| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الخميس 1/10/ 2009

 

تيارات انتخابية.. قراءة في التفاصيل

عبد المنعم الاعسم 

1

برزت حقيقة اخرى موازية لحقيقة تصدّع كيانات انتخابات العام 2005 البرلمانية تمثلت في تصدع (اقول: تصدع) القوى التصويتية الملايينية التي تحددت، آنذاك، في مربعات مذهبية او قومية صارمة، وفي هذا التصدع (كما في تصدع الكيانات) كسبٌ أكيد للعملية الديمقراطية باغناء التنوع والتعددية والطيفية بمعاني مجتمعية سليمة، بالرغم من ان الكثير من معالم هذا الحال الايجابي جاءت كردود افعال، وليست افعالا في ذاتها كنتيجة لوعي عامودي لاهمية الخروج من الخنادق والولاءات الى فضاء الخيارات ذات الصلة بمصائر وحياة ومستقبل الملايين العراقية.
ومعروف في علم السياسية بان ردود الافعال قد يجري تصريفها في اقنية عديدة عدا عن قناة التغيير الايجابي.
اجدد القول بان تصدع خارطة القوى التصويتية (من السابق اعتباره تحولا) يدخل كعامل تطوير واغناء للديمقراطية التأسيسية في العراق، يكفي الاشارة الى ان المتنافسين على كسب الجمهور بدأوا، منذ حين، وقل منذ التحضير لانتخابات مجالس المحافظات، وبعده، تجديد الخطاب الدعائي الانتخابي بتحميله قدرا اكبر من مفردات الوطنية ومصادر شكوى الشعب، عن قناعة بجدارة وسلامة وصدقية هذا النهج، او عن محاولة، بحدود الدعاية، لاستدراك وكسب الاوراق الانتخابية.
الامر الاكثر اهمية، وايجابية، في هذا التطور يمكن ان للمراقب الموضوعي الذي يشتغل على تحليل تطور المزاج الانتخابي العام للمواطنين، ان يرصده في الدلالة اللافتة التالية: ان ثمة قطاعات شعبية وتجمعات مدن وارياف، وحتى شرائح من مثقفين وعاملين بالشأن العام، ما زالت "صامتو" ولم تحسم امر تأييدها وتصويتها، بعد، لكيان او زعامة او حتى مرجعية معنوية، وإذ لا تتوفر استبيانات رأي ميدانية عن هذه الظاهرة التي يطلق عليها "المنطقة التصويتية الرمادية" فان مؤشرات انخفاض مناسيب الحماس الانتخابية وعدم الاقبال على التسجيل وتحديث السجلات، وشكاوى المفوضية العليا للانتخابات ومراكز التسجيل ومنظمات المجتمع المدني، من هذا الحال، يؤكد، من دون مواربة، على وجود ملايين كثيرة من العراقيين لم تجد حتى الان ما يشجعها على وضع ثقتها بكيان او جهة او زعامة تتصدر التنافس الانتخابي.
ومنذ اسابيع احاول توثيق هذا الاستنتاج بصدد القوى الصامتة في الشارع وفي محافل اجتماعية متنوعة (افراح العيد. باعة. معارف. لقاءات مثقفين) فاجد ان الكثير ممن اسألهم عمن سيعطون اصواتهم له يجفلون من السؤال وكأنني فاجأتهم، او قبضت عليهم متلبسين بذنب، والغريب ان جوابا مشابها سمعته من افئدة كثيرين يقول: "لا احد حتى الآن".

2

فاجأ اعلان "الائتلاف الوطني العراقي" في الرابع والعشرين من آب بزعامة عمار الحكيم المراقبين إذ بدا لهم انه تأسس على عجل، وان الاختلافات العميقة بين مكوناته واقطابه، قد تعصف به قبل ان يدخل انتخابات العام 2010 لكن وبعد مرور شهر استطاع الائتلاف الوطني، بصموده واصراره على انه ليس تجمعا طائفيا، ان يحمل المحللين على النظر اليه كاحدى العناوين المهمة للسباق الانتخابي وشيك الانطلاق، وقد تحدر اصلا من اطياف الاكثرية البرلمانية التي تمثل التجمع السياسي الشيعي المرحب به (والمستعير زخمه) من مرجعية النجف وكان يحتفظ بـ 128 مقعدا، وحين اعلن ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي بعد ما يصل الى شهر تاسست قاعدة تنافس ساخنة ثنائية داخل الكتلة السياسية الشيعية، لا يقلل من تناميها انضمام مجموعات او مشايخ من طوائف اخرى او اتجاهات سياسية غير دينية.
وطوال اسابيع، منذ اغلاق باب تسجيل الكيانات في نهاية اب الماضي، انشغلت مطابخ الاخبار والكواليس والمنتديات السياسية بتداعيات وخلفيات وجدية نأي ائتلاف رئيس الوزراء نوري المالكي عن الائتلاف الوطني الذي كان قد شارك في الجهود المبكرة لتاسيسه ورسم منطلقاته، وذهب الكثير من المتابعين الى الاعتقاد بان "الانشطار" في "الممثلية الطائفية" مفتعل او مؤقت وان كيان المالكي عائد الى الائتلاف الام، وان ثمة ضغوط داخلية لها شأن، واقليمية ايضا، تدفع الى اعادة لملمة شطري هذا التمثيل مع تحسين خطابه وتزييت ماكنته بدماء آخرى، فيما تضيق يوما بعد آخر فرص الشراكة بين الكيانين، في الاقل قبل الانتخابات.
مصير كتلة التوافق وبصمتها على خارطة البرلمان المقبل موضع جدل وشكوك بين المراقبين على خلفية اعلان "استقلال" الزعيم السابق للحزب الاسلامي طارق الهاشمي بكيان منفرد يقضم من نفوذ الحزب والكتلة المعهودان لزعامة رئيس البرلمان اياد السامرائي، في حين تسجل مصادر مقربة من خط التماس بين الهاشمي والسامرائي اجواء تهدئة لافتة قد تسفر عن اعادة عمل القطبين في مشروع واحد في مرحلة ما.
التحالف الكردستاني ليس بعيدا عن حكم المعادلات التي تمسك بالساحة الانتخابية من حيث المراجعة واعادة البناء وظهور التباينات حول حساب الحجوم وكسر (او تعديل)التمثيل القومي، فيما يزداد غموضا (وضغطا) مستقبل الشراكة القومية في ادارة حكم ما بعد الانتخابات، إذ ستتغير اشياء كثيرة وربما ستعصف النتائج بالتوازنات والمحاصصات والتوافقات السابقة، لكن في جميع الاحوال، لا يبدو ترسيم الخيار الكردستاني سهلا بين ان يخوض الانتخابات باطاره السابق، ام يأتلف مع كيان آخر او كيانات اخرى.
من زاوية يبدو ان ثمة ما يشبه اقتصاد السوق الانتخابي يحكم ابواب خافية كثيرة في اللعبة البرلمانية المقبلة..
ولتلك الابواب مقابض، طبعا.

3

استطاعت الكتل الوسطى العراقية (تسمية افتراضية) ان تخرج من دائرة الحصار والمخاشنة المنهجية التي فرضت عليها في الانتخابات النيابية السابقة وانتخابات مجالس المحافظات، وان تخوض مفاوضات ناجحة (بالمعنى الاعلامي) مع الكتل المتنفذة، وان تحتل مكانا ناشطا في المفردة الاعلامية، على الرغم من انها لم تعد تحتكر شعارات الوطنية والعلمانية والليبرالية ومناهضة المحاصصات والتخندق الطائفي، التي دخلت، بهذا الشكل او ذاك، في الخطاب الدعائي للتكتلات الانتخابية لفئات سياسية اسلامية- طائفية نافذة.
يشار للقوى الوسطى هنا الى القائمة العراقية (علاوي) وجبهة الحوار الوطني (المطلك) وتشكيلات تكونت من تشظي الكيانات والفئات المتنفذة (المشهداني- الجابري) بالاضافة الى كيانات محلية تمتلك نفوذا في حدود محافظات او مناطق مترابطة سكانيا ومذهبيا (النجيفي. التركمان. الولاء. الدستور) واللافت ان ثمة الكثير من التقارب في عناوين الشعارات التي ترفعها هذه القوى، لكن من التبسيط المفرط اطلاق التساؤل عما يمنعها من العمل في اطار انتخابي واحد سيكون له شأن كبير في المستقبل، فهي تتوزع على زعامات طامحة (حال الكثير من الكتل) بل انها تستمد نفوذها ووجاهتها من زخم الشخصيات التي تترأسها، لكن-بالمقابل- لا يستبعد المراقب ولادة ائتلاف من بعض فروع هذا الطيف، ربما سيضيف الى الساحة الانتخابية عنصر استقطاب آخر.
اما القوى والفئات الصغيرة (تسمية لغرض التحليل) فهي إذ تنتشر على برامج وشعارات وزعامات وجغرافيا واسعة، سجلت، الآن، ادنى عدد لها في هذه الانتخابات بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، فتراجعت من المئات من القوائم والكيانات (وصلت الى الالف) الى بضعة عشرات منها، فيما صعد الكثير منها قاطرات الكيانات الكبيرة، وينتظر الاخر فرصة مواتية ليأخذ مكانه في قاطرة مناسبة آمنة، ويُعتقد ان البعض منها سينسحب من السباق، والبعض الآخر سيخوضه منفردا، على ان لا نغفل الحقيقة المبكرة التي تابعنا فصولها طوال اسابيع وتتمثل في تشكيل كيانات تبدو انها مستقلة لكنها في واقع الامر تابعة لكيانات كبيرة، او رهينة مشروع آخر، لتلتحق بها، او به، وفق ما تمليه دواعي التنافس.
ودواعي التنافس كثيرة، قد تفاجئنا بمسرحيات ممتعة.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
التكبر على المتكبر .. صدقة "
                            حكمة فقهية

 
 

 

free web counter