| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الجمعة 19/6/ 2009

 

الفساد..
نظرة سوسيولوجية

عبد المنعم الاعسم 

تأخذ حملة التشهير والتنديد بالفساد والمفسدين حيزا كبيرا في الاعلام والمحافل والمجالس والقضاء، عدا عن مجلس النواب، وتختلط معها عناصر الفضيحة بالاثارة بالمكائد السياسية بالدعاية الانتخابية، بالتسلية الاخبارية، الى حد تبدو هذه الحملة(من الخارج) ضرورية لاعلاء قيم العفة في المجتمع، لكن ثمة وجه آخر يتعلق بالرواسب السيكولوجية لهذه الظاهرة في القاع الاجتماعي، مما يترك آثارا خطيرة، سلوكية وفكرية، تتحرك كمطاعن، في البداية، ثم سرعان ما تصبح امراضا تضرب البنية الاخلاقية للمجتمع، بالضبط حين تتجاوز(بعد تورط مناصب وزارية وحلقات حساسة في ادارة الدولة وسقوط صورة العفة عن المبشرين والدعاة) كونها حالات فردية منحطة، الى ما يعني بان المجتمع غير محصن كفاية ضد الفساد، وما يحمل على الاعتقاد بان خيانة الوظيفة من اجل مصالحة فردية(وهو التعريف المدرسي للفساد) انحراف ميئوس من اصلاحه، في الاقل بالادوات الحالية.

هذا عدا عن موصول الامر برد الفعل السايكولوجي، فحين تكافح العنف عند الاطفال (مثلا) باساليب الاثارة وتفخيم الاضرار فانك، من جانب آخر، تشجع نوعا من الاطفال على الاعجاب باساليب العنف وقد يجربوها بانفسهم.

وبمعنى آخر، يخرج الحديث عن الفساد واللصوص والنصابين وخونة الامانة والمتجاوزين على المال العام وقوت الشعب ونهابي الثروة والمهربين، عن مساره التعبوي والتحريضي (وحتى التنكيلي) الى رد فعل اجتماعي، في عملية مراكمة سوسيولوجية مديدة، يصبح معها الموظف النزيه والمؤتمن العفيف على المال العام بمثابة "صوت في البرية" وحالة نادرة، فيما تنعدم الثقة بالمنادين الى مكافحة الفساد ودعاة الورع والنزاهة، بعد ان تم الكشف عن فاسدين كانوا من ابرز دعاة الحرص على مصلحة الوطن والمال العام ونظافة اليد والسيرة.

وفي هذا، إذ تهتز، او تلتبس قيم النزاهة بين الناس، يكمن منحدر المجتمع الى انعدام التوازن، وتصبح الوظيفة الخدمية والائتمانية شبهة بالنسبة لصاحبها، و(بعد ذلك) لن يحجم احد عن عرض الرشوة ومشروع خيانة الامانة على أي موظف او صاحب شأن في دورة ومفاصل العمل والمال، وعلينا ان نقتفي اثر هذه الصورة المفجعة في ما بين صفوف الجيل الجديد المرشح لكي يعيد البناء.

وهذه ليست فرضيات، فقد انحدرت اليها مجتمعات كثيرة: المجتمع يخلق مفسديه. هكذا يقول البروفيسور الدكتور جون جراف مستشار منظمة الشفافية العالمية. لنتذكر ظروف ذلك المجتمع التي اضطرت النبي محمد الى الحديث عن "الراشي والمرتشي في النار" ولنذكر انه في دول اقليمية يستطيع الزائر الان ان يقدم رشوة لاي ضابط في المطار من دون تعيين، وهذا لا يعني غير شئ واحد ان المجتمع، لا القانون، صار-لاسباب كثيرة- يوفر حماية للفاسدين، إن لم يكن يتعايش مع ظاهرة الفساد، وينتج اجيالا تفتح عينيها على انعدام النزاهة.

عالم الفلسفة والرياضيات و. ك. كلفورد يمسك الخيط السوسيولوجي في اثر الفساد بالقول "إن سرقتَ مالا من شخص، فربما لا يكون هناك ضرر من مجرد نقل ملكية المال من شخص الى آخر، فربما لا يحس ذلك الشخص بفقدان المال، او ربما قد تمنعه تلك السرقة من سوء استخدام المال، ولكنني لا استطيع ان ارتكب هذا الخطأ بحق الانسان بان اجعل من نفسي انسانا غير نزيه. فالامر الذي يؤذي المجتمع ليس هو فقدان الملكية بقدر ما هو تحول المجتمع برمته الى وكر للصوص".

علم نفس المجتمع يحذرنا من ان نصبح وكرا للصوص، حين نمرر القول الفاسد بان الفساد لا مفر منه.
 

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
 لا أقول إن زوجتي لا تجيد الطهو، ولكنها تعتمد على جرس إنذار الحريق كمؤقت للفرن "
                                                                                               بوب مونكهاوس- ممثل كوميدي إنجليزي




 

free web counter