| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                              الأحد  1 / 6 / 2014

 

رأيي في التوافق.. بهدوء

عبد المنعم الاعسم 

عض الاصابع ولي الايدي وجس النبض واستعراض القوة والتهديدات والتهديات المضادة، كلها مقدمات لـ"صفقة" يعدها اصحاب معادلات الحكم لابقاء نظام المحاصصة في حشوة المرحلة وقد تتخذ هذه المحاصصة اسما مستعارا انيقا هو التوافق، برغم ان التوافق –في علم السياسة- لا يعني بالضرورة عملية تقسيم المغانم كما جرى، ويراد له ان يجري الآن.

فمن يعده ضروريا في مرحلة الانتقال التي يمر بها العراق لتجنيب البلاد المزيد من التمزق والصراعات، ومن يراه خطيئة تتعارض مع مبدأ الديمقراطية، ومفرخة للمحاصصات، وبدعة من بدع العهد الجديد والاكثرية الحاكمة.

واحسب ان مناقشة هذا الموضوع تفترض، اولا وقبل كل شي، تحصينه من التبسيط، وتقلّب المواقف، ومزايدات سوق الاعلام، كما تفترض، في المقام الثاني، الاعتراف بان التوافق هو نقطة الوسط في الخيارات المتضاربة، وقد يكون اتفاقا يضم منسوبا متقاربا من المصالح والاهداف، يدرأ فيه المتصارعون خطر الانزلاق الى العنف في ما بينهم، او انهم يضعون فيه الغاما لسينياريوهات حرب واقصاءات ضد جبهات اخرى.

التوافق، من جهة اخرى، ابن شرعي لعصر التحولات، والاستقطابات الجديدة، لكن المشكلة تتمثل في انه قد يصبح ابنا عاقا حين يُختزل الى صفقات مشبوهة تهدف الى تكريس الدكتاتوريات والمظالم، وقد يخرج هنا من التعريف المدرسي للتوافق الى معنى آخر اقرب الى التآمر.

وبخلاف ذلك فانه لا مفر من التوافق على حلول وسط، متوازنة ومشرفة، بين الفئات والخيارات السياسية العراقية المختلفة وهي تقف عند منعطف تاريخي مفتوح على احتمالات تمتد بين الجحيم والمعافاة، والبديل عنه يتمثل في مواجهات كارثية لن تعود بالخير على ايّ منها، فيما تدخل قضية تشكيل الوزارة الجديدة في مختبر النوايا، وصدقية الالتزام بالعهود، والرغبة في ترجمة شعارات التعايش الى الواقع، على الرغم من ان الكثير من عناصر هذه الازمة مستمدة من ارث السنوات المحاصصية العجاف، وبعضها من فضلات الدكتاتورية الشوفينية.

التوافق، طبعا، ليس مبدأ للمحاصصة. الاول عملية تقريب وتجسير لوجهات النظر والمطالب والمشاريع والشروط المتباعدة والمتصارعة وفق قواعد سياسية تتسم بالحرص على نزع فتيل حريق قد يشب في اية لحظة وتجنيب البلاد المزيد من الانشقاقات والحروب، والثاني تقسيم للفرص والوزارات والمواقع والنفوذ والوظائف الحكومية وملازم الثروة والجاه على اساس طائفي وفئوي. الاول، ينطوي على تضحيات مبررة ببعض المصالح، والثاني يبرر التشبث، غير المبرر، بالامتيازات. الاول، يتقرب من معالجة حالات التهميش بالنسبة لمكونات او فئات وكفاءات، والثاني يكرس حالات التهميش لمكونات وجماعات وكفاءات.

الى ذلك فان التوافق كادارة لمصالح متضاربة، او متجاورة، دخل ويدخل في صلب العلاقات الدولية وفي اساس المعاهدات والمواقف التي تعالج الازمات الدولية والاقليمية، ويعود له الفضل في تجنيب البشرية الكثير من الويلات، ويعود اليه العقلاء لتسوية صراعات دموية وتداخلات معقدة.. وقد يعود اليه مجانين ركبوا رؤوسهم ردحا من الزمان، فاكتشفوا عبث الاوهام التي يمتطونها.

"الهي.. أشكوك.. هؤلاء عبادك اجتمعوا لقتلي.."
                                                      الحلاج


نشر في جريدتي (الاتحاد) و(طريق الشعب)




 

free web counter