| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                              الثلاثاء 12/3/ 2013

 

الموصل.. لغماً

عبد المنعم الاعسم 

لا يصح النظر الى ما يحدث في الموصل على انه إفراز لصراعات جانبية تخوضها اطراف سياسية تتخذ من الطائفية ملاذا وشعارا وهوية لها. فهذا جزء من المشكلة التي تثيرها المواجهات في هذه المدينة، اما المكونات الاخرى من المشكلة فانها تتوزع على مساحة واسعة من التاريخ والخصوصيات القومية والثقافية والاجتماعية فضلا عن التركيبة القبلية الحساسة للمدينة.

فهي المدينة الوحيدة من بين مدن العراق كانت، في خلال قيام الدولة العراقية المعاصرة في اواخر العقد الاول من القرن الماضي، موضع جدل في حقيقة انتمائها الجغرافي الى النسيج الوطني العراقي، ومنذ ذلك الوقت شقت المدينة سبيلا مميزا في بناء حاضرها الثقافي والعمراني، يستمد قسماته من تجليات التنوع، حيث كانت مهداً للأشوريين ومحجا للبابليين ومركزا للآراميين سكنها الجرامقة القدماء واقترن اسم نينوى بامبراطورية الآشوريين في حين سقطت عام 612 قبل الميلاد على ايدي الكلدانيين والميديين فاتجهت الهجرات صوب تل قليعات بالموصل على الطرف الايمن من دجلة، ثم سيطر الفرس الأخمينيون على المنطقة بعد القضاء على الأمبراطورية الكلدانية عام ( 537 قبل الميلاد) وشجع كورش العرب والفرس علي السكني في هذه المنطقة لما تمثله من أهمية استراتيجية أمام الأغريق وصارت الموصل المعاصرة مدينة ذات شأن بسبب التنوع القومي والديني لسكانها، من عرب وكرد وتركمان وسريان وكلدان وآثوريين وارمن ، سنة وشيعة وايزيدية وشبك ويهود، ويشهد علي هذا الأمر وجود المئات من المآذن الاسلامية وعشرات من الأديرة والكنائس والمزاراتلاتباع الديانات والأقليات.

ان محاولات تكييف احوال المدينة لتكون حاضرة مسجلة في مشروع سياسي لفريق من الفرقاء المتصارعين اصطدمت دائما بجدار من الاستحالة، وانتهت تلك المحاولات، في الغالب، الى حروب محلية كارثية، لكن سرعان ما يعود ميزان القوى الى حالته الاولى، والى حقيقته الصلدة: لايمكن للمدينة ان تدار إلا من خلال تعايش جميع المكونات ووسطية الحكم، وشاءت هذه الحقيقة ان تعيد نفسها هذه الايام وسط محاولات لتحريك معادلات التوازن عن وسطيتها واخذها رهينة في مشروع واحدي الى حافة حرب اهلية جديدة.. كارثية بكل المعاني.

والدرس نفسه يبقى ماثلا: الموصل لن تبقى موصلا من دون هذا التنوع.

على ان السؤال الذي تطرحه احداث الموصل الاخيره هو: من اين انطلقت شرارة الازمة؟ والجواب بسيط جدا: من محاولات فرض نمط معين من الادارة عليها، والامعان في ايذاء مشاعر ومصالح المكونات، وغياب حكمة التوافق على الحد الادنى من المشتركات السياسية بين تلك صناع السياسة، وعدم مراعاة خصوصيات المدينة وحساسية اوضاعها من قبل بغداد والاغلبية الحاكمة.

لكن، وعلى الرغم من ان هذا الجواب عمومي، وقد يتجه بالاتهام الى اكثر من جهة، علينا ان نتتبع محركات الاحداث في هذه المدينة من مرحلة ما قبل سقوط الدكتاتورية، حيث اخضعت الموصل الى مشيئة الحزب الحاكم وصارت احدى اهم مصادر شبكاته الضاربة، وانتج ذلك كتلة من المدنيين والعسكريين، من الاغلبية العربية، وبعض المتحدرين من مكونات اخرى، اندمجت بمصائر النظام ودافعت عنه بشراسة متناهية، والنتيجة ان تعرضت المدينة الى نوع من العقاب والتهميش، كرد فعل، أدى بالمقابل الى رد فعل محلي، انكفائي، وفي خلال سلسلة من الافعال وردود الافعال، انحشرت الموصل في برميل آيل للانفجار في اية لحظة فيما أذكت الجماعات المسلحة، من عصابات القاعدة وفلول النظام السابق، شرارة الكراهيات بالحرب التي اعلنتها ضد الكرد والمسيحيين والشيعة والايزيديين والحياة المدنية عموما، ونظمت مذابح واجلاءات ضد هذه المكونات، وخلقت معادلات امنية وسايكولوجية واجتماعية خطيرة.

لقد تأخرت اعتصامات الموصل عنها في مناطق غرب العراق، ولم تندلع إلا حين برز دور التيار المتطرف في اعتصامات الفلوجة وصلاح الدين وبعض فعاليات الانبار، وقد لاقت شعارات التجييش و"إسقاط الدستور والنظام" صدى واسعا في الموصل الامر الذي تلقفته الجماعات "الجهادية المسلحة" ونزلت بها الى الشوارع، لا لعرض مطالب السكان المشروعة في الخدمات وتأمين فرص العمل للعاطلين وانهاء التمييز والاجراءات الامنية التنكيلية، بل اتجهت الى دعوات الانتقام وطبول الحرب وشعارات النظام الصدامي، قابلتها القوات الحكومية باجراءات تتسم بالتخبط وانعدام التحسب لاستخدام القوة المفرطة، فضلا عن العمليات العسكرية الحدودية الانفعالية التي سجلت نفسها لصالح فريق الحكم في الحرب الاهلية السورية، حيث القى هذا الموقف بظلاله القاتمة على الوضع في الموصل.

/الكثير من المؤشرات تكشف ان الموصل سقطت في اسر التحالف المتطرف "اللاسلمي" الذي يتكون من القاعدة وبعثيي صدام حسين، وهي تخوض معركة معقدة للخروج من هذا الاسر، فلا بغداد تساعدها في احتواء مخاطر اللغم، ولا الحكومة المحلية تنهض بواجب ضبط المعادلة السياسية – الامنية بما يمنع انفجار اللغم.. تلك هي المشكلة.

*******

"
إياك وكثرة الاعتذار، فإن الكذب كثيراً ما يُخالط المعاذير".
                                                            لقمان الحكيم

جريدة(الاتحاد) بغداد

 

free web counter