| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الجمعة 19/8/ 2011

 

مَن يكتب التاريخ؟

عبد المنعم الاعسم 

لا السلطة ولا الايديولوجية يكتبان تاريخا صحيحا. انهما يكتبان اساطير وبطولات وحقائق عليلة. اما الحقائق السليمة، غير المغشوشة، فهي صنعة اولئك المغضوب عليهم، المجلودة ظهورهم، من الشهود والرواة والعلماء والشهداء، الفارّين من الطوائف والعصبيات والولاءات، الذين اشتغلوا على كيمياء الاحداث وسجلوا الوقائع من دون ان ينظروا خوفا الى نوافذ الحاكم، او ينتظروا “عفارم” زبانيته، بل انهم اصحاب فكرة مزبلة التاريخ حين دحرجوا الطغاة وانظمة الاستبداد والمزورين واعداء الحرية الى نهاية تليق بهم.
غاليلو والكندي واسحاق نيوتن وليوناردو دافنشي وفيكتور هيجو والحلاج، وغيرهم كثيرون قلبوا سياق الكتابة عن التاريخ فلم يرووا لنا اساطير منفوخٌ في ملامحها ولا مكائد القصور ومؤامرات الخلفاء والاباطرة، ولم يكن ليعنيهم مرضاة صاحب النعمة، ومجد اولئك انهم علموا الكتبة من اية زاوية يقرأون الاحداث والوقائع وفي اي مكان يضعونها، لنتذكر المشكلة التاريخية التالية: عندما احترقت روما (هكذا كتب المؤرخون) كان نيرون يعزف، متسليا، بقيثارته، ودخلت هذه المفارقة ( وقل القيثارة) في كراسات المدارس وكتب التاريخ، ثم اكتشف بعد ذلك ان القيثارة لم تكن قد اختُرعت آنذاك في عصر نيرون، ثم، وهذا المهم، لم يعتذر احد من الذين دسوا هذه الكذبة في كتب التاريخ، او في ذاكرتنا.
وهناك الان شكوك في سلامة ومصداقية المدونات التي ارخت الثورات، من ثورة سبارتوكوس وثورة الزنج وثورة اكتوبر حتى الثورة العلمية التكنولوجية، وثمة نصف تلك الشكوك( كما يقول الروائي الامريكي المصلح هيرثورن) يمكن ان يكون صحيحا، ولو عدنا الى رواية “وداعا يا غولساري” لجنكيز ايتماتوف، والى رواية “السيد الرئيس” لاوسترياس سنجد اننا لم نلتقط كفاية تلك الحقائق العميقة في ما بين السطور، يكفي ان نتذكر ان ايتماتوف كان يسأل ثائرا عما دفعه الى الثورة فكان الاخير يجيب “ لا اتذكر” ولكن ايتماتوف، مثلنا، كان سليم النية، بل وكان صادقا في كفاحه من اجل الحرية الى ابعد الحدود.
القضية برمتها بسيطة، فان ما يعتبر حقيقة في جانب من جبال البرانس( كما يقول باسكال) يعتبر لا حقيقي في الجانب الآخر، وقد اخطأنا كثيرا (في العراق) في تدوين يوميات ثورة العشرين، بل واخطأنا قراءة انتباهات علي الوردي في ما حول الثورة، واخذتنا العزة بالاثم ونحن نستعرض هوسات عشائر الفرات والفلاحين الطيبين، فيما تقبلت الشعوب الاخرى الحقائق “المرة” التي اخفاها المؤرخون لكسب رضا الحكام، ويُزعم ان نيوتن اكتشف قانون الجاذبية الارضية لما لاحظ تفاحة تسقط من الشجرة، لكن الوثائق العلمية لأكاديمية العلوم البريطانية تبطل رواية التفاحة وتؤكد انه تم التوصل الى صياغة قانون الجاذبية بعد نيوتن بسنوات، لكن ليس من دون جهوده الرائدة والتأسيسية.
ان العلوم الحديثة تحذرنا مما يقال على انها حقائق تاريخية، يكفي هنا ان يشار الى قصة النعامة التي ترسخت في ذاكرتنا على انها تتقي الخطر عن طريق دس رأسها في الرمال، ثم يخبرنا العلم ان هذه الرواية لا ثبت لها ولم يشاهد احد نعامة تزاول هذه الحركة الملفقة، ويمكن ان نضيف الى حكاية النعامة الزائفة حكاية اخرى(اكثر زيفا) تتصل بدموع التماسيح، إذ نكتشف ان التماسيح لا تذرف الدموع لسبب بسيط هو انها لا تملك غددا دمعية.
 

"إذا كنت لا تستطيع الابتسامة فلا تفتح دكانا"
                                                      حكمة
 

جريدة (الاتحاد) بغداد
 

 

free web counter