| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 18/2/ 2008



الحكومة العراقية الجديدة..
محاصصة باسم مستعار

عبد المنعم الاعسم

دخلت جهود تشكيل الحكومة الجديدة (او استعادة قوامها السابق) برئاسة نوري المالكي مرحلة حرجة وسط سلسلة طويلة، ومملة، ومضنية من التأجيلات والتصريحات المتضاربة، والاحاديث المتكررة عن الخيارات، ويستطيع المراقب ان يجزم بان الايام المتبقية من شهر شباط- فبرايـــــر ستسجل نهايــــــــة الازمة الحكومـــية التي ابتدأت بانسحاب وزراء التيـــــــــار الصــــدري مطلع العام الماضي، ولحق بهم وزراء كتلة التوافق ثم وزراء القائمة العراقية.. اقول: نهاية الازمة الحكومية، واضيف: او بداية الحكومة المنتخبة الثانية.
وبحسب اخبار الكواليس، وهي شبه موثوقة، فان رئيس الوزراء وُضع -من قبل اركان المجلس السياسي- على تقويم صارم لمدة اسبوع، ثم مُدد لاسبوع آخر، لكي ينجز بناء وزارته، وفي غضون ثلاثة ايام من انطلاق العمل في كابينة الاتصالات ظهرت اشارات متضاربة من الكتل المنسحبة الثلاث (كلٌ من موقعه) حول انهاء القطيعة مع الحكومة او الاستمرار في الوقوف عند خط الانسحاب، على خلفية الكلام عن شروط مسبقة ووعود لاتُنفذ، وكلام آخر عن عصيّ يضعها المنسحبون، أو بعضهم، في دواليب محاولات المالكي.
ولا ينبغي التقليل من اخبار اخرى عن وقائع تجاذبات واستعصاءات في الحلقة الضيقة لمعسكر الاكثرية البرلمانية التي امست من رأسين، المجلس الاسلامي وحزب الدعوة، وقد خرجت التباينات في وجهات النظر(او في الارادة) الى واجهات الاعلام، ما اضفى ويضفي على امكانيات نجاح المالكي في مهمة تشكيل حكومة متماسكة (وبلا محاصصة) ظلالا من الشكوك، يضاف الى ذلك الكثير من علامات (وقل مبررات) فقدان الصبر لدى حلفاء(الامريكان. الكرد) وضعوا ثقلهم الى جانب رئيس الوزراء الذي جرجر حكومته، بعزم، وبدعمهم، لعام ونصف وسط كثبان من الرمال والتحديات.
اما معسكر التوافق فقد حيّر المحللين، ما اذا سيعود الى حكومة المالكي او سينأى عنها فاسحا الطريق الى فريق منه (خلف العليان) ليشغل المقاعد الشاغرة او بعضها، فيما تتحدث الكواليس عن خيار لا رجعة عنه بصدد تمثيل مجموعة صحوة الانبار في الوزارة، غير ان الرسائل الى يطلقها مركز التوافق حول شروطه التي لم تنفذ ولم تناقش كفاية تحمل على الاعتقاد انه لا يزال يراهن على بديل جديد لرئيس الوزراء، وقد يشاركه في ذلك مركز القائمة العراقية، وعديد من الاعضاء المستقلين في مجلس النواب.
في موازاة ذلك ثمة، في كابينة الاتصالات التي يديرها المالكي، او صف المحسوبين عليها، مَن يتحدث عن عودة المنسحبين من الوزارة كما يتحدث الفقهاء عن “بيت الطاعة” او ما كانت تحمله بيانات العفو التي كان يصدرها صدام حسين لتشجيع “العودة الى الصف الوطني” ما يعيد الملف كله الى خط البداية، وثمة غيرهم يتحدث عن وزارة جديدة بوزراء تكنوقراط من خارج قواعد المحاصصة، ويستدرك غيرهم القول ان الوزراء الجدد سيكونون وزراء تكنوقراط لكن وفق مبدأ المحاصصة، فيما يضحك متفرجون، ونحن منهم، لهذه الطرفة المسلية.
وثمة ما يحيّر المراقب الموضوعي الذي يحاول تكوين صورة مسبقة لشكل الحكومة الجديدة قيد الطبخ، وبخاصة القول المنسوب لرئيس الوزراء نوري المالكي انه يتجه الى تشكيل حكومة لا تلتزم مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية، وتزداد تلك الحيرة في ما اضيف، او تسرب، بان النية تتجه الـى "إبقـــاء كبـــار موظفــي الـوزارات في مـواقعـهــم" مــا يعني استمرار اسوأ نتائــج المحاصصـــة واكثر خطاياها ثقـلا ومصدرا للشكوى.
وفيمــا حاولــــتُ ان اشـكل خارطـة نظريـــة لهـــــذه الحكومة المقترحة، وعلـــى ضــــــــوء الاستقطابات الفئوية القائمة، وتمترس طبقة الموظفين الكبار فقد اخفقت في محاولتي، لأن الوزراء الجدد بدوا لي مثل ابطال مسرحية امريكية عنوانها (قرار اخير) حيث يدير مجلس من الغرباء شؤون قرية يكلمون سكانها ويسيّرون امورهم بواسطة مترجمين (وكلاء) يتصرفون في الترجمة والتعامل مع السكان خلاف اوامر وقرارات المجلس بغرض الإثراء والفساد، فتدخل حياة القرية في نفق من المشاكل والمفارقات، قبل ان يتم اكتشاف ان العِلّة تتمثل في زمرة الوكلاء.
وتزداد الصورة اضطرابا حين يجري الحديث-في نفس الوقت- عن حكومة وحدة وطنية، فتتزاحم الاسئلة هنا عما اذا كان من الممكن ان تُشكل حكومة من خارج المحاصصة (مستقلة) وتكون في ذات الوقت حكومة وحدة وطنية(غير مستقلة) او عما اذا سيؤدي هذا الاضطراب في الخيارات الى العودة نحو حكومة محاصصة على قياس الحكومة ما قبل الانسحابات.. آنذاك، كأننا لم نفعل شيئا وقد بدأنا من الصفر وتمسح الجميع بوعودهم وشروطهم وشتائمهم ضد المحاصصة "وابو المحاصصة" وقد نستيقظ يوما على حكومة محاصصة باسم مستعلر كمخرج للازمة، او سبيلا للالتفاف على سمعة المحاصصة المتردية.
ولعل آخر الايضاحات التي خرجت من كابينة رئيس الوزراء للاتصالات الجانبية اضافت عتبة (او قل عقبة) اخرى امام تشكيل الحكومة في غضون اسبوع او اسبوعين حين افادت بان عملية اجراء تقليص في الوزارات تعتمد على موافقة الكتل السياسية، ومدى استعدادها في التضحية بمقاعد وزارية خاصة بها، فضلاً عن التضحية بالمحاصصة الحزبية والطائفية ايضاً، وقد شدد ممثل احدى الكتل على استبعاد الموافقة على"الترشيق" والتضحية بالمقاعد، لأن ذلك، حسبه، يخل بما اسماه بالاستحقاقات الانتخابية وبالاوزان والحجوم الخاصة بالكتل.
وفي كل الاحوال، فان المهم هو ترسيم مهمات الحكومة المقبلة، سواء كانت حكومة محاصصة ام غيرها، وهنا يشاء البعض ان يمعن في تبسيط وظيفة مثل هذه الحكومة فيتحدث عن وظيفة مركزية هي التحضير للانتخابات المقبلة، فيما الامر يلزم اقامة حكومة تصريف اعمال محايدة، لكن الوقت لا يزال مبكرا على موعد الانتخابات (اكثر من عشرين شهرا) وثمة استحقاق اكثر الحاحا يتمثل في اجراء الانتخابات المحلية وفق القانون الذي شرع مؤخرا، فضلا عن ملفات ملتهبة لا ينبغي ان تبقى معلقة "من رجليها" الى ذلك الوقت.. إلا اذا كان اصحاب الشأن يعتقدون بسحر السايكولوجيا التي تقول: عليك ان تتحدث كثيرا عن الخبز ليشعر السامع بالتخمة.
على ان المتابع لا يحتاج الى الاطلاع على نص الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء نوري المالكي الى الرئاسة وقادة الكيانات السياسية لجهة معرفة (او جس نبض) موقفها من كسر قواعد المحاصصة في تشكيل حكومة جديدة تضطلع بتنمية العناصر الايجابية في تطورات الاوضاع وتتولى ترجمة البرنامج المعطّل منذ عامين بسبب اضطراب احوال الوزارة والامن والعملية السياسية، فقد امكن، بفضل نسمة من الشفافية، معرفة الاتجاهات التي يفكر فيها المالكي، لكن المهم ما هو بين السطور من ايحاءات بازمة الثقة بين الفرقاء المعنيين، وغياب حسن الظن بين بعضهم، وربما ثمة في الرسالة محاولة لاحراج اولئك الذين يشتمون خطيئة المحاصصة ليل نهار بان جرّهم الى اختبار المصداقية، وقدر استعدادهم على التضحية بامتيازات السلطة وفتاتها.
اقول، ثمة في الرسالة (او ما ما تسرب من سطورها) اشارات مهمة ومتضاربة في آن، فماذا يمكن ان نفهم من انها " تضمنت عرضا للأسس والمبادئ الواجب اعتمادها في تشكيل الحكومة الجديدة وهي عدم اعتماد مبدأ المحاصصة السياسية، والتمثيل العادل لمكونات الشعب العراقي، واختيار وزراء من ذوي الخبرة والمهنية، على أن تكون مهنية الوزراء مقدمة على انتمائهم الحزبي والسياسي" وماذا يعني القول "أن لا يتجاوز عدد الحقائب الوزارية 22 حقيبة، وأن يمنح رئيس الوزراء صلاحية اختيار الوزراء بالتشاور مع هيئة الرئاسة على أن يكون له القرار النهائي" غير الرغبة بالتمدد خارج الصلاحيات المحشور فيها مما لا تسمح به آليات (وقل قيود) ادارة الدولة وشؤونها.
اعني، مَن الذي يقبل ان تكون هيئة الرئاسة في موقع الاستشارية فيما القرار النهائي في اختيار الطاقم الوزاري يبقى لرئيس الوزراء؟ وهل ثمة تفسير آخر لهذه العيارات غير ان رئيس الوزراء يريد ان يدفع عنه مسؤولية الجرجرة والتسويف والتعطيل ويلقيها في ساحة الاخرين، من اقرب حلفائه الى ابعد الممشككين في قدراته، على حد سواء.
من زاوية يبدو ان عنوان المعركة المقبلة (وقل التجاذبات) ستجري تحت عنوان الصلاحيات، فرئيس الوزراء يشكو منذ شهور من انه لا يملك مفاتيح الابواب الموصدة في الازمة، وطبقا لاحاديث الكواليس، فان مساحة هذه الشكوى امتدت مؤخرا الى دائرة اقرب شركاء المالكي في الاكثرية النيابية، ويمكن تصديق الانباء التي ذكرت ان رئيس الوزراء ابلغ هؤلاء الشركاء انه لا يقبل ان يكون موظفا منفذا للاوامر، وان عليهم ان يترجموا فروض دعمه الى الواقع، لا أن يقاسموه صلاحيات ادارة الوزارة.
وبعيدا عن هذه الدائرة الضيقة (معسكر الائتلاف) فان القوى الاخرى تنظر بعين الحذر الى فكرة رفع مناسيب صلاحيات رئيس الوزراء بصدد تشكيل حكومة جديدة، والبعض من اشد منتقدى المالكي يتحدثون (كلمة حق ..) عن خطر ظهور دكتاتورية جديدة.. والبعض منهم (إذا شئنا الصراحة) يقتفون اثر الدكتاتورية التي مضت الى المزبلة.
ـــــــــــــــ
كلام مفيد:
ـــــــــــــــ
     
"
إذا لم يسمع الأصم صوت الرعد فإنه سيرى حبات المطر".
                                                     
 مثل افريقي


 


 

Counters