| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الأثنين 10/10/ 2011

 

قطط وفئران.. وسياسة

عبد المنعم الاعسم 

لم نعد نصدق السيناريوهات المطروحة للخروج من الازمة، إذ تبدو الحال شبيهة بلعبة القط والفار: فخاخ وزوغان. واحد يملك القوة والثقل والاخر يملك الحيلة والخفة. الذي يقع في الشرك يجد منفذا ما الى النفاذ، والذي يمسك بالخيوط يفاجأ انها كفّت ان تكون ذي نفع. الجميع يهاجم ويزوغ والجميع يدافع ويهرب.
اللعبة قديمة، منذ ان كان للقطط دور كبير في تناسخ الارواح التي مرت بالشرق القديم، وظهور القط المقدس على حجارة الكهوف البورمية، ثم القط الرومي، والقط الفرعوني، وتخطيطات القطط في معابد التبت، ثم القط السيامي بلونه الرمادي، مرورا بهر المطابخ، واجيال قطط الكارتون، توم وجيري، المعروفة، فيما تنامى اخيرا شأن اللعبة مع دخول كتاب الرواية والقصص على عالم القطط والفئران، فكتب الدانيماركي هانز كرستيان اندرسن عن القطط كرمز للمنقطعين والعوانس، ثم كتب الكثيرون عنها كحيوانات مسلية للاطفال، ودخلت كتب تعليم الصغار مدخل الشعر: قطتي صغيرة. اسمها نميرة.
وتتمثل لعبة القط والفار، باختصار، في فنون الوثوب والهرب، الاختباء والظهور، المطاردة والفخاخ، الجر والعر، واحسب ان هذا ما كان يقصده المراسل الالماني وهو يتابع ما يجري لدينا في الكواليس السياسية واروقة البرلمان، ويقول الجاحظ في (الحيوان) ان القط يراقب الفارة: “ فإذا وثب عليها لعب بها ساعة ثم أكلها، وربما خلى سبيلها، وأظهر التغافل عنها فتمعن (الفارة) في الهرب، فإذا ظنت أنها نجت وثب عليها وثبة فأخذها، فلايزال كذلك كالذي يسخر من صاحبه، وأن يخدعه، وأن يأخذه أقوى ما يكون طمعا في السلامة، وأن يورثه الحسرة والأسف، وأن يلذ بتنغيصه وتعذيبه”.
ومن زاوية يبدو ان لعبة القط والفار تنتسب، منذ الازل، الى العلم العسكري، حين كان (واستمر) الايقاع بـ”العدو” همّا للقادة والساسة، وعرف بالمناورة في ابسط تعريفاته اللوجستية.
في اللعبة العراقية، يشاء البعض (حين يكون فارة) ان يلقي على القط موصوف الشر، ثم يلقي عليه (حين يصبح قطا) اجمل صفات الوداعة، وفي هذه اللعبة يتبادل القط والفارة موقعهما باستمرار، فمن كان قطا في اللعبة يصبح فارا في نفس اللعبة، ومن كان في موقع المتمكن والمترهّي، يوما، يصبح في الموقع الضعيف يوما آخر، ومن يُستضعف اليوم يستاسد غدا، ومن يُحاصَر هنا، يحاصِر هناك، وتختلف المواقع باختلال القضايا المطروحة، وبحسب الانواء السياسية، وعلى وفق الصفقات والتحالفات والاوزان، لكن المهم في كل ذلك ان القط يبقى بامس الحاجة الى الفار، وان الاخير لايستغني عن صاحبه.

تلك هي اللعبة.
 

" كل يوم تأتيني اخبار، ترفع الرأس، او ترفع الضغط"
                                                           محمد الماغوط


 

free web counter