان يجيبني على السؤال التالي، الاكثر اهمية من جميع الاسئلة: من بقي من الدول العربية متمسكا بخيار الحرب مع اسرائيل حتى يكون العراق الدولة الثانية في هذا الخيار؟.
استطيع القول ان جميع الاسئلة هذه، تجيب عن نفسها بكل يسر، فلا العراق، الآن، ومن جميع الوجوه، في حالة حرب مع اسرائيل، ولم يكن يوما في حالة حرب معها إلا لتوظف هذه الحالة الزائفة في حرمان الشعب من الحرية والحقوق الديمقراطية ولفرض نظام سياسي فردي متوحش بذريعة التحضير للمعركة القومية التاريخية، كما اننا لا نريد ان نكون في حرب(او حالة حرب) مع اسرائيل، لأننا في حالة حرب شرسة مع الارهاب (الذي اعلن الحرب علينا) ولسنا مستعدون (وقل قادرون) على ان نخوض حربين في وقت واحد، عدا عن اننا لسنا فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين الذين يبحثون الآن عن سبل لاستعادة حقوقهم غير سبيل الحرب، او حالة الحرب، فيما صفقت لهم دول العرب وجامعتهم ايذانا بنهاية كوميديا الحروب مع اسرائيل.
وعندما اخرج المتناقشون في مجلس النواب فزاعة حالة الحرب مع اسرائيل النائمة، فانهم، في الواقع، اعلنوا هذه الحرب من جانب واحد، ليتركوننا نحلم، ثم نستيقظ، لنجد اسرائيل قد رميت في البحر.. (تصفيق).
في هذا، تحكم اسرائيل طبقة متطرفة من غلاة القوميين والمتدينين اليهود، هي الوجه الآخر من تطرف اتباع الديانات الاخرى، وجميعا تُنتج ثقافة وافكار وممارسات الكراهية والعنف، وإنْ بنسب متفاوتة، اشير بهذا الى تراجع(اقول: تراجع) العنف في المرحلة الراهنة من التاريخ بين اتباع الديانة المسيحية الى ادنى منسوب لها، كما تنبغي الاشارة الى ان التطرف اليهودي، وتحول ذلك التطرف الى مؤسسة سياسية سبق، في التاريخ، اشكال التطرف في الديانات الاخرى، ولا حاجة، هنا، الى الدخول في شعاب الافعال وردود الافعال.
وتفيد تجربة الصراع السياسي في مرحلة الاستعمار والحرب الباردة ان تضع بين ايدينا جملة من الحقائق، في مقدمتها، ان متطرفي الديانات اشتركوا، معا، في انتاج مبررات الحروب والعنف، وملأوا خزانات نفوس الاتباع بالكراهية والتشويهات الانسانية، واحياء نعرات الماضي، وتحديث “الصراع الديني” بشعارات وادوات جديدة، وتوظيف النص الديني في خدمة الشعارات السياسية، وتجميل الانحراف العنصري، وجر العلاقات الدولية الى التوتر والتصادم.
في تفاصيل تلك الحقائق، نجد ان متطرفي الاديان يتصرفون كمتحالفين ضد السلام والاستقرار والوفاق وخيار التفاوض والحلول الوسط للازمات، ويتبادلون لغة(وحتى مفردات) التشكيك باية مبادرة لتسوية الخلافات، ويعودون الى نصوص وخرافات وقراءات عتيقة لترويج استحالة التعايش بين اتباع الديانات، بل انهم يتقنون سبل اثارة بعضهم البعض، ومَن يقلب النشرات والخرائط والفتاوي والهرطقات المتداولة ومواقع الانترنيت المختلفة سيكتشف التداخل (وحتى الانسجام) في فكر ومنهج وشعارات متطرفي الاديان، وسيجد ما هو اخطر من كل ذلك، بانهم، معا، لا يعترفون بوجود اختلاف او تمايز، او صراع، او معتدلين في صفوف اتباع الديانة الاخرى.. فالكل سواسية.. والكل مطلوب للقصاص.
واللافت، انه كلما تتسع مساحة الاعتدال السياسي، وخيارات الحوار والتفاوض، واتجاهات العقل والحكمة، يشعر المتطرفون بالخطر، فيبادرون، كلٌ من جبهته الدينية والقومية، في ما يشبه التنسيق، الى العمل (حتى باساليب متشابهة) لتدمير فرص السلام، والسعي الى اعادة البيئة السياسية الى نقطة التوتر والحرب، وبين ايدينا ملفا زاخرا عن هذه الدوامة، اشير بهذا الى الصراع العربي الاسرائيلي المديد الذي لم يكن له ان يستمر مايزيد على ستة اجيال لولا تحكم قوى التطرف والعنصرية اليهودية مقابل الشرائح القومية والدينية الاسلامية المتطرفة في اللعبة العبثية للحرب والسلام، فانه طوال هذه السنوات المديدة من الصراع كان الطرفان يمولان بعضهما بالمزيد من اسباب وغذاء ومبررات التطرف.
احسب انني اقتربت من إبداء الرأي في سحب حصانة النائب مثال الالوسي بسبب زيارته الى اسرائيل.. والتوطئة اعلاه تفيد في الدخول الى الموضوع، والقول: ان حمية مجلس النواب لسحب الحصانة عن النائب مثال الالوسي بسبب زيارته اسرائيل، والسرعة اللافتة في اتخاذ القرار، والتوافق غير المسبوق بين النواب (غير المتوافقين اصلا) والاصرار على عدم الاسترشاد بالمحكمة والقضاء والدستور، او حتى بتشكيل لجنة تحقيق او عن احالة الموضوع على اللجنة البرلمانية المختصة، كل ذلك يثير التأمل، ليس في ذات (الزيارة) بل في خلفيات ومبررات واصول وتجهيزات قرار سحب الحصانة النيابية، غير زعم "حالة الحرب مع اسرائيل" لأن العراق (اولا) ليس في مثل هذه الحالة، وان الالوسي(ثانيا) زار اسرائيل قبل ان يكون نائبا بحوالي عام، وزكّت سيرته وصفحته هيئات القضاء ولجان التدقيق في المرشحين، ثم انتخبه العراقيون الى المجلس وهم يعلمون بتلك الزيارة و(ثالثا) ان غالبية المصوتين على تخوين الالوسي كانوا من اكثر المتحمسين على إجلاء فلسطينيي العراق(وهم ضحايا الاحتلال الاسرائيلي) والقائهم، في اسوأ الظروف، على الحدود الغربية.
هل نحتاج، قبل ذلك الى اثارة السؤال عما اذا كانت الزيارة الثانية خاطئة في الاصل والتوقيت؟ هذا امر يخص الالوسي نفسه، وقد نختلف في الموقف اذا ما وضعنا انفسنا محله، بين مَن يقول، انه ما كان له ان يقوم بزيارة اسرائيل، ومَن يقول، ماذا في الامر اذا كانت الزيارة ليست رسمية ولا تستهدف مناصرة النظام السياسي العنصري في اسرائيل؟.
اقول، قد نختلف في زاوية النظر الى خطوة النائب الالوسي. بالنسبة لي كنت ساتجنب مثل هذه الزيارة، واشير هنا الى سابقة تعود الى عام 1997 إذ تلقيتُ وصديقي الصحفي زهير الجزائري دعوة لحضور مؤتمر اتحاد الكتاب والفلسطينيين في رام الله بفلسطين، وللوهلة الاولى قبلنا الدعوة التي حملها الينا مراسل وكالة انباء (وفا) الصحفي الفلسطيني احمد سيف، وكنا سنراجع السفارة الاسرائيلية في لندن ونقطع تذاكر سفر الى تل ابيب، غير اننا، بمراجعة أخرى، نظرنا الى الامر من جانب آخر، إذ كنا صوتين ثقافيين معارضين للدكتاتورية الحاكمة التي اشترت نصف الاقنية الاعلامية العربية وهي مستعدة لتدوير الزيارة بعيدا عن هدفها في التضامن مع الفلسطينيين، وستتمدد الحملة (طبعا) الى هجوم تخوينيّ كاسح على المعارضة التي تحاصر (ونحاصر معها) اعلاميا في ذلك الوقت.. وفي الاخير صرفنا النظر، آسفين، عن الفكرة.
باختصار شديد، ان قرار تعليق عضوية مثال الالوسي في مجلس النواب بسبب زيارته لاسرائيل (قبل احالته الى التحقيق والقضاء) كان قرارا سياسيا كيديا، ومسلوقا، ومثّل قاسما مشتركا لـ"اهواء" وحسابات، وتصفيات حساب، ومواقف، وصمت، وحراجة النواب الذين صوتوا على القرار، مع الاخذ بعين الاعتبار عنصرين مهمين في السياق، الاول، يحق للنواب وغيرهم معارضة الزيارة انطلاقا من اسباب قومية او دينية، والثاني، ثمة مسافة شاسعة بين معارضة الزيارة وقرار تعليق العضوية، إذ لعبت في هذه المسافة اعتبارات لا يبررها اختلاف الرأي، ولا يقبلها النص الدستوري، ولا تهضمها التطورات (الانقلابية) نحو التفاوض والتطبيع بين اسرائيل والعرب.
في بعض تعليقات معارضي الزيارة جرى تحميل مثال الالوسي جريرة قيام اسرائيل على ارض فلسطين، وفي فيلم (السفارة في العمارة) يسأل عادل امام محتجين على تأجيرشقته للبعثة الدبلوماسية الاسرائيلية في القاهرة: هوّا انا اللي جبت اسرائيل للبلد ولّه همّه؟.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
الناس المستيقظون، لهم عالم واحد. أما النائمون، فلكل واحد عالمه"
                   
                                                 هيراقليطس
 


 

free web counter