| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الأثنين 19/9/ 2011

 

السياسة والاخلاق

عبد المنعم الاعسم 

يعتبر الكثيرون إنَّ كتابَ المفكر الفرنسي ريمون بولان، رئيس جامعة السوربون السابق، مرجع مهم، وربما أساسي، لموضوع العلاقة بين السياسة والاخلاق، واسماه “الاخلاق والسياسة” وقد قلبناه بتقديم السياسة على الاخلاق ليس بدواعي شكلية بل ارتباطا بالحال العراقي إذ جررت السياسة الاخلاق الى التباسات وسلسلة من العثرات والطعون بحيث لم يعد ذكر الاخلاق والاخلاقية في محفل من المحافل العراقية يمر من غير مرارة وشفقة وأسفاً، والبعض يذهب الى نعي الاخلاق السياسية الى مثواها الاخير في ظل ما ينشر ويقال عن فساد الطبقة السياسية العراقية وغياب القواعد الاخلاقية للعبة الحكم، ويشار بذلك الى التعهدات والاتفاقات والوعود التي يجري الاعلان عنها وبعضها جرى التوقيع عليها.

وثمة البعض الآخر يعتقد وقد يعلن بأن الحاجة الى الاخلاق في ميدان السياسة أنتفت وبطلت، في الواقع، وأن السياسة علم مستقل بذاته أو منظومة من القواعد التي تنظم المصالح وتديرها، تلتقي أو تبتعد عن الاخلاق بحسب دائرة النشاط ولوازمه، وأن الاخلاق كقيم إنسانية مكانها جمهورية افلاطون، وللذين يتنصلون عن التعهدات وعناوين الاخلاق أسباب مبررة، ولهذا التنصل عمق في التأريخ وأصالة في النفس البشرية منذ أن تمرد أبليس على تعهد الركوع الى الانسان.

بولان يفتتح هذا الموضوع الشائك بسؤال تأسيسي يقول “هل الامر الجيد في مجال النظر، أمر جيد في مجال العمل؟” وهو سؤال يدخلنا فورا الى موضوعة النظرية والممارسة التي تدخل بدورها جوهر العلاقة بين الاخلاق كنظرية والسياسة كممارسة، لكن المفكر الفرنسي يحذرنا من البعض الذين يجعلون من أنفسهم خفراء للقيم الاخلاقية ووعاظ للقناعات النظرية أو مراجع لتقنيات التطبيق الاخلاقي في الميدان السياسي، كما يحذرنا من الاستطراد نحو ترويج فكرة حكومة التكنوقراط “اللاأخلاقية” وقال إنها تستند الى مغالطة برغم “أن التقنيين هم أفضل من يستطيع حل المشكلات المتصلة بتقنياتهم” إذ تحملنا على “نسيان أن السياسة، كالاخلاق، هي ممارسة وليست بتقنية”. 

وإذ تمتلئ خواطر السياسة بذم مفكر عصر النهضة الايطالي ميكافيلي الذي قلل من سطوة الاخلاق على السياسة بواسطة نظريته الشهيرة “الغاية تبرر الواسطة” فإن ريمون بولان قدم نظرة مخالفة الى دوره وفكره وتطبيقاته وأكد “أن أحدا لم يسعَ سعي ميكافيلي الى تحديد التقنيات السياسية بأكبر دقة ممكنة” والاخير كما هو معروف صاحب الرأي القائل بأن موضوع السياسة يتألف من الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها واستعمالها، وطبقا لما يقوله بولان، فأن ميكافيلي صاغ قواعد السلوك السياسي في ظروف محددة تماما “بل إنه قدم الوصفات الضرورية لهذا السلوك” ويلفت النظر الى مقولات (احكام) مهمة كان ميكافيلي قد أطلقها ولم تكن لتثير إهتمام الباحثين “الاخلاقيين” مثل قوله: “ كيف نبقى في بلاد نحتلها؟” أو “كيف نقيم حكومة حرة في دولة فاسدة” أو “الانبياء المسلحون غالبون والانبياء العزل مغلوبون”.

وفيما دخل العالم عصر التحرر فقد أنصرف البحث في العلاقة بين السياسة والاخلاق الى موضوعة العدالة التي تعد من لوازم الاخلاق، وبعدها في التطبيق السياسي. اما بولان فانه يطرح القضية من زاوية اكثر رحابة وتماسا بالتحولات في ميدان الوعي الانساني، فانه، كما يقول: “لا عدالة إلا بالانسان للانسان، ذلك ان العدالة هي، أولا، إبداع إنساني شأنها شأن سائر القيم، وهي ثانيا، لا يمكن أن تنطبق إلا على كائنات قادرة على أن ترغب في الحفاظ على وجودها الخاص”.
 

"يستطيع أي مواطن في أي بلد من بلداننا أن يدخل على أي مسؤول ويقول مايشاء لكن متى يخرج فهذه مسألة أخرى"
                                                                                                                  الماغوط


جريدة (الاتحاد) بغداد
 

 

free web counter