| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الخميس 15/10/ 2009

 

البيت الكردي والانتخابات.. بهدوء

عبد المنعم الاعسم 

يمثل البيت الكردي، بوزنه السكاني والتاريخي وتمثيله السياسي في كتلة التحالف الكردستاني والمعارضة البرلمانية والفئات السياسية المختلفة، ركنا اساسيا في اضلاع العملية السياسية في العراق، وقبل ذلك وبعده، يُعدّ مكونا عضويا ومؤثرا من "تكوين" العراق الحديث واحد ابرز "القوى" المؤثرة في مستقبله، والمقررة لشكل نظامه السياسي قيد التشكيل. البيت الكردي، له اطار (سياج) غير قابل للاختراق لانه يتصل بجوهر وشروط وجود الكرد في كردستان العراق، وبتكوينهم القومي وما صلة له بحق تقرير المصير ومبدأ الاتحاد الطوعي بالكيانات السياسية المشتركة، وهو بهذا المعنى ليس ورقة من الاوراق الانتخابية، كما يبدو لبعض الساسة والمعلقين العراقيين الذين يذهبون مذهب التبسيط والجهل حين يختزلون (او يحاولون) التعامل مع الكرد من فوق ارادتهم الجمعية، وهو الى جانب هذه "الوحدة التاريخية" مسكون بالتنوع والصراعات والخلافات السياسية، شأن أي مجتمع من المجتمعات المعاصرة. ولا يمكن للمحلل الموضوعي الذي يعالج مكانة الكرد واقليم كردستان العراق في المعادلة السياسية العراقية ان يتجاهل "الثوابت القومية" الكردية التي عبرت عن نفسها في بعض نصوص الدستور العراقي وفي التشريعات الفيدرالية فضلا عن السياسات والمناهج التي تلتزم بها جميع اطياف الشعب الكردي في كردستان العراق، وتقتضي الموضوعية، هنا، ان لا يجري نفخ التباينات السياسية والاجتماعية التي تبرز في مجرى بناء تجربة الاقليم، وترحيلها الى خارج سياقها وحدودها بحيث تبدو الحقيقة الوحيدة التي تقرر مصير الكيان الفيدرالي الكردي، وتدخل في تأويلات سرعان ماتصطدم في نقيضها.وإذ يمكن تبرير(من زاوية الجدل) لجوء بعض الفئات السياسية العراقية والكتابات الشوفينية العربية الى اللعب على الخلافات في الساحة الكردستانية وتغذيتها، والتعويل على تخريب البيت الكردي، لصلة الامر بآيديولوجية الاستئصال، ثم بالكسب الانتخابي واستثمار الحساسيات القومية، فانه لا مبرر للباحث، ولا للسياسي الواقعي، ان لا يرى عناصر الوحدة في المكون الكردي، لان مسؤولية البحث وفروض الواقع تلزم الانطلاق من حقائق وحدة الاشياء الى حقائق تناقضاتها. مما هو مصيري يتعلق بالهوية والوجود الى ما هو عارض يتعلق بالخيارات. البيت الكردي، بعد ذلك، يقف الآن (على مشارف انتخابات العام 2010) في مواجهة حقائق جديدة، على الارض وفي الوعي، تختلف تماما عما كانت عليه في الانتخابات السابقة، وتتوزع على مفردات واستحقاقات ثقيلة، فالبيوت الان غير بيوت ما قبل خمس سنوات، واكثر ما يخيف هنا ما نسمعه من اصوات "تشفي" ترتفع من داخل البيوت السياسية حين تشتعل النيران في بعضها بالقول "نارهم تاكل حطبهم".لقد تصدّعَ ويتصدع الان، مثلث سئ الصيت (اكراد. شيعة. سنة) ولم يعد مقبولا،على الاقل من الناحية السياسية، كحقيقة لمكونات الشعب العراقي، وقد يعود ذلك-في المقام الاول- الى ان هذا التوليف السياسي (الامريكي الاصل) استنفذ شحنته التعبوية بعد استخدم في التحضير لتفكيك واطاحة نظام صدام حسين الذي امعن في البطش والتنكيل والتمييز ضد الكرد واتباع الطائفة الشيعية معا واصبح معها كرد العراق وحركتهم التحررية، والشيعة العراقيون وفئاتهم السياسية الطائفية، بمثابة حجر الزاوية في عملية اطاحة الدكتاتورية وتشكيل السلطة الجديدة. وينبغي الاعتراف، هنا، بان النجاح التعبوي الذي حققه مثلث (كرد. شيعة. سنة) والتحالف السياسي الكردي- الشيعي في التعجيل باسقاط النظام قابله– من جانب آخر- اخفاق واسع في تطمين مخاوف الهويات الدينية والقومية الاخرى التي تحتفظ بغرسة تاريخية في المجتمع العراقي لا تُقتلع عدا عن احتجاج قوى المجتمع الجديد، الليبرالية والديمقراطية الناهضة، وقد شهدت سنوات التغيير الست سلسلة من الصراعات والتخبطات والاضطرابات المريرة على خلفية الاصرار على ترجمة فكرة المكون الثلاثي الى "محاصصات" صار الجميع- في ما بعد- يتبرأ منها بمن فيهم الذين انتفعوامنها، ومن المفيد التذكير بالموقف السلبي لاتباع الطائفة السنية من التغيير لاسباب كثيرة ليس اقلها شأنا شعارات الانتقام والاقصاء التي رفعت هنا وهناك ضد هذه الطائفة، الامر الذي استثمرته قوى الارهاب والعنف والتكفير المسلحة الى ابعد الحدود، واغرقت العراق في بركة من الدم وفي دوامة طائفية قد لا يشفى منها لعقود وعقود. وإذ حافظت الحقيقة القومية (الكردية) على زخمها وتمثيلها وهياكلها السياسية والفيدرالية فان الحقيقة الطائفية فقدت الكثير من سمعتها وعناصر تماسكها وشبكاتها الدعائية والتصويتية، وتفتتت الى ولاءات فئوية وشخصية متناحرة، وعكفت مراكزها السياسية على استعجال الامر بالتخلي عن بعض الشعارات والازياء السياسية ذات الابعاد والهوية الطائفية، وليس من دون مغزى ان تتزايد على عرض الشاشة دعوات التنديد بالطائفية والمحاصصة من قبل الاحزاب الدينية (الطائفية) قبل غيرها عشية الحملة الانتخابية لسباق 2010 معبرٌ عن ذلك في انفتاح مكوّن الاكثرية النيابية(الشيعي) على بعض التيارات والشخصيات العلمانية وغير الطائفية وتنافس مراكزه على تبني شعارات الوطنية والدولة الدستورية واللاطائفية واللامحاصصات واللاتمييز بين المواطنين على اساس طائفي او عرقي.البيت الكردي هو الاخر نالته شظايا هذا التصدع الذي ضرب المصاهرة القومية- الطائفية المشوّهة، وقد حمّلته بعض "الاصوات" المسؤولية عن التخبطات السياسية التي رافقت سنوات التغيير، وتكون ما يشبه الحلف غير المقدس للطعن بنيات الكرد وتسويد مواقفهم العراقية، ودخلت بعض المماحكات في دورة الفعل ورد الفعل، في حين بات من الضروري، منذ زمن، مراجعة المنطلقات الاساسية للتعامل مع العملية السياسية وفصولها المهمة ذات الصلة بالانتخابات. اقول، البيوت الآن غير بيوت العام 2005 ولا مفر للبيت الكردي من ان يعيد النظر في حساباته القديمة، فيما الانتخابات تطرق الابواب بعنف. السؤال الآن هو: هل يخوض البيت الكردي انتخابات 2010 موحدا في قائمة واحدة؟. هذا سؤال مهم لكونه يمس كثيرا من القضايا العقدية في التمثيل الكردي للانتخابات المقبلة، وفي ما خارج الانتخابات الى حد كبير، فضلا عن انه يمس - بالنسبة للمحللين - مفهوم الوحدة وعناصرها، وضروراتها ايضا. يمكن القول ان تحالف الحزبين الرئيسيين في الساحة الكردستانية، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، و"صمود" هذا التحالف وعبوره استحقاق انتخابات الاقليم الاخيرة واختبارات وتحديات السنوات الست الماضية يشكل حجر الزاوية في وحدة الموقف الكردستاني الانتخابي، وهو الى ذلك يمثل ضمانة حماية التمثيل الكردي في الخارطة السياسية العراقية في ظروف تتسم بالصراعات والتحديات الاحتمالات، من دون ان يغفل الباحث حقائق الاختلافات والتباينات وزاوايا النظر(الحادة احيانا) بالنسبة لطبيعة وقيادة وسياسات الحزبين. اغلب الظن، هو ان الحزبين اللذين يمتمعان بتاييد غالبية سكان الاقليم، سيديران معركة الانتخابات، وكذلك معركة حماية حقوق و"امتيازات" الكرد في المشهد العراقي بكفاءة معيّنة وتنسيق، وباقل قدر من التجاذبات والتمايزات، وستلعب "غرف القمة" دورا الضابط والضامن للعبور من فوق الفجوات و التوترات وتباين المناهج والرؤى التي تنشا في مجرى الشراكة السياسية هذه والتي (ايضا) برزت وتبرز بين حين وآخر خلال الانخراط في بناء الدولة العراقية الجديدة، فيما لا تخفى خطورة تلك الفجوات، والقوى التي تعمل على تغذيتها، و"الجيوب" السياسية في صفوف الحزبينالتي لم تستوعب اهمية وحدة الموقف بينهما، ولم ترتق الى فروض هذه الوحدة.على ان تجربة الدورة الاولى لمجلس النواب العراقي اوضحت، على نحو ما، متانة مواقف الحزبين من القضايا الاساسية المطروحة على سطح السنوات الاربع، كما انها (وهذا مهم) سجلت نوعا من انسجام المواقف بين اطراف التحالف الكردستاني من تلك القضايا مقابل تشظي وتناحر التحالفات الاخرى، ولاحظ الكثير من المراقبين باهتمام بان ثمة آليات حيوية و"خلايا ازمة" داخل التحالف ساعدت على نزع فتيل خلافات ناشئة بين نوابه وفئاته قبل ان تتسع الى تناحر او افتراق، في اجواء تهئ كل اسباب التناحر والافتراق.هذا ما حصل في الدورة السابقة، لكن، يخطئ من يظن بان وحدة مواقف الحزبين وشركائهما سيكون امر يسيرا من غير مشكلات وتحديات ثقيلة خلال الدورة الجديدة للبرلمان العراقي، وقبل ذلك خلال الانتخابات المقبلة، اذا ما اخذنا بالاعتبار الحقيقة الموضوعية التالية: تزايد تمثيل الصوت الكردي في مجلس النواب العراقي عبر فئات وتمثيلات اخرى الى جانب التحالف الكردستاني. وطبعا، الاعتراف بهذه الحقيقة لا يكفي لوحده، مثلما لا يكفي ان تعرف انك مصاب بعارض صحي لكي تشفى منه. المهم هو كيف يجري التعامل مع هذه الحقيقة؟ او كيف يتم تحويل تعدد تمثيلات الصوت الكردي الى ممارسة ديمقراطية متحضرة تعزز السلام الاهلي في الاقليم، وتضمن ترسيخ وتعميق وترشيد تجربة المشاركة الكردستانية في الدورة البرلمانية الاولى.ذلك هو السؤال المطروح؟ ومنه تتوالد الكثير من الاحتمالات.على انه لا تقتصر مشكلات تمثيل الصوت الكردي في مجلس النواب العراقي المقبل على وجود مراكز سياسية اخرى الى جانب مركز التحالف الكردستاني، الامر الذي اعترفت به القيادات الكردية، ولا على وجود تحديات من طرف المعارضة الجديدة التي برزت بقوة في انتخابات الاقليم، ولا في تفاوت استيعاب ضرورات ترسيخ تجربة الشراكة بين الحزبين.اقول، لا تقتصر المشكلات هنا على هذه العناوين السياسية، فقط، بل تتعداها الى مفردات حساسة لها طبيعة قومية تاريخية، او دينية او طائفية، واعني، ما يتصل بشرائح (اكرر: شرائح) نأت(في فترات متعاقبة من التاريخ ) عن الجسد القومي الكردي في اطاره السياسي الفيدرالي، او "تماهت" عنه الى هويات قومية اخرة، بدواعي او تفسيرات عديدة(لسنا بصدد مناقشتها) واعني حصرا، شرائح من الازيديين والشبك، والى حد ما، الفيليين، بالاضافة الى بعض الفروع العشائرية المحلية والجماعات الدينية التي تعتقد انها تنتمي الى هويات اخرى او ترى ان مصلحتها ترتبط بمصالح طوائف اواديان او قوميات اخرى، مع التفاوت في مبرر كل حالة من الحالات. قبل كل شئ، ينبغي التذكير بان ظاهرة "انسلاخ" شرائح من قوميات وامم وانتمائها الى دائر اخرى امر شائع وليست حالة فريدة برزت وتبرز في المجتمع الكردستاني، وهي معروفة لدى الباحثين في الاصول والهويات على حد سواء، وقد تم الكثير من حالات تغير الانتماءات بفعل صراعات، واعمال قمع واستئصال، وموجات هجرة وتهجير، وانقطاع عن اللغات الام، وضمن عمليات ديموغرافية منهجية، كما حدثت الانسلاخات في مجرى ضعف وتفتت الامم والتجمعات السكانية الكبرى، حتى لم تعد امة من امم العالم المعاصرخارج هذه الصيرورة، وبين ظهرانينا في العراق امثلة حية عن قبائل موزعةعلى هويات قومية مختلفة وقد انتهى الجدل حول الاصل القومي لتلك القبائل كما تراجعت محاولات اعادة الهويات المنسلخة الى اصولها المفترضة.وإذ يتوجب النظر بموضوعية الى هذه الظواهر وتجلياتها، والقبول باحكامها واستحقاقاتها، والاعتراف بخصوصيات بعض الشرائح الدينية والمذهبية عشية الدخول في دورة انتخابية عراقية جديدة، فانه يتوجب ايضا تأشير خطورة لجوء بعض سياسيي تلك الشرائح الى تحويل التسميات والانتماءات والهويات الى معارك تتجاوز فروض السلم الاهلي، والى عناوين يجري حشرها في الاستقطابات الانتخابية. البيت الكردي، باختصار، يقوى اكثر فاكثر حين ينزع فتيل الحساسية القومية في التعامل مع شرائح تشاركه الجغرافيا والماء ولقمة العيش.. والسماء كذلك.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
نجا من آفات الدنيا من كان من العارفين  "
                                         ابو حيان التوحيدي
 

جريدة (الاتحاد) بغداد


 

 

free web counter