| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مؤيد عبدالستار

muayed1@maktoob.com

 

 

 

الثلاثاء 27/7/ 2010

 

 تموز ذكرى حافلة بالمسرات والعبر

د. مؤيد عبد الستار

مع اطلالة شهر تموز ترتسم صورة الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم امام جميع من عاشوا بزوغ نجم الزعيم العراقي الفذ الذي لم يستطع حتى اعداءه النيل من نزاهته واخلاصه لابناء شعبه ، وهو الذي اشتهر بزهده واضعا نصب عينيه القضاء على الفقر في بلاد الرافدين التي كانت وما زالت تزخر بالخير والثروات ولكن الجهل والتخلف كبلها فلم تنهض لتقف على قدميها حتى اشرق شعاع الحرية صباح الرابع عشر من تموز عام 1958م. ولكنه سرعان ما غاب لاسباب لامجال للخوض بتفاصيلها في هذه المقالة المقتضبة .
كانت الحياة العامة في العراق اواخر الخمسينات تتسم بالركود الاجتماعي والحراك السياسي ، فالطرقات و وسائل النقل قديمة بائسة والكهرباء نادرة، وكان الراديو وسيلة الاتصال الوحيدة مع العالم الخارجي ، اما الخطوط والرحلات الجوية الى خارج العراق فكانت حكرا على فئة قليلة من المجتمع، وكان الثلاثي المعروف الفقر والجهل والمرض ينخر في المجتمع ولم يكن تعداد سكان العراق رغم خيرات بلاد الرافدين يزيد على ستة ملايين انسان والفيضان كان يهدد سكان بلاد ما بين النهرين كل عام ، لغاية انشاء خزان الثرثار الذي ساهم في تقليص تهديد فيضان دجلة السنوي .
اما الحياة السياسية فكانت متحفزة بسبب الظلم الذي يعاني منه المواطن والذي كان يستند على تحالف السلطة مع رجال الدين والاقطاع ، فنظام الحكم الملكي كان غارقا في التخلف ووارث لعقلية الحكم العثمانية رغم الترقيعات التي ادخلها البريطانيون على الادارة وتشكيل مجلس امة صوري ، بينما المعاهدات مع بريطانيا كانت تكبل العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وكانت الثروة النفطية نهب الشركات لايستفيد منها البلد الا النزر اليسير .
شهدت الساحة السياسية عدة احداث كبرى اذكر منها تظاهرات عام 1956 . انطلقت التظاهرات بسبب العدوان الثلاثي على مصر ، كما اذكر اضراب سجن الكوت الذي جرى اواخر الخمسينات فاضطربت المدينة ، لان السجن يقع وسط المدينة ، قرب السوق الكبير و محلة الاكراد ، حيث كانت الجماهير تتعاطف مع السجناء السياسيين .
وما ان انطلق الراديو صباح الرابع عشر من تموز في قراءة البيان رقم واحد ، حتى سارعت الجماهير للالتفاف حول الثورة ، وهرب العديد من الاقطاعيين تاركين منازلهم ، وظلت الجماهير تجوب الشوارع في مظاهر احتفالية كبيرة .
فتحت ثورة الرابع عشر من تموز افاقا جديدة لم نكن نعرف او نسمع بها سابقا ، مثل محو الامية ، الحرية ، حتى ان النساء اخذن يرددن هذه الكلمة كثيرا، وبعضهن تشجعن ونزعن العباءة ، وصدر قانون الاحوال الشخصية الذي كان حدثا مثيرا للنقاشات والجدل الكبير حول حرية المرأة ، و قانون الاصلاح الزراعي الذي جعل الفلاحين في الريف يهزجون حماسا لهذا القانون الذي منحهم الاراضي الزراعية و حصلوا على سلف مالية ومساعدات متنوعة من ارشاد زراعي وبذور ومكائن زراعية وغير ذلك.
كما حدثت حركة بناء واسعة ، كان الجميع يشيد الدور والبلدية تشق الشوارع وتنصب اعمدة الكهرباء وانابيب المياه الصافي تصل الى عدة احياء جديدة ، وازدهرت المدن بحركة كبيرة اتسمت بالتظاهرات العديدة التي تحيي الثورة ورجالها .
ولكن الانشقاقات والمساعي الرجعية والمؤامرات عملت على اضعاف الثورة وخلق المشاكل الكبيرة في طريقها ووضعت العصي في مسيرتها وعرقلت اهدافها فانتكست يوما بعد اخر ، حتى جرى اغتيالها يوم الثامن من شباط المشؤوم عام 1963 على يد جلاوزة حزب البعث .
اذكر ثورة الرابع عشر من تموز من خلال الايام الاولى التي نهضت فيه الجماهير بعبء حماية الثورة ، فتشكلت فصائل شعبية ، ساهمنا فيها كبارا وصغارا ، كانت هناك مفارز لحماية المنشآت الحكومية القليلة مثل محطة البنزين او الدوائر الرسمية او المستشفيات ، واذكر كنا نجلس مع اهلنا في محطة البنزين الوحيدة في الكوت ليلا لحمايتها وكان الكبار يفتشون السيارات التي تريد تعبئة البنزين خوف تخريب المحطة او احراقها. وفيما بعد تشكلت فرق مقاومة شعبية وكان العديد من الشباب يتدربون مساء على استخدام السلاح من اجل حماية الثورة .
واللافت ان العديد من النساء تحمسن للمشاركة في المظاهرات والنشاطات النسوية ، واذكر العديد من اللواتي شكلن رابطة المرأة ، وساهمن في حملة محو الامية بين النساء ، امل ان تأخذ الاحزاب الوطنية مهمة توثيق وتكريم السيدات اللواتي كانت لهن الريادة في النضال الوطني خلال تلك السنوات واصدار مطبوعات خاصة تروي نضالهن وذكريات معارفهن واقاربهن.وكشف ملفات الاعتقال وما تعرضن له من سجن واضطهاد فيما بعد .
كما اذكر زيارة العقيد عبد السلام عارف الى مركز لواء الكوت وخطابه في الجماهير المحتشدة في ساحة ترابية ، وفيما بعد شاع ان كلمته لم تكن بالمستوى المطلوب وانه ليس زعيما للثورة وانما الزعيم الحقيقي هو عبد الكريم قاسم.
وخلال العام الاول للثورة كانت اغلب اسماء الذكور عبد الكريم تيمنا باسم الزعيم عبد الكريم قاسم.
كانت اكبر هزة تعرضت لها الثورة في عامها الاول التمرد الذي قاده عبد الوهاب الشواف في الموصل ، وشاع قلق كبير على مصير الثورة ، وكشفت تلك المؤامرة حجم التآمر الاقليمي للاطاحة بثورة تموز.
في العام الاول من الثورة انتقلت مع الاسرة الى بغداد بسبب انتقال والدي الى دائرة جديدة لم تكن موجودة سابقا وهي مؤسسة الدراسات الكوردية وتلك كانت من الامتيازات التي وفرتها ثورة تموز للشعب الكوردي اضافة الى لجنة المناهج الدراسية والتربوية الجديدة التي اذكر من اعضائها مع والدي عبد الستار كاظم ، السيد عزيز قادر ، والسيد كمال غمبار.
كما شهدت اكبر اضراب عمالي حدث اوائل الستينات حين اضرب عمال السجائر . كنا نسكن في شارع الوثبة وكان بالقرب منا معمل سجائر تركية ، وبسبب الاضراب قطعت القوات العسكرية الشارع وحدثت صدامات كبيرة مع الجيش والشرطة . ولي قصة قصيرة منشورة عن الموضوع بعنوان سجائر تركية.
هناك الكثير مما يمكن تذكره والكتابة عنه ونتمنى ان تتصدى للكتابة عن ثورة تموز مؤسسات بحث ومعاهد عراقية تعنى بكتابة التاريخ وتهتم بعلم الاجتماع لكي توثق احداث ثورة تموز بالوثائق الرسمية المحفوظة في المؤسسات الرسمية ولدى الاحزاب الوطنية ووضع اسس دراسة علمية للثورة وانجازاتها العظيمة والاستفادة من عبر تلك الحقبة المشرفة في تاريخ العراق الحديث.




 


 

 

free web counter