|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  17  / 3 / 2016                          لينا النهر                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

جزء من يوميات امرأة عراقية (*)

لينا النهر - مالمو
(موقع الناس)


استيقظت ام علي مبكراً لتحضير الافطار للعائلة. وإذا بها تسمع : صباح الخير، الچاي عله النار. صوت زوجها المتقاعد بعد خدمة في دوائر الدولة. ابتسمت وردت تحية الصباح لزوجها الذي شاركها حياتها الزوجية الطويله والتي أنتجت بعائلة لها اولاد وبنات لهم عوائلهم الصغيرة ايضا. منهم من يعيش معها في الدار ومنهم من يعيش بالقرب منهم وغيرهم من يسكن دول اخرى للعمل ليقضوا إجازاتهم المريحة مع عوائلهم في البيت الكبير، بيت ام علي.

بدأت ام علي باكمال تحضير الافطار وبانتظار اولادها و الأحفاد لمشاركتها وزوجها الطعام قبل اتجاههم للعمل والمدراس. تستمع ام علي في الوقت نفسه الى الراديو بانتظار النشرة الجوية للتعرف على شدة حرارة هذا النهار لتخطط في نفسها كيف يكون نهارها اليوم.

يأتي أفراد العائلة احدهم بعد الاخر، يحيوها وأبو علي تحية الصباح، يأكلون سريعا ليكملوا طريقهم لبدء هذا اليوم. احد ابنائها يعمل في احد المعامل لصناعة الاَلات الزراعية، له شكوى صغيرة على مؤسسة العمل حيث انه وزملاءه يطالبون بتعديلات صغيرة في ساحة العمل لضمان سلامة العامل. واليوم سوف يعقد اجتماع ما بين نقابة العمال ومدير المؤسسة الحكومية وبحضور العمال للتوصل الى نتيجة مرضية للجميع. يقبل والدته وهي تدعي له بتسهيل يومه.

تطرق الباب وتدخل احدى بنات العائلة وهي متزوجة من احد الاقرباء ويسكنون في نفس الحي. تدخل لتقبيل والديها قبل ذهابها الى المدرسة التي تعمل فيها، معها اطفالها الذين يلقون التحية سريعا راكضين الى مدارسهم. فتبادر ام علي مسرعة قبل خروجهم : تعالوا تعشوا عدنه الليلة. يتم الاتفاق ويبدأ الدار يفرغ. يقوم ابو علي بتنظيف الطاولة متحدثاً الى ام علي التي تتمتع بسمع فيروز على فنجان قهوة. يشاطرها تخطيطه لهذا اليوم الذي يتكون من زيارة المكتبة لشراء الجرائد اليومية وربما كتاب او اثنين للتسلي بهم مع فنجان شاي في المقهى وسط المدينة حيث يلتقي أصدقائه ومعارفه لنقاشات يومية بسيطة واُخرى سياسية كبيرة. سيذهب بعدها الى بيت اخته لزيارة والدتهم الكبيرة السن ملازمة الفراش وتناول الغداء معها.

تستمع ام علي ثم ترد عليه : اراك وقت العصر، اجلب معك هذه الحاجات لعشاء اليوم.

يخرج ابو علي، ثم ترتدي ام علي ملابسها مستعده للخروج. فتقرر ان تزور نادي المرأة القريب عليهم بعد جولة تسوق صغيرة. فهي تحضر الهدايا لأحفادهم الذين يسكنون خارج البلد والذين سيقضون عطلتهم الصيفية سويا مع العائلة كما في كل عام، ليتمتعوا بالحضن الدافىء والمناظرة الخلابة لهذا البلد. سوف يزورون العوائل في شمال العراق حيث يسكن اهل زوجة ولدهم لينهوا الزيارة في جنوب العراق حيث المنتجعات الصيفية والاكل البحري مع أصدقائهم الصابئة الذي كانوا جيراناً لهم في الأوقات العصيبة وقت كانوا مضطرين لترك جنوب العراق.

تبدأ ام علي جولتها وبعد شراء بعض الحاجيات تقرر ان تدخل سوق الخضار لشراء ما تحتاجه لعشاء اليوم، فتدخل الصالة الكبيرة التي تشب منها روائح الخضار الطازج الذي يمثل كل بلدات العراق، برتقال بعقوبة، بذنجان كربلاء، تمر البصرة وغيره الكثير الكثير. فاكهة وخضر تحمل طعم تربة العراق وماء دجله والفرات. فتشتري ما تود شرائه وترى ان الناس يسألون ان كان الحاجات زراعة عراقية كونهم يستطعموها اكثر من غيرها وان كان سعر البضائع المستوردة أرخص بكثير. تكمل التسوق في هذه الصالة بشراء مكسرات شمال العراق اللذيذة، الذي يقومون بنقلها من البساتين هناك مباشرة كل يوم او يومين. .

ترجع ام علي الى الدار لترك الحاجيات لتخرج مرة اخرى لنادي المراة. هذا النادي تزوره يوميا نساء كثيرات. المتعلمة وغير المتعلمة، الشابة والعجوز، عربية وكردية، مسيحية، صابئية او غيره. فيه مكتبة كبيرة ، ومسبح صغير. النادي متنوع الفقرات. فيه من تعليم القرأة الى حلقات دراسية لطالبات الجامعات. وفيه باستمرار نساء حقوقيات يدرسن في حقوق المرأة في المجتمع هن موظفات حكوميات ، تكون هذه الفقرات احدى أركان عملهن الحكومي في المحاكم، حيث ان انصاف المرأة هو احد قواعد المجتمع. وهناك دورات لتعليم المهن اليدوية لمن تود التعلم كمتعة او لتكملة الدورة للتعلم كمهنة.

ام علي تتقن اللغة العربية البسيطة وتود تعلم كلمات إنكليزية سهله للتعامل اليومي للاستفادة منها وقت السفر مع ابو علي بين فترة واُخرى عن طريق شركات السفر وهم يخططون لزيارة لندن لأسبوعين هذا العام مع مجموعة من اصدقائهم المتقاعدين. لهذا شاركت في هذا الدرس في النادي.

في فترة الغداء وبعد تناوله في مطعم النادي مع نساء أخريات ودردشة على فنجان قهوة في امور عوائلهم وامور الدنيا، ذهبت ام علي لإحدى القاعات الزراعية في النادي واشترت باقات زهور، هذه الزهور مزروعة على أيادي نساء دورة التعليم الزراعية، يذهب مكسبها لاشياء اخرى تقرر في اجتماعات مفتوحة لكل العضوات كشئ رمزي وتقوم الدولة بالتكلفة الرئيسية الكاملة. معظم النساء يتواجدن في مثل هذه النوادي في آنحاء البلد. وخصوصا وسط النهار حيث ان المدارس تنتهي بعد منتصف النهار حيث يكون الاطفال متواجدين في مدارسهم للحصول على مساعدة الواجبات المدرسية اليومية من قبل معلمي المدرسة بعد فترة الغداء في نفس المدرسة. وحيث هناك ايضا دورات تعليمية للغات اخرى يمكن الحصول عليها عن طريق المدرسة، وأضافة الى ذلك تؤهل وزارة التربية والتعليم دورات للتعمق في دراسة لغة الام للاقليات في المدارس. لذا يمكن للأمهات اشغال وقتهن كما يرغبن في نوادي النساء.

تتجه ام علي الى مقبرة المدينة لتضع الورود على نصب الشهداء. هذا النصب موجود في كل مقابر المدينة، فيه لوح مكتوب عليه كل اسماء شهداء المدينة، أياً كانوا. لوح في مقبرة تزهو بالخضرة والزهور. تضع ام علي الزهور جنب النصب، تكلم من يمثلهم النصب عن يومها لتنهي حديثها قبل رجوعها لتحضير العشاء ...

ما راح دمكم هدر. لو ما انتوا ما كان وصلنا لهذه الحياة الحلوة اليوم، القهر صار سوالف والله لا يردة. فدوة لعيونكم صار الحلم حقيقة. تقبل النصب، تبتسم للشهداء الأبطال وتكمل يومها المريح.
 


(*)
نبذة من حياة امرأة في عراق المستقبل..

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter