| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

السبت 19/6/ 2010

 

أهلُ شقاقِ..

عبد المنعم الاعسم 

لم يُبقِ لنا السادة المتصارعون على السلطة فرصة كبيرة لتحسين صورتنا التاريخية السلبية كوننا، نحن العراقيون، كما كان يصفنا الطاغية الحجاج بن يوسف ابن ابي عقيل الثقفي "اهل شقاق ونفاق" فقد مضوا في هذه اللعبة الجارحة الى ذروتها، وجرُوا معهم، واليها، جمهورا غفيرا من الاتباع: يقولون، فيصفقوا.
بل ان البعض من فرسان الازمة راح يستعمل لغة تهديد حجّاجية نائمة "اني ارى ابصارا طامحة، واعناقا متطاولة، ورؤوسا قد اينعت وحان قطافها، واني لصاحبها" ونقلت الصحف جمرات من القول وكأن العراقيين خلقوا لتدمير حياتهم، والتنكيل ببعضهم، ثم إحداث الانشقاق في كل مكان، على وفق ما كتب الطبري عما صنعه العراقيون بين "اهل افريقيا" الذين كانوا "اسمع أهل البلدان، واطوعهم الى زمان هشام بن عبدالملك، حتى دب اليهم دعاة اهل العراق وشقوا عصاهم وفرقوا بينهم” وكان ابناء تلك القارة قد تمسكوا بقاعدة ان لايحمّلوا الخليفة (البعيد) جريرة ما يصنعه سفيره او موظفوه من ذنوب" فقال لهم العراقيون: انما يعمل هؤلاء بامر اولئك" وهي حقيقة إن اريد بها اشاعة الوعي والادراك، وهي دسيسة اذا جرى اطلاقها في غير محلها، والمهم، ان اهل افريقيا عرفوا منذ ذلك الوقت طريق الشقاق، فبدأ التمرد واشتعلت الحرائق.
العجيب في الامر، انه كلما بدا ضوء في النفق الطويل، سارع المتنافسون، كل من جانبه، الى إطفائه ونشر الظلام في مسرح الحوار، وكلما لاحت اشارة انفراج في الازمة او تقارب بين بعض رؤوسها، ينقلب الجميع على هذا المسار، ويتحولون عنه الى مربعهم الاول، وتنقلب طاولات البحث الى خنادق، وينتشر في الجو غبار الكراهيات والتهديدات، وتنغلق آخر منافذ التسوية.
لا يثق اللاعبون ببعضهم، ولا يثقون بالوسطاء، ولا يثقون باحد قد يساعدهم على حل وسط.. بل انهم ضد الحل الوسط.. وضد اي بديل عن مطلبهم، واي مقترح يحل محل مقترحاتهم، وانهم يتفننون في اغتيال الفرص السانحة للحل، ويتهربون عن السؤال الملح: لماذا لا تطرحون بدائل عن ارائكم طالما انها غير مقبولة؟ وكل منهم يقول، كما كان يقول الحجاج: "من اعياه داؤه فعندي دواؤه" ويصر على انه صاحب مفتاح الانقاذ، ورائد حماية البلاد "ينفي عنها المدر، ويباعد عنها الحجر، ويكنها من المطر، ويحميها من الضباب، ويحرسها من الذئاب".
لقد قبَرَ العراقيون، على مدى قرون، من التحضر والمدنية وانتاج القيم والمعارف تلك الفرضية العابرة كونهم "اهل شقاق ونفاق" واعترفت اجيال من المؤرخين برجاحة عقولهم وصواب تدبرهم، وعمق رسالتهم الانسانية، ومن هنا تظهر مقابح الصراع على السلطة إذ تعيد انتاج مقابح الانطباع العتيق عن العراقيين.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته"
                                                                      محمد (ص)

جريدة(الاتحاد) بغداد

 

free web counter