| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                               الأحد 13/11/ 2011

 

القيم..
عندما يحرسها الجهلة

عبد المنعم الاعسم 

منذ اسابيع ظهرت الى واجهة الخطاب السياسي السائد، واجراءات المجالس المحلية، وبشكل ملحاح، عبارات قيم المجتمع والاعراف والمصلحة العامة تعقيبا على حريات يمارسها الافراد، او برامج تقدمها اقنية تلفزيونية لا تحظى بالارتياح والرضا من شرائح وتكيات، فيما جرى إغلاق وايقاف بعض المنافذ الاعلامية والثقافية والترفيهية بذريعة خروجها على تلك القيم، وقد تركت تلك الاجراءات مرارات وسخطا في الاوساط المدنية الشابة التي تعاني اصلا من تراجع مضطرد في فرص الترفيه العصرية والرعاية الاجتماعية المختلفة وسطوة سلطات الماضي، عدا عن انها تركت حيرة لدى خبراء القانون وانصار الحريات الذين لاحظوا عسف استخدام مفردة ومفاهيم قيم المجتمع ومحاولات بعض السلطات النافذة فرض مفهوم كيفي لعبارات المصلحة العامة والاعراف بما يملي على المواطنين وقطاع الشباب نمطا صارما من السلوك وممارسة الحياة.

نعم، هناك قيم اجتماعية لكل شعب وامة، وفي كل دولة من الدول المائة والاثنين وتسعين الاعضاء في الامم المتحدة، فيما اكتشفت جماعات حقوق الانسان وخبراء القوانين والمعاهدات الدولية ان ما يزيد على مائة دولة من هذه الدول (اغلبها في جنوب العالم) تضع مفاهيم ”قيم المجتمع” في صياغات تحد من حرية الانسان وحقوقه، وان حريات الملبس والتبشير بالرأي والحرية الفردية، مثلا، كثيرا ما تنتهك باسم المصلحة العامة، كما لاحظوا ان اكثر الدساتير استخداما لعبارة “المصلحة العامة “في المعنى المناهض لحقوق الانسان هي دساتير الانظمة الشمولية والحزب الواحد والتوتيلتارية، وتضم الوثائق الدولية الثابتة سجلا مخزيا للدكتاتوريات الحاكمة والتي حكمت في ممارسة العقوبات الجمعية ضد السكان باسم المصلحة العامة.

ومقابل ذلك، تضع دول متحضرة تطبيقات قيم المجتمع بالكثير من الحذر حتى لا تسيء الى حريات المواطنين او تردع فاعليتهم انطلاقا وتحرص على اشاعة مفهوم اجتماعي عصري يؤكد على ان الفاعلية الاجتماعية السليمة وبناء اجيال مبدعة، وبعكس ذلك فان تكبيل الشبيبة بقيود التخويف باسم المصلحة العامة او الاعراف والقيم الاجتماعية من شانه ان يترك الجيل الاكثر انتاجا وابداعا عرضة للانكفاء والضياع ونهبا للتيارات الارهابية والعنف والخرافة.

وليس بعيدا عن هذا المعنى صاغت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكما منذ تموز من العام 1968 قضت فيه أن على المشرع الجنائي إيجاد توازن دقيق بين حماية المصلحة العامة للمجتمع واحترام حقوق الإنسان، وانه وان كان له تبني قيود على الحريات الفردية، إلا أن ذلك يجب أن يكون في مجتمع ديمقراطي، وان تكون هذه القيود مبنية على حاجة ماسة،ومتناسبة مع الهدف المشروع الذي يسعى إليه .

مما يعني - حسب حكم هذه المحكمة - وجوب تجنب المشرع الإفراط بالتدخل في منظومات السلوك والحرية، إلا لضرورة اخضعت للدراسة العلمية وبوسائل تتناسب مع المصلحة محل الحماية.

واذاعرفنا بان قيم المجتمع تتطور مع العصر، وتتحرر باضطراد من التأويلات الرثة والتطبيقات الجاهلية، فاننا ينبغي ان نحذر من نتائج ايداع قضيتي المصلحة العامة والاعراف بيد عقول لا تزال ترتع في مستنقعات الماضي.. وتترع منها.

“اذا اغلقت جميع الابواب مخافة ارتكاب الخطأ، فان الحقيقة ستبقى خارجا”.
                                                                                                طاغور


جريدة (الاتحاد) بغداد
 

 

 

free web counter