| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

الأثنين 13/8/ 2007

 




سعود الناصري..
اي تراب اتسع لجسدك؟

عبدالمنعم الاعسم

أفزعني خبر وفاتِك مرتين، مرة لأنك هُزمت في آخر معاركك النبيلة وكنتَ على مشارف الانتصار لتكسب أياماً أخرى، ومرة أخرى، لأني نمت تلك الليلة متواكلاً على أمل أن أسمع صوتَك في افتتاح الصباح.
أعرف المدن التي رأتك، والكتب التي قرأتك والصداقات التي عبرتك، وفي اللحظات التي كنتَ تلفظ فيها أنفاسَك في دمشق، كنتُ أتهجى خواطرَك في موسكو، المدينة التي أحببت.. سألتُ عادل العبيدي، صديقُ مشوارِك الطويل، أين كان يسكن سعود الناصري في هذه المدينة المترامية الأطراف، فهزّ الرجلُ عصاه، وأشار الى كاتدرائية فاسيلي بلاجيني. قال، من هناك، الى جامعة موسكو، ثم تفارقنا في ظهيرة ذلك اليوم على بهاء اسمك ومكارم أيامك ورفيف روحِك، ولم نكن لنعرف أنك ستخذلُ رهانَنا على باللقاء يوما على كنبة بيتك في "غرين فورد" ولم يخطر ببالنا أنهم، في ذلك الوقت، كانوا يهيلون التراب عليك، وانك كنت تودِعهم بردائك الابيض.
في اربعينك، اكتشفنا ان حزننا طويل، طويل عليك، كشجر الحور، والاكثر من ذلك اكتشفنا ان احزاننا الكثيرة المحتشدة لم تزاحم مكانك في افئدتنا المكلومة، بل صرت رمزا لكل تلك الاحزان وعنوانا لكل تلك الخسائر، واطارا لكل تلك الاوجاع، وفي اربعينك مررنا على تلك الصفحات التي تفيض بخواطرك الشهمة، واستمعنا الى صوتك يغني(ما يرجع دولاب الدنيا.. ليكدام يظل يدور) وعودك يصدح شجيا لميلاد اكيد.
معذرة سعود.. مرة، وأنت تكافح الموت بضراوة، داهمتني فكرةٌ رعناء، أنك ميتٌ، وسرعان ما وطدتَها في خاطري، فقد اخترتُ لك مكانا تحت ظل عريشة في مقبرة "هاي غيت" على مسافة أمتار من قبر كارل ماركس ومنامَ اصدقاء كثيرين، وعلى روضة من الحصى والثيل النائم وأغصان الياس المتناثرة، وبلل من مطر عابر، ثم اكتشفتُ قسوتي، بالضبط حين رصدتك يوماً تكافح زحف الموت بهمة عجيبة كأنك أسيرٌ يفكّ قيودَه بأسنانه، فأيقنت، أو خدعت نفسي، أنك منتصر في هذه المعركة، وعذري ان حياتَك سلسلةً من المعارك اذا ما عرفنا بأن الابداعَ معركةٌ، والحياةَ معركةٌ، والكفاح من أجل العدالة معركةٌ، وقد جمعتَ في مشوارِك القصير الابداعَ والحياةَ والكفاح.
لقد غادرتنا، أيها الصديق، وفي عينيك أسئلتُنا وصبواتُنا الكسيرة، وفي حقيبتِك دفاتر بيضاء هي شكلُ وجدانِك ولونُ دموعِنا، وقد كنتَ وفياً وفارساً وشهماً نحو شراكتنا الجميلة التي وقّعناها معا، وحفظنا، عن ظهر قلب، مواسمَها وخذلاناتِها ونصوصِها، وستبقى انتقالاتُك بين غبطة الكتابة ودندنات العود وخواطر البحث في مآزق الوطن دليلُنا إليك أينما تنام، وقد انتقلتَ، يا للفجيعة، من صداقة السرير الى رفقة التراب، وصعدتَ من مشقة الحياة الى مسرة الذاكرة.. فأي جنازة اتسعت لروحِك، أبا عمار، وأي قبرٍ طوى خافقيه على مقامِك، أيها الصديق.
ــــــــــــــــ
.. وكلام مفيد
ــــــــــــــــــــ
" الطّيفُ يُقْنِعُنَا، وَالذّكرُ يَكفِينَا "
                                    ابن زيدون