| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مؤيد عبدالستار

muayed1@maktoob.com

 

 

 

الأربعاء 30/6/ 2010

 

ماهكذا تؤكل الكهرباء

د. مؤيد عبد الستار

تثير أزمة الكهرباء اسئلة عديدة لعل أصعبها الفساد الاداري والمالي المتفشي في جميع مفاصل الدولة والمجتمع ، حتى ضج الناس من هول السرقات وانتشار الرشوة واشتراك المسؤولين في السرقة وعقد الصفقات المشبوهة وشيوع الضحك على الذقون ، واستغفال الحكومة و الكذب على مجلس النواب خلال استجواب اي مسؤول متهم في نهب المال العام وضعف اداء هيئة النزاهة .

اسوق هذه الكلمة لاذكر اني عملت موظفا في المؤسسة العامة للكهرباء منذ عام 1971 في الادارة الفنية لغاية اضطراري ترك العمل ومغادرة الوطن عام 1979.

كانت اجواء العمل اواخر السبعينات مزكومة بالوشاية والرقابة البوليسية لدرجة ان مكاتب ضباط امن الدائرة كانت الى جانب مكاتب المدراء يحصون انفاس الداخل والخارج عليهم .

وبسبب التنمية الانفجارية التي فجرها نظام بكر – صدام ، ووفرة المال في خزائن الدولة ، اخذت العقود والصفقات التجارية بين الكهرباء والمصانع العالمية تزداد يوما بعد اخر ، ولكن الفساد الاداري وسرقة الاموال ومايسمى بالعمولة – الكومشن – كان متفشيا في الصفقات التي يعقدها المسؤولون مع الشركات .

كانت ازمة الكهرباء تلقي بظلالها على الحياة في بغداد , وكان استمرار قطع التيار الكهربائي عن المواطنين بانتظام خلال ساعات النهار في الصيف يثير الاستياء والتذمر بين المواطنين، فعقدت السلطات الندوات المتخصصة لمعالجة الامر ، وكانت ندوات زيادة الانتاجية من بين تلك الندوات الشهيرة التي كان يحضرها صدام احيانا ويناقش المسؤولين عن المؤسسات شخصيا امام وسائل الاعلام في استعراض فارغ ، فتعرض كبار المسؤولين في الحكومة الى الاهانة والاذلال .

وفي اواخر السبعينات تشكلت لجنة لدراسة العقود الاجنبية والعروض المقدمة من الشركات العالمية، فقرأت اسم المهندس عبد الله الماشطة في تلك اللجنة وعلمت انه تقرر ان تحال العروض المقدمة للكهرباء اليه لدراستها وابداء الرأي فيها، وكنت اراه احيانا في دائرة السيطرة منهمكا في مطالعة وتدقيق اضابير وملفات عروض ضخمة ، وشاهدت بين يديه مرة (كاتلوكات) سيارات يابانية فعلقت قائلا انها سيارات جيدة ملائمة للكهرباء ، ففاجئني بقوله ان المواصفات التي ترسل ليست على الدوام صحيحة ، ولاول مرة عرفت ان الشركات الكبيرة لاتصدق دائما في بياناتها .

ان يصبح أحد المهندسين عضوا في لجنة ليس غريبا ولكني استغربت اختيار المهندس عبد الله الماشطة لمثل هذه اللجنة الهامة فهو معروف بانتمائه السابق للحزب الشيوعي واحد المعتقلين في انقلاب شباط 1963 . اخبرني مرة ان الام ظهره مازالت تؤرقه جراء ما تعرض له من تعذيب، وهو من اسرة الماشطة التي كان عميدها عبد الكريم الماشطة رجل دين يساري معروف في مدينة الحلة .

في حديث مع أحد المسؤولين كشفت عن دهشتي في اختيار المهندس عبد الله الماشطة لهذه اللجنة في الوقت الذي يشدد فيه النظام ملاحقة الشيوعيين واليساريين في الدوائر والمؤسسات والمدن والاحياء .

فاخبرني الرجل وكان صادقا ، انهم اختاروا الماشطة بسبب نزاهته وكفاءته ، لكي يحدوا من التلاعب بالعقود والعروض التي يعقدها المسؤولون الحزبيون البعثيون مع الشركات ، وان النظام يعرف جيدا ان الشيوعيين يتحلون بالامانة وهم لا يسرقون .

تحية للمخلصين من ابناء شعبنا الذين ظلت مفاخرهم واعمالهم سجلا خالدا يقتدى به ، تحية للمهندس عبد الله الماشطة وكل من عمل لشعبه ووطنه باخلاص ونزاهة ، وسيبقى العار يلاحق السراق وناهبي المال العام رغم اختبائهم تحت عباءة الاحزاب والطوائف والملل والنحل .....

 


 

 

free web counter