| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الخميس 17/3/ 2011

 

العراق و"الفاو"
فرصة ينبغي لا تضيع

عبد المنعم الاعسم 

مكانة العراق في المنظمات والهيئات الدولية تحتاج الى اعادة بناء جدية ومنهجية، مثلما هو الحال في اعادة بناء مفاصل اخرى خربتها الدكتاتورية والحرب واعمال الارهاب والفساد والطائفية، ويلزم ان تبدأ من تشخيص الاقنية والمسارات الاكثر اهمية وصلة بالاحتياجات الملحة والاستراتيجية للدولة والمجتمع في طورها الجديد، وبخاصة الاحتياجات الزراعية والغذائية التي تعاني من علل متوارثة وناشئة الامر الذي يمس الامن الغذائي للبلاد في الصميم.
تكفي الاشارة الى الواقع الغذائي المرير والمشوّه في البلاد إذ تُستنزف موارد الدولة في استيراد الغالبية الساحقة من المفردات الغذائية التي يمكن تأمينها من الإنتاج الزراعي الوطني لو احسن معالجة مشكلاته ورفع كفايته واستخدام وسائل التحديث المتطورة في تنشيطه.
وإذ تتفق جميع الدراسات والمنظورات الواقعية على ضرورة النهوض بالواقع الزراعي في العراق بوصفه الشرط الضامن للرخاء الغذائي في المستقبل فان هذه الدراسات والمنظورات تعوّل على الافادة من الاقنية والفرص والمجالات الدولية لتسريع خطط التحديث في مجالات الزراعة والمياه والموارد ذات الصلة لتخفيف استفراد الموارد النفطية في التحكم بالاقتصاد العراقي وحياة الاجيال المقبلة، وذلك انطلاقا من حقيقة ان امكانات العراق في مجالات الخبرة والتكنولوجية والتخطيط غير قادرة، ولا مؤهلة، لتحقيق عملية التحديث المنشودة.
ولا حاجة لتكرار القول الذي يعرفه الجميع عن علاقة الزراعة والانتاج الزراعي بالرخاء وبشروط تطوير الصناعات الوطنية، فضلا عن علاقتهما بالامن الغذائي والاستقرار والتوازن الاجتماعي، ولدى الباحثين امثلة كثيرة عن دول احيت زراعتها واراضيها وشبكة مياهها بالافادة من حسن علاقاتها الدولية للحصول على المشورة والمساعدات والتكنولوجية لتصبح في مصاف الدول الصناعية والغنية في العالم
وتعد منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة(الفاو) من اكثر الميادين التي يلزم ان يكون العراق في شبكة خدماتها وانشطتها، بل وفي طواقمها الادارية العليا بالنظر لحاجته الماسة الى الفرص والخبرات التي تتيحها من اجل التغلب على المشكلات التي يعانيها بسبب تراجع الخصوبة وشحة المياه والخطورات المحدقة بالامن الغذائي الوطني.
ومنذ اسابيع تجري منظمة الفاو التحضيرات لاختيار مدير عام جديد لها خلفا لمديرها العام السابق السنغالي جاك ضيوف وذلك في اواخر حزيران المقبل، فيما يتقدم ممثل العراق الى هذا المنصب الدكتور عبداللطيف رشيد، وزير الموارد المائية السابق وفي سجله رصيد طيب من الخبرة والنزاهة يؤهله لمنافسة ممثلي دول اخرى، وهي فرصة ذهبية للعراق الجديد لكي يعيد بناء مكانته الدولية لا ينبغي ان يـُقلل من شأنها.. وينبغي ان لا تضيع.
فعندما يقال ان ممثل للعراق الجديد مرشح لمنصب المدير العام لمنظمة دولية مرموقة ومهمة مثل منظمة الزراعة والتغذية التابعة للامم المتحدة فان الامر يعني ان الدولة العراقية واقنيتها الدبلوماسية والاعلامية والسياسية تعد نفسها لمعركة تنافس شديدة من اجل كسب المنصب بمواجهة مرشحي الدول الاخرى، وقد شهدنا في غضون العقود الاخيرة معارك طاحنة خاضتها الدول المختلفة مع شركائها في المنظمة الدولية للفوز في منصب من مناصب الهيئات الدولية كما حدث في الترشيحات الى ادارة منظمة اليونسكو التي لم تجر في اطر المنظمة المحدودة بل اتسعت لتشمل كل مفردات العلاقات بين الدول واستخدمت فيها ضغوطا وتحالفات وتعهدات كثيرة قبل اجراء انتخاب ممثلة بلغاريا ارينا يوكوفا الى المنصب.
وإذ يقترب موعد انتخاب المدير العام لمنظمة الفاو بعدثلاثة اشهر فاننا نرصد، بالعين المجردة، ضعف الحركة الرسمية والاعلامية والدبلوماسية، لجهة الترويج لحق العراق واهليته لتبوأ هذا المنصب، فيما تنشط دول المرشحين الآخرين نحو كسب التنافس وتقدم مرشحيها الى دورة الاعلام والعلاقات العامة وشبكات الدبلوماسية، وكان الاجدى بالمرجعية الحكومية العراقية ان تضع برنامجا متكاملا للتنافس سيما ان لدى العراق الكثير من الافضليات وإمكانيات الفوز فضلا عن المؤهلات المهنية التي يتمتع بها مرشح العراق الى المنصب الدكتور رشيد من خلال خدمته الحكومية أو خبرته في ادارة الهيئات الدولية ذات العلاقة بالقضايا الزراعية والتغذية في دول نامية عديدة، الامر الذي حظي بدعم رسمي من جامعة الدول العربية التي اعلنت انه مرشحها ايضا الى المنصب.
ويتنافس هذه المرة على منصب المدير العام للمنظمة، بالاضافة الى الدكتور رشيد كل من ميغال أنخيل موراتينوس كويوبي (إسبانيا)، إندرويونو سويوسيلو (إندونيسيا)، محمد سعيد نوري ناييني (جمهورية إيران الإسلامية)، جوزي غرازيانو دا سيلفا (البرازيل) وفرانز فيشلر (النمسا).
لكن التنافس في هذا المجال، وبصرف النظر عن نتائجه، يعطى للدولة التي تخوضه بجدارة وجدية وناشطة بطاقة مرور الى المواقع المرموقة، وبعكس ذلك، فان موقف التفرج والعجز يلحق باصحابها الخسارة الفادحة والخيبة.
ويغكس التنافس الشديد على قيادة الفاو اهمية المنظمة بوصفها ميدانا للمعرفة والمعلومات الدقيقة عن الامن الغذائي في العالم وتقوم بمساعدة البلدان النامية والبلدان في مرحلة التطور على تطوير وتحسين ممارسات الزراعة، وسبل تنمية الغابات ومصايد الأسماك لتأمين قواعد وظروف التغذية الجيدة والأمن الغذائي للجميع، وذلك عبرالنهوض بمستويات التغذية، وتحسين القدرة الإنتاجية الزراعية، وترقية الأوضاع المعيشية لسكان الريف، والإسهام في نمو الاقتصاد الوطني، والتأكد من إمكانية وصول غذاء عالي الجودة للسكان على أسس صحية.
كما انها احدى اهم المرجعيات الدولية التي تدير المناقشات والاتفاقات الدولية حول مشاكل المياه، وبادرت فعلا الى عقد حلقات البحث والدراسات التي تتناول هذه المشاكل ومساعدة الدول التي تعاني من الشحة والجفاف ومن المشاكل مع جيرانها، وكان العراق من بين دول كثيرة يحظى باهتمام ودعم المنظمة وبخاصة في مجال تدريب العراقيين على احدث الاساليب في ادارة شؤون الثروة المائية والزراعة والامن الغذائي.
الى ذلك افادت تصريحات سابقة لمسؤولين في المنظمة ان العراق، وخاصة بعد 2003 عانى من مشكلة الفقر والجوع وعدم وجود امن غذائي لملايين السكان والتي كان سببها الرئيس والاساسي هو تراجع فاعلية الزراعة المحلية واستيراد المواد الغذائية كافة ما ادى الى زيادة اسعارها، وبالتالي اثر على المواطن وأمنه، وفهم من هذه التصريحات بان المنظمة بدات تنفيذ مشروعات للامن الغذائي في عدد من دول المنطقة، من بينها العراق.
واستنادا الى تصريحات سابقة للسفير العراقي في منظمة الفاو والمنظمات الدولية في روما الدكتور حسن الجنابي فانه بسبب الجفاف الذي يضرب المنطقة يواجه العراق خطر العطش فيما كان قبل عقود من بين الدول الاكثر وفرة مائية، بل ان ملف ازمة المياه في المنطقة يتضمن اشارات عديدة الى مشاريع لتزويد دول مجاورة تعاني العطش من فائض المياه العراقية، ويلاحظ انه “ولأول مرة في تاريخ العراق أن سكان بعض المناطق في جنوب العراق يتظاهرون من أجل الحصول على الماء، خاصة الفلاحين”.
من هذه الزاوية فان المصلحة العراقية تتطلب الحضور الفاعل في المنظمة الى جانب وضع المعطيات الواقعية لتحديات الامن الغذائي في العراق على طاولة المنظمة وتحت اهتمامها المباشر، وسيكون وجود ممثل للعراق على راس ادارة المنظمة ضمانة لترجمة المشاريع الداعمة الى اعمال ملموسة، عدا عن انه سيضمن عرض احتياجات الدول التي تشترك مع العراق في مشاكل الغذاء والعطش بصورة افضل.
ان الاعلام العراقي، وبخاصة اعلام الدولة، معني بتبني مرشح العراق الدكتور عبداللطيف رشيد الذي يتمتع برصيد مهني واداري طيب يمكنه ان ينافس مرشحي الدول الاخرى والفوز بمنصب المدير العام للمنظمة، وتفيد القراءات الاولى لسير المتنافسين، ان المرشح العراقي يتفوق على منافسيه في نواحي كثيرة، آخذا بالاعتبار بان التنافس في مثل هذه المنظمات يتخذ سبلا معقدة ويستند الى عناصر واعتبارات وحتى صفقات جانبية لا علاقة لها بالكفاءات والخبرة، الامر الذي يتطلب من الحكومة تشكيل غرفة فاعلة لقيادة وخوض عملية التنافس لضمان فوز الدكتور رشيد.




 

free web counter