| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 16/8/ 2010

 

سجالات.. أم تناطح

عبد المنعم الاعسم 

اذا كان للأزمة السياسية المستعصية من فضيلة (الى جانب خطاياها واخطارها) فيمكن ان نجدها في هذا السطح من الجدل الساخن الذي يتخذ من مصطلح (إختلاف الرأي) عنوانا له، وظهور ملامح (ربما لم تنضج بعد) للصراحة والخبرة فضلا عن المناورة وجس النبض والحيلة ومحاولات الاقناع او الايهام، وكلها من لوازم الاختلاف في التصورات.
ان اختلاف الرأي بين الناس دالة على الصحة والتوازن، وغيابه مؤشر لاعتلال في الصحة ولاختلال في التوازن، ويتبدى بيان ذلك في ما يسميه التراثيون: الرد والبدل، أو ما يسميه الحداثيون بالرأي والرأي الآخر، على أن هذا وذاك يجري بين عقلاء يتبارون بالحجة، ويتنافسون بالبرهان، ولا يخرجون الى الطعون العشوائية بنزاهة بعضهم أو التجريح الكيفي بأعراض مخالفيهم، كما لا يتوسلون بأداة من خارج الحلبة، ولا بواقعة من موضع الخيال، وهذا بالتحديد ما يفرّق العالـِم الرصين عن الجاهل العقيم.
وتشاء حالات التجاوز على المقامات والاسماء، هنا وهناك، ان تعكر نهر الجدل وتجرح حياء اللغة باللجوء الى المهاترات بدل الحجة، وبإهانة قيم التسامح والترخيص بدل احترامهما، لغرض تصفية الحسابات أو للحصول على مقعد في الواجهة.
غير ان قيم العصر والمدنية حذرت من الانجرار الى “مهبط السفاهة” كما أسماه الراغب الاصبهاني في كتابه (محاضرات الادباء) لان مجارات السفه ضارة بأصحاب الحق البائن، مؤذية لذوي الرأي الثاقب، وقد روى لنا الاصبهاني نفسه ان سفيها شتم حليما، والحليم ساكت، فقال للحليم : إياك أعني، فرد الحليم: وعنك أعرض. وقال متجادل جاهل للاحنف الحكيم، متحاملا: إن قلتَ واحدة لتسمعن عشرة، فرد الحكيم: لكنك إن قلتَ عشرة لن تسمع واحدة.
وقد نصحنا أبو حيان التوحيدي بالقول: معاناة الضر والبؤس أولى من مقاساة الجهال. أما المتنبي الكبير فقد قال بهذا الصدد عن التعفف في التعامل مع الجهلاء:

واحلم عن خلي، واعلم أنني.................
متى أجزه حلما عن الجهل يندم

وكان عالم بغداد موهوب الجواليقي، كما يكتب عنه ياقوت “طويل الصمت لا يرد إلا بعد التحقيق” وليس في ذلك عجب، فان السجالات والمناظرات لدى القدماء تتلزم بالتأني في الرد وتدفع الى قياس الحجة والسمو على الابتذال، وتشدد على قوة الوسيلة، وتحض على أهلية المرونة لكي يمتلك السجال متانة (القرون) القادرة على التناطح، فان الجدال عند اولئك القدماء نِطاح، والمجادل الحكيم عندهم غزال، والجاهل نعامة، ويستطرد رواتهم الى سرد حكاية موصولة بالموضوع، تقول، ان النعامة كان لها أذنان مثل اذني الغزال، وارادت ان يكون لها قرنان مثل قرنيه، ورأت الغزال يحكّ رأسه بالصخر، فظنت انها إن قلـّدت الغزال وحكـّت رأسها بالصخر نبت لها قرنان مثل قرنيه، فأخذت تحكّ رأسها بالصخر، فانسدّت اذناها، ولم ينبت لها قرن، وعادت (فوق ذلك) بلا إذنين.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
تعملت منذ زمن ألا أتصارع مع خنزير أبداً، لأنني سأتسخ أولاً، ولأنه سيسعد بذلك"
                                                                                  برنارد شو

 

free web counter