| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الجمعة 19/3/ 2010

 

تصفيات حساب

عبد المنعم الاعسم 

هدد احد السياسيين الذين استشعروا سقوط حظوظهم في العودة الى منصب مرموق كان يحتله، خلال السنوات الاربع الماضية، بكشف “اسرار نائمة قد تطيح بالكثيرين” إذا ما فُتحت سيرة المسؤوليات والفساد والمخالفات السابقة، ويعيد هذا “البالون” الى الاذهان تلك الشكوى المريرة من عدم نضوج بعض شرائح الطبقة السياسية العراقية التي تنزل بالصراع والخلافات السياسية منزلة التهديدات ومعارك المقاهي والاحياء الشعبية، كما تعيدها (وهو المهم) الى السؤال التفصيلي عما اذا بقيت اسرار خافية حقا حتى الان في العراق.

قبل سنوات قليلة كتب الصحفي الالماني جيروم هولش الذي زار بغداد "لا اسرار في العراق.. الصندوق مفتوح على مصراعيه" وذلك في نطاق ما سجله عن مشاهداته في "اسبوعية برلين" مؤكدا ان "المعلومات" التي يسعى الصحفيون والمراسلون الوصول اليها في بغداد تتيسر بطريقة سهلة "واحيانا من غير كلفة" أو "من دون ثمن" ويعيد ذلك الى ما اسماه بقلة تحسب العديد من السياسيين ازاء "امور حساسة" ينبغي ان يكون مكانها "صندوق الاسرار".

مقابل هذا وقبل هولش باكثر من عشر سنوات كتب مراسل لصحيفة اللوموند الفرنسية من بغداد "ان العراق بلد من دون ارقام" وذلك بعد اعياه البحث عن ارقام ومعطيات تساعد في تكوين قراءة عن احوال العراق وحقائق الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية في عهد الدكتاتورية، فقد كان يتلقى جوابا واحدا من مسؤولي النظام السابق "الارقام سرية وغير مسموح تداولها" حين كان يسأل عن عائدات العراق النفطية او عدد العاطلين في العراق او ميزانية التسلح، او عدد السجناء والسجون، او حقائق الديون الخارجية، او عدد اللاجئين من الدول الاخرى، ولاحظ باستغراب ان السلطات الحاكمة منعت تداول الارقام حتى عن نشرات الانواء الجوية في العراق "كي لا يستغلها العدو" ثم، بعد ذلك، راحت تتلاعب بارقام درجات الحرارة، وتحرف المعلومات الخاصة بالتنبؤات الجوية.

الحقيقة تتمثل في انه ليس ثمة بلد في العالم لا يعنيه حماية "نوع" من الملفات الخاصة بقضايا الامن والمصالح القومية والعسكرية والاقتصادية من العبث، وليس ثمة دولة لا تملك صندوقا للاسرار تهتم بحراسته والحيلولة دون الوصول اليه، والسرية هنا لا تخص ظروف الحرب فقط بل انها من لوازم الحماية الوطنية في ظروف السلام، وفي المقابل، فان تهديدات صاحبنا تدخل في نطاق المخالفة القانونية، إن لم تكن في خانة الخيانة الوطنية في حال نفذ تهديداته.

اقول، اكاد اصدق ما كتبه الصحفي الالماني عن صندوق الاسرار العراقي المفتوح على مصراعيه، فقد حضرتُ مساجلة قدم فيها موظف سابق"مرموق" الى محدثيه، وهم خليط من جنسيات واهتمامات مختلفة، حزمة من اسرار"خطيرة" عن المرفق الذي كان يديره، وعن ملفات وارقام واسماء وصفقات ودول كان ينبغي ان تكون في مأمن من التداول، وليس بعيدة عن اذهاننا ما جرى وما يجري في هيئة النزاهة و"الفضائح" التي يتحدث عنها كبار موظفي هذا المرفق حين يُبعدون، او يبتعدون عنه، كما لا ينبغي التقليل من شأن تلك الواقعة التي قام فيها مسؤول مؤتمن على الاسرار بتصوير "مشهد" حساس وتسريبه الى الاعلام ما الحق ضررا بالغا بسمعة العراق وشعبه وقضيته.

صحيح ان تطورا هائلا عصف في تقنيات اختراق الاسرار، غيران هذا لم يشطب المعادلة التالية: ان تسريب اسرار الدولة والتعامل معها كاسلاب قابلة لاستخدامها في تصفيات الحساب او للبيع على الارصفة هو الوجه الاخرلتردي قيم الوطنية من جهة ولصرامة نظام الدكتاتورية الذي حول الدولة كلها، بثرواتها وارقامها الى ملكية سرية للدكتاتور وبطانته، من جهة ثانية.. وفي الحالتين كان "البطل" لا يخجل من استخدام علم الحساب في تصفية الحساب.
 

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ُظلم
"
                                                    قرآن كريم - الحجرات


جريدة (الاتحاد) بغداد
 

free web counter