| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد علي الشبيبي

Alshibiby45@hotmail.com

 

 

 

 

الأربعاء 11/7/ 2007

 


 

بدايــات الغربــــة
5

محمد علي الشبيبي
السويد

في أواسط تموز 1973 تفاجأت وأنا خارج من غرفتي بالقسم الداخلي (كوبنسكا) في وارشو لأجد أخي همام طيب الله ثراه وهو يحمل حقيبة سفر كبيرة. كان هذا أول لقاء لي مع أحد أفراد عائلتي منذ مغادرتي العراق في تشرين الثاني 1969. فبعد أربع سنوات من الغربة والابتعاد عن الجو العائلي الدافئ كنت بحاجة ماسة لمثل هذا اللقاء الأخوي. لاحظت على أخي آثار المرض وعناء السفر ولم أرى على وجهه تلك البهجة التي أتسم بها. كان الوحيد بعد والدي من راسلني وواصل مراسلته والسؤال عن صحتي ودراستي وأحتياجاتي، وكان يبثني همومه ومتاعبه بسبب مرض الكلى ، هذا المرض اللعين الذي لازمه منذ نقله أداريا من بغداد الى مدينة بدرة في محافظة الكوت عام 1967 لأسباب سياسية. كان يستغل كل مناسبة وفرصة ليخط لي رسائله، حتى عندما يبعث لي صور طفله البكر عمار يستغل الجهة الخلفية من الصورة ليكتب لي بضعة سطور يبثني فيها شجونه ومعاناته مع المرض ويسألني عن وضعي الدراسي أو أن كنت بحاجة لشيء. كانت رسائله في السنوات الأخيرة تعكس معاناته من المرض وصراعه الذاتي بين الأنتقال والعيش بجانب والديه في كربلاء وبين الأستجابة لرغبة زوجته في العيش بجانب أهلها في البصرة. خوفه من المستقبل بسبب مرضه غير من طباعه كثيراً، بعد أن كان إجتماعياً يحب النكتة والمزاح وذو علاقات وصداقات واسعة، وجدته حزينا كئيبا نادرا مايضحك ويفضل الوحدة والصمت، ويستقبل نكاتي ومزاحي بأبالية وشرود غريبين زادا من قلقي عليه! حاولت قدر مستطاعي أن أجعله يعيش ويتمتع في سفرته هذه، وزرت معه بعض الأماكن السياحية في وارشو وأصطحبته الى مدينة كراكوف.
مدينة كراكوف الواقعة جنوب بولونية، تعتبر العاصمة التأريخية والثقافية لبولونية، حيث تم فيها تشييد جامعة ياكولونسكا (Jagellonska) عام 1364. ودرس في هذه الجامعة في الاعوام 1491-1495 نيكولاس كوبرنيكوس(Nikolas Kopernikos) * أحد أشهر الفلكيين والذي صاغ أهم وأول نظرية تقول بمركزية الشمس وبدوران الأرض حولها . وكان زكمونت الثالث فازا (Zygmunt III Waza) آخر الملوك البولون الذي أتخذ منها عاصمة ، حيث عاش في الفترة 1566-1632 وأصبح ملكا من عام 1587 وهو أحد أحفاد الملك السويدي (Gustav Vasa)، وفي عام 1609 قرر نقل العاصمة الى وارشو بعد محاولات عمه ملك السويد كارل التاسع تجريده من الملكية.
ومن أشهر المعالم السياحية في كراكوف، الفافل (Wawel) وهو قصر كبير عاش فيه ملوكهم قبل أن تنقل العاصمة الى وارشو، ويحتوي الفافل على عدد من القبور لملوك البولون، كقبر كاشيميش (توفى 1433) وقبر زيكمونت الثالث (توفى 1632). وقضينا وقتا طويلا في التجول بين صالات القصر والتمتع بالفن الذي نقش من قبل أشهر الفنانين في لوحات فنية رائعة وغاية في الجمال لملوك وعوائل تلك الحقبة ، وكانت الصالات مزينة بأنواع السجاد الفارسي والتركي وهو يحكي بنقوشه ورسومه الفنية تاريخ تلك الحقبة من انجازات ومعارك وانتصارات.
وزرنا (Kamienica Szara) البيت الذي أتخذه بطل الحرية البولوني تادئوش كوشجوشكي (Tadeusz Kosciuszki ) كمقر لقيادته عام 1794 ليقود أنتفاضته الوطنية. وقضينا وقتا جميلا في التجوال في السوق القديم الشهير سوكنيتسا (Sukiennice) وهو سوق قديم مغلق أنشأ في العصر الوسطى وجدد بناءه في بدايات القرن السادس عشر، ويعتبر أحد المعالم السياحية في مدينة كراكوف. ويضم السوق محلات صغيرة تبيع منتجات وصناعة يدوية فولكلورية يقبل على أقتنائها السواح.
ولم نتخلف عن زيارة أحد أشهر وأقدم مناجم الملح الأوربية في مدينة فيليجكا (Wiliczka)، هذا المنجم الذي بدأ الحفر فيه لأستخراج الملح في نهايات القرن الثاني عشر ويقال قبل ذلك بزمن طويل. ويبلغ عمق المنجم الآن أكثر من 320 متر تحت الارض يتألف من تسعة مستويات (طبقات)، وتخترق المنجم طرقا ودهاليز (أنفاق) توصل بصالات وحجر كانت مصدرا لأستخراج الملح، ويبلغ طول هذه الطرق والممرات والأرصفة والصالات مجتمعة أكثر من 300 كلم. منذ أوائل القرن الخامس عشر سمح لبعض الأغنياء في زيارة المنجم والأطلاع على حجره أو أحواض أستخراج الملح، وتطورت هذه الفكرة عبر السنين حتى أصبح بعد الحرب العالمية الثانية متحفا ومركزا سياحيا معروفا يستقبل سنويا الآف السواح. ينزل السواح الى عمق 150-250 متر تحت الأرض عن طريق السلالم ، ويسيرون خلالها بممرات وأنفاق وطرق أطلق عليها أسماء مهندسين وتقنيين عملوا في المنجم. وتتصل هذه الأنفاق بحجرات كانت مصدرا لأستخراج الملح وبعد نفاذ أمكانية الأستخراج تحوّل هذه الصالات الى متحف بعد تزينها بتماثيل كلسية للعاملين في المنجم ولشخصيات بولونية مشهورة. وأهتم المشرفون على المنجم في تصميم هذه الصالات مستفيدين من نوعية وأختلاف الألوان لبلورات الأملاح التي تتكون منها الأرض الكلسية لتشكيل أثاث وأرضية وثريات الصالة وجميعها منحوتة من نفس الكلس الملحي المكون للحجرة. ولم ينسى البولون الذين تميزوا بتمسكهم بالدين المسيحي في تلك القرون الماضية من تصميم أحدى الصالات كمبنى كنائسي زين بأجمل التماثيل والثريات من الأملاح الكلسية. وخصصوا بعض صالات المنجم كمطاعم ومقاهي وأماكن أستراحة للزائرين ومحلات عرض وبيع الصور التذكارية والتحف الأثرية المصنوعة من بلورات الملح ، حتى أنهم أستغلوا بعض المساحات الكبيرة لجعلها ملاعب رياضية. وفي سنة 1958 قدم البروفيسور ميجيسواف سكوليموفسكيكو (Mieczysława Skulimowskiego) دراسة حول خصوصية الجو (المناخ) في أعماق المنجم وفوائده الصحية لمساعدة المصابين ببعض الأمراض كالربو، والتهابات القصبات والرئة والزكام الناتج عن الحساسية، وفعلا تم أنشاء مصح لأستقبال المرضى ومساعدتهم على الشفاء. وفي أحدى الأحواض ترك البولون الماء المتجمع والمشبع بالاملاح ليشكل بحيرة مشبعة بالأملاح ليشرحوا للسواح كيفية أستخراج الملح بعد ذوبانه في الماء. وفي تسعينات القرن الماضي توقف المنجم عن أستخراج الملح بسبب تسرب المياه اليه، لكنه أستمر بأستقبال السواح للأطلاع على معالم المنجم الفنية.
ولم نتخلف عن زيارة معسكر الأعتقال الفاشي أوشفينجم (Oświęcim)، هذا المعسكر الذي أنشأه الأحتلال الهتلري في عام 1940 لأستقبال المعتقلين البولون وأسرى الحرب، حيث زج فيه مئاة الآلاف من البشر ليقضوا موتا في الأفران أو غرف الغاز أو تحت التجارب الكيمياوية و(الطبية) اللآأنسانية، ولاتوجد أحصائيات دقيقة عن عدد ضحايا معسكر التعذيب في أوشفينجم، ويعتقد ان عدد ضحياه بحدود المليون معظمهم من البولون وأكثرهم من اليهود.
بعد جولتنا هذه عدنا الى مدينتي الأولى وودج لأعرفه على عائلة كواجيجاك، هذه العائلة التي كانت بمثابة عائلتي وأحتضنتني كأحد أبنائها. كنت أخطط لأجراء الفحوصات الطبية لأخي بمساعدة والد زوج أبنة السيد كواجيجاك البروفيسور بروفلفسكي (pro. Wroblewski) الأستاذ في كلية الطب العسكري في وودج. وحدثت البروفسور بروفلفسكي عن معاناة شقيقي همام، وتكرار تكون الحصى في كليته والقلق الرهيب الذي يسببه أرتفاع ضغط الدم المفاجيء! لكن شقيقي وللأسف رفض مراجعة أي طبيب متحججا بمراجعته للأطباء خلال توقفه في صوفيا، وأن الأطباء أخبروه بأن أرتفاع ضغطه حالة نفسية يمكن علاجه من خلال الراحة والاسترخاء والابتعاد عن المشاكل المقلقة والمزعجة. وكان يؤكد لي، وربما لم يريد إقلاقي، بأنه يشعر الان بالراحة ويحس بأن ضغطه جداً طبيعي. وكم أحس بالندم والألم والتأنيب لغاية اليوم لأنني لم أضغط عليه لمراجعة الأطباء وأستسلمت لتبريراته ورغبته.
تفاجأ أخي للظروف الأقتصادية التي كنت أعيشها بعد أن أطلع على مقدار المخصصات التي أستلمها وتكاليف المعيشة وتكيفي للعيش بما يتناسب وأمكانياتي، وأوعدني بأنه سيساعدني ماليا ويرتب ذلك بالتفاهم مع والدي. وقدم لي مبلغين ، الأول 60$ كمساعدة من الاهل والثاني 70$ كنت قد طلبته عام 1970 من الاهل كبدل نقدي لأعفائي من الخدمة العسكرية. لكن الأهل أعتذروا حينها لعدم أمكانيتهم توفير المبلغ (وهو مايعدل 22 دينار عراقي حينها) بسبب الضائقة الاقتصادية التي لازمت العائلة منذ الأربعينات من القرن الماضي، وأوعدوني بأرساله لي متى ماتوفر المبلغ. وهاهم يفوا بعهدهم ويرسلوا المبلغ مع أخي بعد أكثر من ثلاثة سنوات! لكن قانون البدل النقدي لم يعد ساريا ولم أستفد من المبلغ وطلبت من أخي أعادته للأهل فهم أكثر حاجة مني له وأكتفيت بالستين دولاراً فقط!
بعد أن قضينا عدة أيام في وودج عدنا الى وارشو لنقضي بقية الايام هناك حتى سفر أخي. وودعني وهو يوعدني أن يبعث لي في الصيف القادم ثمن بطاقة سفر لي ولصديقتي بربارة كواجيجاك، وأكد لي بأنه سيضغط على مصرفه العائلي ليوفر لي مساعدة مالية متواضعة تعينني في حياتي، وكنت واثقاً أنه سيفي بعهده. وهكذا ودعته ولم أكن أعرف أن هذا لقائي ووداعي ألأخير له! فبعد أقل من شهر من عودته، وأثناء زيارة شقيقتي الكبرى أحلام وزوجها لي في أواخر أيلول من نفس العام، أستلمت رسالة من والدي مقتضبة جداُ خلاف عادته، كانت عبارة عن سطرين، يحثني فيها على الدراسة والأهتمام بصحتي ويخبرني بأن أخي منذ عودته لم يفارقه المرض الذي أنهك جسده! كانت رسالة غريبة تختلف عن الرسائل التي تعودت أستلامها من الوالد، فجميع رسائله كان يحدثني فيها بالتفصيل عن أخبار الأهل والأصدقاء ومطالعاته ونوادر عايشها ونصائح يراه ضرورية لي، وأحيانا يتناول ماتتضمنه رسائلي بالنقد والملاحظات والتوجيه. أحسست يومها بالقلق يعتصر قلبي لأنني لم أصر على أخي لمراجعة الأطباء في بولونية وأقتنعت بتبريراته، ولكن مافائدة الندم بعد أن عاد. لم يدر في خلدي مطلقا أن أخي قد خطفته يد المنون وبهذه السرعة، ورغم أن الرسالة أقلقتني كثيراً لكن لم أفكر مطلقاً بأن يكون أخي قد فارق الحياة بعد عودته بأقل من شهر وأن والدي له من الصبر والقوة ليكتب هذه السطور المقتضبة!
وفي أحد الأيام وأنا خارج من القسم الداخلي وجدت غازي الخفاجي أحد الطلبة النجفيين القدماء وهو يعرف عائلتي في النجف يسأل عني عند العاملات الخفر لحفظ مفاتيح غرف الطلبة في القسم الداخلي (كوبينسكا). تشائمت حينها وأحسست بمصيبة لآبد أنها وقعت للعائلة، فقد سبق أن زارني مرتين للقسم وفي المرتين جاء لتعزيتي، المرة الأولى بوفاة عمي محمد علي طيب الله ثراه والمرة الثانية بمناسبة وفاة عمتي وسيلة طيب الله ثراها. وتحقق حدسي عندما شاهدني وتوجه لي لمؤآساتي بوفاة أخي دون أن يتذكر أسمه! وبقيت في شك أي أخ فقدته؟ بالرغم أنه لآيوجد فرق بين الشقيقين فكلاهما بنفس المعزة، ولكن أخي همام كان أكثر قرباً وألتصاقاً وأهتماما وحنانا بالجميع. كانت مؤاساة غازي لي صدمة لم أكن أحسب لها حساب وأنا على أهبة تقديم أحد أمتحاناتي التي فشلت في إجتيازها في الدور الأول.
توجهت الى بيت الصديق عناد الكبيسي للبحث في الأعداد القديمة لطريق الشعب لأني لم أكن مهتما في قراءة صفحة الوفيات. بحثت في الأعداد القديمة لطريق الشعب في بيت الصديق عناد الكبيسي، كان عليّ التأكد من صحة الخبر لمعرفة أي عزيز فقدت، وصدمت عندما قرأت خبر نعي أخي همام في أحد أعداد طريق الشعب الصادرة في أيلول، فقد فارق الحياة صباح 30 آب 1973 ، بعد أزمة بسبب أرتفاع ضغط الدم. أعدت قراءة الخبر مرات ومرات أحاول أن أكذب ما أقرأ، لقد فقدت أخاً وصديقاً ورفيقا فريداً وعزيزا لآيعوض! كانت دموعي تنهمر ونحيبي يمزق سكون الشقة الفارغة، وخرجت هائماً أتنقل في الطرقات وبين ألمقاهي التي أرتدناها سوية ودموعي تنهمر دون توقف، كنت أتخيله في تلك الأماكن وأستعيد أحاديثه الحلوة التي تفيض حناناً عن عائلته وأبنه البكر عمار ذي الأربع سنوات ، كان وجهه يتراءى لي بنظراته الحزينة وكأنه تعنى هذا السفر الطويل والمرهق والمكلف كي يودع أخاه الأصغر ويضمه الى صدره ويقبله قبلات الوداع! عشت أياما لآ يفارقني فيها خياله، كان وجهه وعيناه تنظران لي بلوم وعتاب لأني لم أضغط عليه لمراجعة الأطباء. وشبحه لم يفارقني لا في صحوتي ولا حتى في منامي وأسمع صوته وقهقهته وكأنه أمامي . فأينما ذهبت في وارشو، في المطاعم أو المقاهي أو المنتزهات في المسارح والسينمات حتى في غرفتي كان شبح أخي يلاحقني. أتخيله أيام زمان أيام طفولتي ومراهقتي وكيف كان وجوده في البيت مثارا للبهجة والحيوية والمزاح مع الجميع دون أن يسبب ذلك غيض أحدنا، أذكر وأتخيل ذلك وأجهش في البكاء بشكل مفاجيء حتى وأن كنت في مقهى!
ووجدت في مراسلاتي لوالدي وسيلة في بثه المي وجزعي من هذه النكبة، ولا أكتم سراً أن أشهد الآن أن والدي كان أقوى مني على تحمل نكبة فقدان أخي، ربما لوجود من يؤاسيه من العائلة والأصدقاء، أو هكذا كان يتظاهر في رسائله ليخفف عني تلك المصيبة وأنا أعيش في غربتي وحيدا. كنت فعلا ضعيفاً ولم أتمكن من تجاوز هذه المصيبة بدون خسارة دراسية، وقررت عدم البقاء في وارشو والأنتقال لمدينة أخرى لأخفف من تأثيرات الأماكن والذكريات التي تركتها زيارة أخي الراحل على إثارة شجوني. كانت رسائل الوالد في تلك الفترة هي الوسيلة الوحيدة لتهدأتي ومؤاساتي وتصبيري، وهذا لا يعني أبدأ أن والدي لم يتأثر لفراق أخي همام، فلقد كانت علاقة الوالد بأخي علاقة الأبن والصديق الحميم، وكان أخي الراحل يحمل الكثير من أعباء العائلة معنويا ويهتم بمشاكلها ويتابع أوضاعها، لقد كان الأبن البار للعائلة. وقصيدة الوالد (أنة الموجوع) التي يرثي بها أخي تعكس بصدق مشاعره وما تركته من أثر في نفسه. وقد شدت القصيدة من عزيمتي وصبري وخففت من عزائي وحزني وجزعي، لما حوته القصيدة من معاني سامية في رفض البكاء والحزن رغم أن المصائب لم تبارح العائلة. ومازلت لغاية اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود ما أن أتحدث عن ذكراه الطيبة، وأراجع تلك الأيام التي كان يعيشها معنا في البيت من مزاح وهزل وجد وروح تضامنية وشعور عال بالمسؤولية أتجاه الجميع حتى أشعر برغبة في أن أجهش باكيا والدموع تنساب من عيني من دون شعور.

أنــة الموجــوع

قصيدة الوالد طيب الله ثراه في رثاء أخي همام
أيلول 1973

شددت على صدري وقد رن هاتف..........فطار فؤادي وهوحيران لائب
وأنـبـأني فـي أن هـمام عـاده..........من الداء ماتخشى لديه العواقب
ولم يمهل المـوت اللـئـيم شبابه..........تـوخاه عجلانا فمن ذا أعـاتب
تـرشـفت أيامي وهـن كوالـح..........عليه وغالبت الردى وهو غالب
ودافعت في صدر الزمـان ونحره..........وأي يد لي والزمان محارب
فـهـل نافـع أني أغص بعبرتي..........وأن دمـوعي دهـرهن سواكب
رحلتَ وخلفت الاسى في مضاجعي..........وغـبت وما عني خـيالك غائب
ومكـنت مني الحزن يأكل مهجتي..........ويـوري بها النيران فهي ثواقب
غـواليك غطت بالسواد جسومهـا..........وأدمـت نواصيها عليك الحبائب
أنـبيك ان الـبيت بعـدك عامـر..........فقد جمع الشمل الاسى والمصائب
يـرن على جدرانه صـوت ثاكل..........يرد علـيه صوت اخرى تجاوب
ويعـول إخـوان علـيك أعـزة..........فيـنشج ذوشجو يجاريه ناحـب
بـُني ابـا عمـار يـومك هـدني..........فلي أنة الموجوع أدماه حـاصب
ولم ينـدمل جـرح لعـمك صارم..........وهـذي سهام البـين في نواشب
فتى وهـب الاوطـان كل حـياته..........تـزكيه افـكار لـه ومواهـب
فتى دب في حضن النضال وشب في..........مـعاركه مافي خـطاه شـوائب
تجـرع مر الموت من أجـل شعبه..........نـماه الى العلـيا جـدود أطايب

ولسـت أقـرَ النوح فـهو مـذلة..........ولكن جراحي في حـياتي غرائب
تحـديـتها بالصـبر فهي نـوازف..........وصبـري بلب القلب كالنار لاهب
فقد كان صلبَ العـود والزهر طبعه..........أباعِـدُنا يهوونه والاقـارب
وفـارقـنا غـض الاهـاب طريه..........فلا جسمه نضو ولا الوجه شاحب
ولاحت على الثغر الجميل ابتسامة..........ومن فوق ذاك الثغر تزهو شوارب
فديـتك مامعنى الفـداء وقـد جثا..........عليك حمام الـموت والموت غاصب
أتحـرم من شـم النسيم وينـتشي..........به من هوام الارض يا ابني عناكب
وتمسي رهين الترب في ميعة الصبا..........وأبـقى حلـيف الـهم حـزين دائب
فيـالي شيـخا بعد سـتين عشتها..........ومـا حصتي الا الضنا والمتاعـب
غرسـت ووفـيت الغراس حقوقه..........فـما بـيدي ان داهمته النوائـب
وان مـدّ غول الـموت كفاً لئيمة..........فـليس يرد الـموت راج وعاتب

 

* نيكولاس كوبرنيكوس (Nikolas Kopernikos) فلكي ولد عام 1437 في مدينة تورون البولونية وكانت حينها تابعة لمقاطعة بروسيا المتمردة عن بولونية. درس في جامعة ياكلونسكا (Jagellonska) كما درس في إيطاليا وتوفى عام 1543. كان وأحدا من أعظم علماء عصره، في علم الرياضيات، القانون، الطب، الأدارة، الديبلوماسية أضافة الى هوايته في علم الفلك حيث أشتهر بصياغته لأهم نظرية في التأريخ فأحدث ثورة في علم الفلك عندما قال بمركزية الشمس وأن الأرض أحد أجرامها ويدور حولها ليتولد من هذا الدوران الفصول الأربعة، أضافة لدوران الأرض حولها محورها فيتولد من ذلك النهار والليل.

السويد/ كربلاء/ العباسية الشرقية

يــتـبـع

¤ بدايات الغربة - 4

¤ بدايات الغربة - 3

¤ بدايات الغربة - 2

¤ بدايات الغربة - 1