كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

الأثنين 17/1/ 2011

درس تونسي ..... هروب ابن علي من الجنة الخضراء د. مؤيد عبد الستار تتابعت الاحداث في تونس بشكل متسارع فارغمت جماهير الجياع الغاضبة رئيس البلاد زين العابدين بن علي على الفرار من البلاد على جناح السرعة – قيل انه تنكر بنقاب اسلاموي - ليحتمي من مواطنيه الذين طفح بهم الكيل وعانوا بالاضافة الى فقرهم المدقع مختلف اشكال الاذلال والمهانة على ايدي الشرطة السرية التي كانت تضيق عليهم الخناق وتحصي عليهم انفاسهم لدرجة حدوث انفجار غاضب عصف بالسطلة الجائرة . ان من اكبر تجليات الموقف في تونس حتمية انهيار السلطات الدكتاتورية المستبدة التي تحاول الجلوس على كرسي الحكم الى الابد ، ويجدر ملاحظة الحالة الجديدة التي تمثلت في دخول حرم الرئيس العربي مقصورة الحكم ومشاركة الرئيس سلطاته، بل احيانا يصبح الرئيس العوبة بيد زوجته وعصابتها الطفيلية التي تنسج شبكة محكمة حول الزوجة وتدير حياتها السرية ، فتشارك في النهب والفساد وهو ما لم يتوقعه الشعب من الاسر الحاكمة التي غالبا ما تدعي انها ظل الله في الارض ويصبح البلد ملكا مباحا للحاكم وعقيلته وابنائه سواء أكان ملكا او رئيسا او عسكريا وثب الى السلطة بدبابة واتقن فيما بعد لعبة الانتخابات المزورة التي يحصل فيها على 99% او اكثر . كما يجب ان لاننسى ان من ابلغ تحديات العصر هي الزيادة الهائلة في السكان التي تعاني منها البلدان العربية بسبب عدم تحديد النسل ، وشيوع الامية والجهل بين الناس وحرمانهم من مستلزمات العصر الحديث من علوم ، ثقافة ، تربية صحية ، وضرب طوق من الجهل على الشعوب العربية التي حرمت من الصناعة والتعليم والثقافة ، واقتصر الفضاء الذي تسبح فيه على بضعة كتب صفراء تدور حول قضايا تراثية لا تسمن ولا تغني عن جوع ، تساهم في وضع ستارة سوداء على عيون الناس من اجل استغلالهم وتركهم يعيشون حياة بدائية وسط حرمان كبير من جميع مظاهر الحياة الحديثة على اعتبار ان ما توصلت اليه البشرية من تقدم ما هو الا رجس من عمل الشيطان ، وان هذا التقدم العلمي في الطب وعلوم الهندسة الوراثية والمواصلات والاقمار الصناعية وغيرها كفر وحرام و من نتائج حضارة الغرب الكافر ، بينما نرى هؤلاء الحكام والسلاطين والمتفيقهين في الدين يهرعون الى بلدان الكفر ليحصلوا على التطبيب والعلاج ويستخدمون طائرات الكفار واجهزة الاتصال والفضائيات لقراءة فتاويهم المجرمة وترديد اناشيدهم التي تدعو الى القتل والذبح دون ان يخجلوا من ادعاءاتهم الفارغة . ان ثورة الاتصالات التي جعلت من العالم قرية صغيرة وفرت وسائل لم تكن تخطر على بال ، اذكر في اواسط السبعينات ببغداد كانت لافتات – ممنوع التصوير – منتشرة قرب الاذاعة والتلفزيون والمؤسسات الرسمية وبيوت المسؤولين ، وما ذلك الا خوف كشف مراكز واوكار الحكام الذين كانوا يحاولون التكتم على وسائل الاعلام ومراكز الدولة واوكار العصابات التي كانت تحميهم ، اما اليوم فان توفر الكاميرات في الهواتف النقالة وكاميرات تصوير الفيديو التي انتشرت في الهواتف واجهزة الكومبيوتر الصغيرة جعلت من الصعب السيطرة على وسائل الاعلام ، لذلك باتت هذه الوسائل في خدمة المواطنين الذين يعانون من الظلم والفساد والنهب ، وجعلت صور ضحايا السلطات الجائرة على شاشات التلفزيون يتابعها العالم اجمع مما كشف عنف وهمجية الانظمة البوليسية التي تسربلت بعارها وبانت حقيقتها امام المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان والجمعيات العالمية التي تتابع العنف والقسوة والتجاوز على حقوق المواطنين الذين يريدون التعبير بحرية عن ارائهم وهو ما كفلته العهود الدولية وقوانين الامم المتحدة . وبتطور الانترنيت وزيادة النشاط على الشبكات والفضائيات وتناقل المعلومات وسهولة كشف الحقائق وهو ما حصل حين كشفت كاميرات الجنود فضائح السجون وما قام به موقع ويكيليكس من كشف للمراسلات الدبلوماسية التي فضحت الكثير من الاسرار وجعلتها في متناول الناس اينما كانوا ، بينما كانت سابقا تكشف من خلال الكتب التي تنشر الوثائق والتي تحصل عليها بعد نفاذ مدة قانونية احيانا تزيد على الثلاثين عاما مثلما يحدث في الوثائق البريطانية ، وبعضها يجب ان تمضي عليه مدة اطول بكثير ، بينما اصبح سلاح الانترنيت قادرا على نقل الاف الوثائق بلمح البصر حتى دون معرفة المصدر ، وهو ما جعل الحفاظ على اسرار الحكام والرؤوساء والسلاطين مهمة مستحيلة ، لذلك فان التطور الحديث في الاتصالات سيجعل هؤلاء الحكام يقفون عراة يجللهم العار امام محاكم الشعوب مهما استطاعوا التخفي خلف الابواب الموصدة واستعانوا بالحراس والجلاوزة . كشف سقوط بن علي الذي جرى بشكل دراماتيكي سريع هشاشة السلطة الدكتاتورية التي تزوق وجهها بانواع المساحيق لتغطي حقيقتها البائسة في محاولة لاخفاء فقر شعوبها التي تعيش في بيوت الصفيح تحت خط الفقر ، وقد سمع الجميع تصريح ابن علي انه لن يرشح للانتخابات القادمة ويريد البقاء في كرسي الحكم لغاية عام 2014 فقط ، وهذا التصريح بحد ذاته يعتبر خطوة الى امام في التغيير الذي فرضته ثورة الجياع على رئيس دكتاتور حكم البلاد اكثر من عشرين عاما ، عسى ان يتعظ به بقية الرؤوساء العرب والعجم . ان الثورة التونسية الشعبية التي انفجرت ونجحت في اسقاط بن علي مطالبة باليقظة واكمال مشروع تغيير السلطة الحاكمة وتسلم زمام الامور باسرع وقت كي لا تسمح لعصابات النظام السابق بكسر ارادة الجماهير واعادة عجلات الزمن الى الوراء والعودة برداء براق يضم العناصر الفاسدة التي حكمت تونس ونهبت ثروات شعبه . ستبقى ثورة تونس علامة تهتدي بها شعوب المنطقة في اسقاط الوالغين في دماء شعوبهم وكل من سولت له نفسه الضلوع في ركب الفساد والنهب ولابد لليل ان ينجلي ، كما قال شاعر تونس الخالد ابو القاسم الشابي .