| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

الأحد 10 /12/ 2006

 

 

هيئة العلماء وقيادة الضاري : كشف حساب قبل فوات الاوان


عبدالمنعم الاعسم

اولا، لا احد يملك حق شطب كيان سياسي، له منهج بائن واتباع معروفون مثل هيئة علماء المسلمين، من المعادلة السياسية العراقية، فقد قُبرت الى الابد ارادة اقصاء الآخر لمجرد الاختلاف معه، وثانيا، من تبسيط الامور القول ان القوانين المرعية من شأنها ان تفصل في شرعية، او عدم شرعية، النشاط الذي تزاوله الهيئة، ذلك لأن تلك القوانين، وابيها الدستور العراقي، تدور في اقنية ومختبرات معقدة، ويتقاذفها الجميع، وتلتزمها الاحزاب المتنفذة بانتقاء كيفي، عدا عن ان الهيئة لا تعترف، اصلا بشرعية الدستور والقوانين والحكومة والبرلمان وكل الوضع الناشئ عن سقوط نظام صدام حسين.
هذا المدخل تمليه ضرورة الاستطراد الى طرح التساؤل المشروع، والذي يبدو غريبا للعراقيين، ما إذا كانت هيئة علماء المسلمين كيانا طائفيا "سنيا عربيا" ام هي تشكيلة وطنية متوازنة؟ وسيكون هذا التساؤل خارج الصدد لو اننا عدنا الى وثائق تأسيس الهيئة التي التزمت‘ على جرعات، بهويتها الطائفية وتبنت، فيما بعد، علنا المشروع الطائفي السني، والحق ان هذه الهوية ابرزت في بدايات انطلاقة الهيئة، بعد انسحاب احد ابرز اركانها الدكتور احمد الكبيسي حين جرى الحديث عن ضرورة تشكيل مرجعية للسنة العرب( عارض ذلك الكبيسي كما سنعرف) لتحقيق توازن تمثيلي للطائفتين الاسلاميتين في العراق، وكان واضحا لمتتبعي نشاط الهيئة في العامين الاخيرين ان قيادة الشيخ حارث الضاري حرصت على تسويق صورة مغايرة، بالشكل، لنهجها الطائفي، وبالاخص للاقنية الخارجية والاقليمية، في ذات الوقت التي كانت تزاول نهجا عراقيا طائفيا مبرمجا، بل ومتطرفا، يقترب (ولا اقول يتطابق) في الفقه والممارسة والسياسة مع مشروع تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية المسلحة.
ويبدو ان قيادة الضاري، إذ فشلت في اقناع الشارع العراقي كون الهيئة متوازنة في التركيبة الطائفية والمنهج (الخلافات مع الحزب الاسلامي. علاقتها بصفقات تحرير المختطفين) فانها نجحت في ترويج "الصورة" المطلوبة خارج العراق، على صعيد حكومات المنطقة والنخب القومية والاسلامية، وقد عبر الكاتب (القومي الاسلامي)الدكتور عبدالاله بلقزيز عن سقطة معرفية حين زعم القول بان الهيئة "توفرنصاباً تمثيلياً للفكرة الوطنية في العراق اليوم، وهي نهضت بهذا الدور منذ سنوات: غِب الاحتلال الامريكي البريطاني لبلاد الرافدين، أي منذ انهارت المرجعية الكيانية الجامعة للعراقيين (الدولة) فامتنع تمثيل سياسي وطني أصيل، وانطلق سيل الولاءات الصغرى الجارف منفلتاً من عقال الاجتماع الوطني الواحد كي يغرق البلد وأهله في قعر لا قرار له من الانشقاقات الدموية" واحسب ان الدكتور بلقزيز، او اي متعلم عابر، لو عاد الى بيانات التأسيس وموقع الهيئة على شبكة الانترنيت لما اقدم على مغامرة تجهيل قرائه بافتراض اتساع هيئة علماء المسلمين لتمثيل الوطنية العراقية، فسيجد هناك طائفة من البيانات والتصريحات التي تكشف الى اي مدى تنخرط الهيئة في الفتنة المدمرة من موقعها الطائفي (السني العربي) اسوة بـبعض "الهيئات" الاخرى من الطائفة الشيعية، بل سيكتشف ان الهيئة وقيادة الشيخ الضاري لم تستطع حتى تمثيل المراجع المذهبية، ناهيك عن السياسية، للسنة العرب انفسهم.
لكن الدكتور بلقزيز الذي بدت اطروحته عن تمثيل هيئة علماء المسلمين للوطنية العراقية غير مقبولة او كتمنيات عائمة يواصل مغامرته المستحيلة، فيقول: "ينظر خصوم هيئة علماء المسلمين إليها بحسبانها إطاراً للتمثيل الطائفي لسنة العراق، ومن هذا الموقع يتعاملون معها، يفعلون ذلك من مبانٍ طائفية مقابلة" وهكذا القى بالحقيقة التي يعرفها الجميع عن طائفية هيئة علماء المسلمين الى محرقة الطائفية، وبين هؤلاء الكثير ممن يعرفون القراءة والكتابة واطلعوا على بيانات الهيئة الطائفية، ولديهم آذان سمعوا بها نداءات التجييش الطائفية من قبل قيادة الهيئة، وعندهم بصيرة رصدوا من خلالها ما يفزع من اعمال القتل والذبح.
بين ايدينا عينات لا حصر لها تدحض الشهادة الزائفة للدكتور عبدالاله بلقزيز حول وطنية ولا طائفية هيئة علماء المسلمين من بينها خلاصة منشورة في الموسوعة الحرة(ويكيبيديا) تقول: "هيئة علماء المسلمين هي هيئة سنية تضم نخبة من علماء الدين السنة وتعتبر اعلى هيئة دينية سنية في العراق" وغير هذه ثمة الكثير من البيانات المكتوبة على لسان اصحاب الهيئة تنفع من يجيد القراءة والكتابة ليعرف بان رداء الوطنية الذي القاه الدكتور بلقزيز على هيئة علماء المسلمين وقيادة الشيخ حارث الضاري كان اوسع من مقاسها، بكثير.
لقد قلنا، ان حق هيئة علماء المسلمين في الحراك والتعبير والمعارضة والولاء غير قابل للتصرف، ولا شرعية للتجاوز عليه، ولا احد يملك وجاهة مصادرته، وقد اخذت الكثير من الفئات المشاركة في العملية السياسية ، بمن فيها الفئات المذهبية الاخرى، بهذا الحق، وإن بنسب متفاوتة، واجرى العديد من الاحزاب “الحاكمة” اتصالات ولقاءات وحوارات مع قادة الهيئة لغرض تخفيف الاحتقان السياسي وترسيم قواسم مشتركة تحول دون خندقة المشهد الطائفي في العراق، وعقد معها التيار الصدري صفقة سياسية كادت تقلب معادلات الوضع لولا استحقاقات المحاصصة والمخاشنة على خطوط الموارد، فيما دخلت السفارة الامريكية في العراق على خط هذه الاتصالات، واجرت العديد من الوشوشة مع ممثلي قيادة الشيخ حارث الضاري، وقد تأكد للمحللين بان هذه الاتصالات والاهتمام المفرط والاستثنائي بالهيئة رفع رصيدها السياسي وثقلها في الوسط السني وحولها من تجمع صغير لعلماء ومشايخ ومؤذني جوامع الى كيان طائفي يدير امبراطورية مالية وسياسية ودعائية ضاربة.
وفي هذا، ثمة حقيقة موازية يمكن التقاطها من وثائق الهيئة “الايديولوجية” ومن تصريحات قادتها تفيد بان قيادة الشيخ الضاري لا تتعامل بالمثل مع الاخر، بل لا تعترف، لا ضمنا ولا صراحة، بحق الحراك والتعبير والمعارضة والولاء للفئات والهيئات السياسية الاخرى(تخونها او تكفرها) وهي لم تعترف-قطعا- بالخطوات التي تحققت في مجال الديمقراطية في العراق، ليس لأن تلك الخطوات"لا شرعية" لانها اتخذت “في ظل الاحتلال الاجنبي” كما تكرر في اكثر من مرة، بل لان قيادة الهيئة، في حقيقة الامر، لا تعترف بمبادئ الديمقراطية كنظام سياسي وانتخاب ومؤسسات وقيم وقواعد للعلاقات بين الحكم والمواطن وبين المكونات الرئيسية للشعب العراقي، وهي لن تعترف بها، كما سنعرف من السطور التالية، حتى مع زوال الاحتلال.
فالديمقراطية "سوّقها الغرب" كما اوردت الهيئة في دراسة على موقعها الالكتروني بعنوان(الشورى والديمقراطية) وان مؤيديها هم "النصارى واليهود والمشركون بالله وغيرهم الذين لا يدينون بالاسلام" وان "من يأخذ بها يكون قد خالف احكام الدين الاسلامي" والديمقراطية عندها طبقا لهذه الدراسة "نظام كفر" واخيرا فان الديمقراطية في صورتها الحالية "اعتمدت على مبدأين لها في الظاهر حلاوة ولكن في داخلها السم وهذان المبدآن هما سيادة الشعب ، والشعب مصدر السلطات". وفي دراسة ثانية بعنوان ( حق المراقبة الشرعية) نتعرف على التاسيسات الايديولوجية للدولة الدينية الثيوقراطية التي تبشر بها هيئة علماء المسلمين العراقيين في المستقبل حيث" يحق للامة مراقبة رئيس الدولة واجهزته المختلفة " ورئيس الدولة - بداهة - لم ينتخب بل أختير بالشورى وربما بـ"الوراثة" والمراقبة هنا ليس من قبل الشعب او الهيئات المنتخبة منه لكن عبر "ابداء النصح الخالص له مباشرة او بالكتابة او الاتصال بالعلماء والرجال الذين يتصلون به ويؤثرون عليه ويلتزمون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" والحكم هنا ثيوقراطي والحاكم خليفة نمطي ربما تتطابق الكثير من قسماته مع الملا عمر رئيس طاليبان، سيئ الصيت، او على وجه الدقة مع مواصفات صدام حسين في نسختها الايمانية المزورة، وهذا ليس استطرادا او تأويلا او تجنيا على قيادة الشيخ الضاري اذا اعدنا الى الذاكرة وقائع الخلافات المبكرة مع الدكتور احمد الكبيسي في غمرة تاسيس الهيئة حيث اصر الاخير(قبل استقالته وعودته الى مهجره في دولة الامارات) على تحميل الرئيس المخلوع مسؤولية ما حل بالعراق من كوارث واحتلال وبين طاقم الشيخ الضاري الذي اعتبر النظام السابق شرعيا وصدام حسين بمثابة رئيس شرعي للدولة، او ربما "خليفة" كان يستمع للنصائح ويعتمد المشورة على دالة الخلفاء الراشدين.
ان فكر هيئة علماء المسلمين، تحت قيادة الشيخ الضاري،لا يبتعد كثيرا، في موقفه من الديمقراطية كنظام سياسي، عن فكر دعاة تنظيم القاعدة وتطبيقاته في افغانستان إلا في تفاصيل هامشية تمليها ضرورات الدعاية ودواعي التسويق الى الاقنية والنوادي الخليجية والعربية، واحسب ان الكثير ممن تاخذهم حمية الكراهية للسياسة الامريكية خارج العراق( مثل الدكتور بلقزيز) يرون في هيئة علماء المسلمين جهة ديمقراطية او وطنية فيما هي في واقع الامر واحدة من منتوجات النزعة الثيوقراطية، افرزتها دوامة التجييش ضد الاحتلال وانحرفت عن ذلك الى التجييش ضد العراق كدولة .

3-
عندما سنتثبت من حقيقة ان هيئة علماء المسلمين وقيادة الشيخ حارث الضاري، حصرا، قد خوضت”حتى الحزام” في خيار العنف والمغالاة فان هذا لا يعني الترويج او التبرير لفكرة ملاحقة الهيئة وقيادتها امنيا او حتى قضائيا، واحسب ان جملة “مقاومة الاحتلال فرض شرعي على المسلم” التي تتردد كثيرا في الخطاب السياسي للهيئة في العامين الاخيرين ويعيد انتاجها طاقم الضاري بطريقة كيفية اخفت بين طياتها خيار العنف بديلا عن العمل السلمي الدعوى المفترض في هيئة اسلامية بل واصبحت تلك الجملة الفضفاضة خلفية لدوامة العنف وحاضنة للمشروع الارهابي الاجرامي الوافد من خارج العراق، وكان الدكتور احمد الكبيسي الذي اسس جمعية علماء المسلمين التي اتحدت مع هيئة علماء الاسلام وشكلا (هيئة علماء المسلمين) قد نبذ، بعد سقوط صدام، خيار حمل السلاح، حتى ضد الامريكان، وحضّ على اعطائهم فرصة لعام واحد (ساعود الى دور الكبيسي في الحلقة لمقبلة).
وحسب الكبيسي والكثير من الاسلاميين المستقلين المتنورين، ودعاة في الحزب الاسلامي العراقي ومحللين موضوعيين فان هيئة علماء المسلمين انحرفت بالدعوة(السنية) الى غلو وتعصب بيّن، وفي بعض الاحيان الى تكفير، في تفاعل وصراع معقد، وافعال وردود افعال مغالية ومتعصبة في الجانب (الشيعي) ولم يردع استطراد الهيئة وقيادتها في هذا الاندفاع الخطير طائفة من المصدات الدينية مثل ما جاء في سورة النساء 171 "يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم" وتأكيد النبي (ص) "لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك" وقول ابن عباس"فانما اهلك من قبلكم الغلو في الدين" ونقل انس بن مالك عن الرسول قوله "لا تشددوا على انفسكم فيشدد عليكم".
ومنذ اطاحة الدكتور الكبيسي وصعود الشيخ الضاري الى القيادة كانت الهيئة قد نأت عن الاعتدال والمشاركة في العملية السياسية حتى من موقع المعارضة وانتهت منذ عام الى موقف يحرم (شرعا) التعامل مع الحكومة ومؤسساتها، وحتى التوظيف في قواتها واجهزتها العسكرية، ولم تتورع الهيئة(في تطابق مع تهديدات ابي مصعب الزرقاوي المعروفة) عن التأليب على الشخصيات السياسية (السنية) المشاركة في الحكم، واتهام الاخوان المسلمين(الحزب الاسلامي العراقي) وفئات سنية اخرى بالخيانة وخدمة الاحتلال (رسالة الهيئة-الشرق الاوسط 10/7/2006) بما يدفع دوامة العنف في المجرى الطائفي الكارثي، ولم يكن مسؤول مكتب حقوق الانسان في الحزب الاسلامي عمر الجبوري متجنيا على قيادة الهيئة حين ابلغ راديو سوا(19/7/2006) بان الشيخ حارث الضاري “يتحمل مسؤولية دماء 50 بالمائة من قتلى السنة في العراق عندما حرم على ابناء الطائفة السنية الانخراط في صفوف القوات الامنية”.
وفيما ظهرت بوادر امكانية تحقيق المصالحة الوطنية في العراق فقد وقفت قيادة الشيخ الضاري في صف فلول النظام السابق وتنظيم القاعدة الارهابي في معارضة هذه المبادرة والتشويش عليها، واجهاضها، بعد ان اشترطت- لدواعي اعلامية معروفة- الاعتراف بالمقاومة العراقية، وحينما وضع هذا المفهوم قيد المناقشة، في اكثر من محفل للمصالحة لترسيم الحدود بين مقاتلة الوجود العسكري الاجنبي، وبين اعمال الابادة الجماعية وقتل المارة من النساء والاطفال والمدنيين وتفجير الاسواق وطوابير العمال وقطع الطرق واختطاف الموظفين والتجار والقصف العشوائي للاحياء السكنية، عادت الهيئة لترفع سقف شروطها الى حدود تعجيزية، فيما تدهور الامن على جميع خطوط التماس الطائفية، وتراجعت الاعمال المسلحة ضد قوات الاحتلال، تؤكدها الارقام المعلنة للضحايا المدنيين بالمقارنة مع ضحايا القوات متعددة الجنسية.
ومن البديهي ان تضرم لغة التطرف التي اصبحت منهجا لهيئة علماء المسلمين تطرفا في الجانب الاخر، بل ان هذه اللغة التي تحزبت لها شرائح سنية محدودة وجدت معادلها الجاهز في الضفة الاخرى في شرائح شيعية محدودة ايضا لتتصاهر الشريحتان المتزمتتان في تصنيع دوامة العنف الطائفي واطلاقه الى مديات مدمرة دفع ثمنه مئات الالوف من المدنيين السنة قتلا وتهجيرا وملاحقة مقابل مشهد يومي من المذابح تشهده الاحياء والمدن ذات الاغلبية الشيعية، ولا تفوت المحلل الموضوعي الاشارة الى ان قوى الارهاب الوافد المتحالفة مع فضلات النظام السابق استثمرت منهج هيئة علماء المسلمين السياسي والاعلامي والايديولوجي لدفع الاستقطاب الطائفي الى هاوية الحرب الاهلية التي تختار اسيادها من غلاة المتنطعين المتطرفين الذين بشرهم النبي بالقول"هلك المتنطعون" نقلها ابن مسعود.

4-
اريد لهيئة علماء المسلمين حين اسست عام 2004 من جمعية علماء المسلمين ان تكون شيئا، واضحت على يد الشيخ حارث الضاري، فيما بعد شيئا اخر مختلف تماما، ولم يكن هذا "التطور" قد حدث، اغلب الظن، على طريقة الانقلابات الحزبية بل تم بالمراضاة داخل التنظيم الجديد، حيث شعر الدكتور الكبيسي ان ثمة ارادة بدات تنمو لدفع العمل الدعوي بعيدا عما يراه الى ما يشبه الحزب السياسي(الطائفي) وقد انتهت فعلا الى هذا الحزب بقدر ما نأت عن كل ما يمت الى الفروض الدينية والشرعية ، إلا بحدود استخدام "الشرع" في خدمة السياسة.
يتحدث الكبيسي في مقابلة له مع (العربية) في 8/9/ 2004 عن فكرة تاسيس الهيئة، فيستبعد ان يكون الهدف طائفي قائلا: " كل انسان مكن ان ياقل انه يريد ان يؤسس جهة سنية مقابل جهة شيعية إلا انا، الكل يعرف في العراق باني انا الوحيد، بل من القلائل، الذين لا يخاطرهم شئ من هذا حتى في العقل الباطن" بل انه –في هذا اللقاء- ينفي النية لجعل الهيئة كمشروع سياسي.. يقول: "أنا لست سياسياً بل لا أريد أن أكون سياسياً وعندما دخلت الى العراق (بعد الاحتلال) ازدادت قناعتي بانه ينبغي ان لا اكون سياسيا، وقد شكلت جمعية علماء المسلمين لكي نجمع شمل العلماء" ويضيف"الحركة ليس حزبا ..الحركة مجموعة من الناس تريد ان تبلغ مهمة، ومهمتنا من اول ساعة ان العراقيين سواسية لا فرق بين شيعي وسني او كردي او مسيحي او يهودي".
وعن موقفه من موضوع الاحتلال قال الدكتور الكبيسي" "لما ذهبت الى هناك رأيت الناس منقسمين قسمين، قسم يريد ان يقاتل، وقسم يقول لا فلننتظر، قلت للجميع بنلاقي حل وسط..تعالوا خلينا نعطي الاحتلال سنة.. الاحتلال وقع وانتهينا" ويفصل القول" رأيي ان الذي حصل حصل.. يعني الاحتلال لما جاء العراقيون كانوا بين نارين، ناره ونار صدام.. وتوقعوا ان العراق سوف يمر بطريق جديد" وفي هذا الوقت بدأ طاقم الضاري يتحدث عن "الخونة" الذين جاءوا مع دبابات الاحتلال ويشيرون باصابعهم الى الكبيسي، الامر الذي اربكه وزاد من نفرته من العمل في اطار الهيئة، في وقت اتهمه الدكتور موفق الربيعي مسؤول الامن الوطني بوصفه الناطق السياسي باسم المقاومة، وذهبت الواشنطن بوست الى القول" هذا الرجل استطاع ان ان يقيم جسورا مع الشيعة ما يشكل خطرا الولايات المتحدة".
وفي عددها الصادر في التاسع من نوفمبر الماضي وجهت جريدة (البصائر) الصادرة عن هيئة علماء المسلمين للدكتور الكبيسي سؤالا عن "محاربة امريكا للاسلام" فاجاب قائلا " لماذا تعودنا ان نضع الاخطاء على شماعة الاخرين.. يا سيدي ان من اخطر ما يهدد الاسلام اليوم هم الذين يرفعون شعاره..".
وكان الدكتور الكبيسي، على الرغم من انتقاداته اللاذعة لادارة الحاكم المدني الامريكي بول برايمر من انصار المشاركة في العملية السياسية، بل وداعية للاعتدال والحذر من الانزلاق نحو الارهاب بذريعة مقاومة الاحتلال، وفي لقائه ذلك مع جريدة الهيئة يقول بالنص “هناك اناس ايضا يَقتلون من الفريقين، من اهل السنة ومن اهل الشيعة، ولا يريدون الاشتراك في العملية السياسية، ولا يقتصرون على قتل الامريكان، وهذا ارهاب نحن في الحقيقة نرفضه”.
ومن هذه الاستطرادات يمكن للمراقب ان يسلط حزمة الضوء على النهج الخطر الذي سلكته هيئة علماء المسلمين وقيادة الشيخ الضاري، بعيدا عن لوازم الاعتدال ولجهة اتهام جميع الاطراف باضرام دوامة العنف بالعراق باستثناء الارهابيين والتكفيريين وقوى الجريمة المنظمة ، وكانت تخفي طي ادانة الاعمال التي تطال المدنيين وتحت “جملة” شرعة مقاومة الاحتلال اكثر النعرات الطائفية وشعارات التجييش والكراهية، فضلا عن التحريض على مقاطعة الدولة، وضمنيا، على تدميرها وشل فاعليتها الادارية والخدمية.
ان هيئة علماء المسلمين تتمتع بنفوذ كبير في صفوف المسلحين والجماعات التكفيرية، بل ان الكثير من التقارير الميدانية تشير الى تبوء الهيئة، في العام الاخير مهمة الذراع السياسي، غير المعلن، للجماعات الارهابية”الاسلامية” واذا ما قللنا من شأن تلك التقارير فاننا لن نجد في وثائق الهيئة طوال هذه الفترة اية اشارة لتسمية قوى الارهاب او لتوصيفها او –في الاقل- لتقديم النصيحة لها بالامتناع عن تفجير المساجد والاسواق والاحياء السكنية، وقد دفع هذا الموقف الاستفزازي قوى الانتقام الطائفي من الطرف الشيعي، ومليشيا جيش المهدي الى ارتكاب اعمال التنكيل بحق المدنيين السنة، ويبدو ان هذا ما كانت تتوقعه قيادة الشيخ الضاري، وربما ما كانت تتمناه.
تجربة الهيئة تفيد، في نهاية الامر، بان مناخ الاحتراب الطائفي الاعمى يخلق زعامات وفرسان لا تغمض عيونها، لسوء حظ الضحايا.
ــــــــــــــــــــــــ
...وكلام مفيد:
ــــــــــــــــــــــــ

عجبت لمن يغسل وجهه عدة مرات في النهار ولا يغسل قلبه مرة واحدة في السنة
                                                                   
  ميخائيل نعيمة