| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

السبت 19/5/ 2007

 




ابو داوود


عبدالمنعم الاعسم

لا مفاجأة بالنسبة للكثير ممن يعرفون عن قرب اوضاع الحزب الشيوعي العراقي من انتخاب ابو داوود، دورة اخرى، لقيادة الحزب. المفاجأة تتمثل في ان احدا، او تكتلا، لم يزاحمه على هذا الموقع من بين رفاقه، الامر الذي اعطى للحزب، ولابي داوود، امتيازا مهما، يمكن رصد اهميته الاستثنائية على ضوء ما يهب على صفوف الاحزاب السياسية العراقية من عواصف الانشقاق والتشرذم، والتناحر في الصف الاول من قياداتها.
قد يقال، وهو صحيح نسبيا، ان غياب التنافس بين القيادات، يعني ان ثمة خطيئة يجري دسها تحت البساط، ويعني، ضمنا، غياب الحيوية في المؤسسة السياسية، وان التنافس بين القادة الحزبيين هو في غالبيته تنافس بين الخيارات السياسية، وان حزبا خال من صراع وتنوّع الافكار والخيارات، لا يبرأ من عيب الشمولية، وهو حزب في نهاية المطاف بلا مستقبل.
وقد يقال، وهو صحيح الى حد ما، انها المرة الاولى في تاريخ الحزب الشيوعي، السبعيني، يختفي الصراع بين قادته، وتتراجع المزاحمة على مواقعه، و تغيب الاطاحات ببعض اركانه، وامامنا عناوين هائلة من هذه الوقائع في مذكرات حسين الرضي وزكي خيري وبهاء الدين نوري ورحيم عجينة والحيدري وكتابات عامر عبدالله وكاظم حبيب وجاسم الحلوائي وباقر ابراهيم وحسين سلطان واراخاجادور، بل والكثير من كتابات مؤسس الحزب يوسف سلمان، وقد يقال ان الانسجام التلقيني في صفوف الفريق القيادي ليس سوى التعبير عن ضعف عود وكفاءة البعض ممن ينهضون بهذه المهمة الخطيرة.
من كل هذه الاستدراكات ثمة الكثير مما يمكن مناقشته بهدوء ومسؤولية، وبحذر، لكن الاكثر اهمية تتمثل في ان ابو داوود، طوال خمسة عشر عاما من وصوله الى سكرتارية الحزب، برع في التحرر من الجملة الايديولوجية الرثة التي كبلت جيل القيادات الشيوعية، وقدم تصورات وتطبيقات في التعامل، من ذلك الموقع، مع الحقائق السياسية العراقية، المركبة والمتداخلة، ولم يكن لينكفئ، او يضعف، بمواجهة حملة التشهير والاتهامات المعلّبة بخيانة الشيوعية والمقولات و"قيم النضال الثوري" ولا بمواجهة انتقادات "الاشقاء الامميين" الذين يتمترسون في نصوص كراريس ما قبل انهيار القطبية الثنائية، ولا امام نقطة الفراغ التي امتلأت بشيوعيين (قدامى. جدد) عاشوا تحت الارض ما يزيد على ربع قرن، وفي غيبوبة عما جرى في العالم من تحولات.
لم يكن ابو داوود رجل نظريات، ولم يكن ليجيد فذلكات الاستعارة وعبادة النصوص والرطانة، فقد قدم هم الوطن في نصوص واضحة، وصاغ موشور الوطنية في ابداع جدد فيه موضوعة فهد التي نسيت في اكاذيب المرحلة السوفيتية (كنت وطنيا.. وحين اصبحت شيوعيا صرت اشعر بمسؤولية اكبر ازاء وطني) واعاد بذلك القضية كلها الى موطنها السليم: الواقع، ومن الواقع الى ما هو تشكيل فكري، فماهو صحيح مقدس، وما هو خاطئ لا قدسية له. رصيده سنوات طويلة قياديا في القتال المسلح ضد الدكتاتورية من كردستان، ومنظِما في العمل السري ببغداد. تحدّته، وشوَشت عليه ، اسماء تاريخية واخرى مؤثرة في الحزب، وراهنت على هزيمته واخفاقه، فقبل التحدي، لكنه خاض معركته باساليب متحضرة، وبانضباط ومسؤولية، وقد كسب احترام النخب الثقافية الجديدة، سوية مع الطبقة السياسية على تنوّع عقائدها وبرامجها، وصار الاسلاميون الذين شطبوه يوما والامريكان الذين عادوه عقودا يستمعون اليه باهتمام من فوق ظنون التكفير او عوائق الايديولوجية، ولم يكن من جانبه يساوم على صفته وهويته، لكنه لم يكن ايضا جافا او متصلبا في الصفة والهوية، وعذره اننا في زمن المرونة والتفاعل، وان عصر الشعارات والنصوص الجامدة قد ولّى.
في المؤتمر الخامس 1992 قص ابو داوود الشريط الى التجديد، فالقى، من على كتفي الحزب، مع فريق صغير متحمس، الكثير من المقولات والرطانات والشعارات والاستعارات التي عفا عليها الزمن، وكان سيستمر خط التجديد قدما نحو المزيد من المنجزات، في الفكر والسياسة والهيكلية.. فلماذا لم يتحقق ذلك؟ لهذا حديث قد يأتي الوقت المناسب له.
ــــــــــــــــــــــــــ
.. وكلام مفيد
ـــــــــــــــــــــــــ
" الكلام لا يسدد الديون ".
                               حكمة انجليزية