|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  29  / 3 / 2022                          لينا النهر                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

روابط ابناء الرفاق و الحزب الشيوعي العراقي
بمناسبة الذكرى ٨٨

لينا النهر
(موقع الناس)

بيني وبينك عشق افلاطوني غريب. او بالاحرى هو عشق ثوري غريب

احببتك بالفطرة، حتى حين اوجعتني. اخذت مني كل ما املك وكل ما استحق كطفلة. الام، الاب، والاقارب من الجهتين. باتت كل ايامي دموع بسببك. اشتياق لهذا والخوف على ذاك. وقبل كل هذا دمع حرقة القلب على من نذرت وضحت بحياتها من اجلك. اختارتك اولاً وأخيراً.

اختارت الوطن من خلالك.

وبكل ايامنا التعيسة، وكانت الاغلبية من عمري في الطفولة، الى بلوغي ١٨ عام ايام حرجة، مخيفة، وبالحرف يمكن ان تسمى مأساوية. اعدامات، مطاردات، أمن، سجون، تخّفي، سهر ليالي، حذر على نفسي وارواح الناس وبدون نهاية. اطفال او كبار، كان للكل نصيب. حياة بوليسية يومية.

حين كان الاطفال يمرحون بالسفر، كنت انا الوحيدة التي اخفي احداث العطل. عن ماذا احدثهم؟ عن سيارات أمن الطاغية التي اتمكن من رصدها عن بعد قبل ان تدخل الشارع الفرعي لانذار العائلة؟ ام عن دموع جدتي ام حامد التي كانت تزرع شتلات الباذنجان كل صيف وتسميها على اسماء بناتها وابنائها متمنية ان يرجعوا للأكل منها في نهاية الموسم، لتصاب بخيبة امل بعد اخرى؟ هل اخبرهم اننا ممنوعون من السفر وأن كل تحركاتنا مرصودة ؟

وهل سوف تبدأ معاناة ان اخبر باقي الطالبات ان اسمي الحقيقي شيئ والمعروف كأسم عائلتي شي اخر؟ ان امي هي جدتي وان ابي هو جدي وان هذا ليس اخي وانما في الحقيقة خالي؟ ورغم اني اعرف الجواب فأني أتقن ايضاً ذكاء عدم الاجابة وتغيير الكلام دون لفت الانتباه كي لا تكثر الاسئلة عن عائلة اختفت بين يوم وليلة وتركنا نحن لمأساة معالجة المواقف بدلاً عنهم، وايضاً حماية لهم ولانفسنا.

كبرت بين دموع كثيرة ذرفت، ومأساة بعد اخرى، وزيارات مقابر لا نهاية لها فكبرت اكره الموت كرهاً لا مثيل له. وما اذكره الان ليس سوى القليل من لا يذكر، من اليوميات التي تعد كلمات، او قصص يعتقد الكثير انها مشابه لما شهدوها. لربما كان البعض منها كذلك، لكن ما مر ليس بأحداث، انها جروح تعيش معنا كل يوم. لكنها جروح مخدرة، تنطلق في أوقات معينة ومواقف معينة. والان بعد هذه السنين اصبحنا نعرف طريقة نزفها وكيف يمكن اخفائها.

فما سبب هذا الحب المميت؟ تارة احبك وتارة اخرى اكره ما خلفته من مأسي، لي ولمن حولي. ومازلت..

احب فيك ما اختارك فيك ابي واعمامي وخوالي. واحببت فيك ما احبته امي لاهدائك حياتها للحفاظ عليك وعلى رفاقها. لابد انك عزيز وثمين الى حد لا يمكن لاحد ان يفهم ان الحياة تكون ثمناً لك . هكذا افكر انا بأولادي. حياتي ثمن لهم لا يعني لي شي. وبطريقة ما ومع اشكالية كل ما موجود من عقل، اختارت امي هذه التضحية المأساوية كحب لي. حبها لي ولاطفال الرفاق والعراق هو تضحيتها من اجل الوطن. فما اكبر الوطن؟!

اما انا أعطيتني الامل. كل ما سببته من ألم لنا جميعاً ، كنت في نفس الوقت القوة التي جعلتنا لا ننكسر، لا نخذل، لا ننحني لأحد. احببنا الوطن من خلالك ومدنا هذا الحب بقوة غريبة لا مثيل لها. كان لنا هدف اسمى، حرية الشعب. وكان هذا الهدف دواء لجروحنا، فلا حياة دون امل ولا وطن حر دون هدف.

هذه المحبة جعلت الام والاب والرفاق والنضال الانصاري والمناشير السرية، والتنكر والحذر والقتل والقوة والشجاعة والخوف والنجاة كلها تتجمع تحت كلمات قليلة: وطن حر وشعب سعيد.

فالشيوعية اقوى من الموت واعلى من اعواد المشانق.

هذه الكلمات، رغم كل ما حصل كانت مخطوطة على جناحات مروحة الدار في داخل غرفة الاستقبال. لم يعرف عنها احد غيرنا. كان هواء هذا المروحة يدور في البيت وحتى على رؤوس رجال أمن الطاغية. هكذا كنا نعرف اننا اقوى من كل شيءٍ وكل عدو للوطن. هكذا كنا نتنفس هذه الكلمات.


رغم كل ما حصل من تغيير بعد كل هذه السنين، ورغم الهفوات الصغيرة منها والازمات الكبيرة الخاطئة منها، والتي لا يمكن الغفران لها نرى انك متواجد معنا دائماً. فلا يمكن ان ينتزع حب كهذا رغم الألم. ولربما الألم هو ان اعتقادنا بك اكبر بكثير من ما يقدم الان.. اتطلع بوجه رفاق والدي ووالدتي وخالاتي واكره واحب ما كان ولكن قبل كل المشاعر افهم، واحترم، وافرح انني ابنة من اختار الطريق الصحيح. اخترنا الوطن. تغير الكثير لكن الوطن هو الوطن.

بهذه الكلمات البسيطة جداً مقارنه بوصف حياة طويلة، اوصف ما كان ومازال وهذه العلاقة الغريبة الافلاطونية غير الملموسة بالنسبة لي، والثورية منها التي اخترتها انا ايضاً عن قرب وعن بعد. تأريخ الحزب الشيوعي اكبر من اعضاء و هفوات. تحية لما كان، وللهدف، والمجد لتضحيات الشهيدات والشهداء ونضال الرفاق الحقيقي. وللوطن حب ما لا نهاية. مازال الهدف لم يتحقق. فلنعمل لوطن حر وشعب سعيد!

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter