موقع الناس     http://al-nnas.com/

السياسة الدولية والشرعية الانتخابية

 

لطفي حاتم

السبت 11 /3/ 2006

تشهد السياسة الدولية بعد سيادة خيار التطور الرأسمالي تغيرات مثيرة تتمثل بانبعاث موجة جديدة من التوسع الرأسمالي المنفلت تحت راية الديمقراطية وحقوق الإنسان ومراعاة المصالح الإثنية / الطائفية. حيث رافق ذلك الانفلات ممارسات خطيرة اتسمت بعسكرة السياسة الدولية عبر محاربة ( الإرهاب ) الذي جرى تعميمه على كل الحركات المناهضة لوحشية التوسع الرأسمالي وقواه اليمينية المتطرفة المتشحة بشعارات الليبرالية الجديدة الناهضة في العديد من المراكز الرأسمالية.

المتتبع لمسار التجليات الأيدلوجية لحركة رأس المال التوسعية يلاحظ أن ممارساته الدولية مرت بمرحلتين مترابطتين أولهما تلك التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية والتي يمكن تسميتها ـ المرحلة ـ بنهج التدخل المباشر المرتكز على شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية التي شكلت المضامين الأساسية لتوجهات التوسع الرأسمالي بهدف تحقيق جملة من الغايات والأهداف لعل أبرزها: ـ

1: ـ التدخل بهدف تفكيك الدول الفدرالية ذات الاقتصادات المركزية القوية مثل الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا ومنعها من التحول إلى دول رأسمالية قوية قد تشكل أقطابا جديدة على مسرح السياسة الدولية.

2: ـ العمل على تفكيك هيمنة الدول المركزية على اقتصاداتها الوطنية وتحويل تلك الاقتصادات إلى مشاريع مفتوحة للاستثمارات الأجنبية.

3: ـ التدخل لغرض تفكيك احتكار السلطة عبر تداولها السلمي وبناء الأسس المادية لإعادة صياغة الأنظمة السياسية بما يتناسب وخلق الشريك الوطني القادر عن الدفاع عن المصالح الخارجية.

إن ملامح المرحلة الأولى وتطورات السياسية الدولية تكتمل حينما نشير إلى أثارها على الداخل الوطني وخاصة في بلداننا العربية والتي تجلت في العناوين التالية: ـ

1: ــ زيادة فعالية التدخل في الشئون الداخلية من خلال الضغوطات الاقتصادية والتداخلات الدبلوماسية، العسكرية، والإعلامية.

2: ــ محاولة التنسيق مع المعارضة الداخلية في الدول الوطنية الذي استند إلى: ــ

أ: ـ انحياز أغلب القوى الليبرالية واليسارية إلى شعارات الديمقراطية المترابطة والليبرالية الجديدة باعتبارها انعكاساً أيديولوجياً للطور الجديد من العولمة الرأسمالية. بكلام آخر أن المعركة الديمقراطية ضد الأنظمة الاستبدادية واحتكار السلطة أفضت إلى تعويم جوهر الشعارات الديمقراطية الأمر الذي أفضى إلى تزكية الصيغ الفكرية لهيمنة راس المال المتعارض وخيارات المشاريع الوطنية.

ب: ـ إن اصطفاف القوى الوطنية والديمقراطية مع الوافد الخارجي في معاركه (الديمقراطية) أدى إلى نتائج سياسية خطيرة لعل أبرزها مشاركة الخارج في تقرير مآل التعارضات الوطنية من خلال انحيازه إلى قوى اجتماعية متجاوبة وأهدافه الإستراتيجية المتناقضة ومصالح البلاد الوطنية.

ج: ـ شكل اصطفاف القوى الديمقراطية واليسارية مع التوجهات الخارجية المناهضة للاستبداد أحد الأسباب الرئيسية لنهوض حركات الإسلام السياسي وتنامي قاعدته الاجتماعية.

إن النتائج الكارثة التي أفرزتها المرحلة ( الديمقراطية ) ومضامينها الليبرالية المتسمة بعسكرة السياسية الدولية، التدخل في الشئون الداخلية, تحول القوى المنتجة إلى قوى هامشية أشرت إلى فشل المضامين الأيديولوجية لشعارات المرحلة الأولى من التوسع الرأسمالي
( 1 ) الأمر الذي أفضى إلى تبني سياسة دولية جديدة تتقارب ووقائع فرضتها نتائج الشرعية الانتخابية الأمر الذي تبدى في المؤشرات التالية:

1: ـ ارتكاز السياسة الدولية على مبدأ سيادة المصالح القومية للمراكز الرأسمالية وما نتج عن ذلك من محاولة اصطفافها في جبهة عالمية ضد المصالح الوطنية لشعوب الدول الأخرى.

هذا الاتجاه تعززه انعطافة اليمين الأوربي مع توجهات المحافظين الجدد من خلال السياسات التالية: ــ

أ: ــ إعادة قراءة التاريخ الاستعماري لفرنسا باعتباره تاريخاً ( حضارياً ) يتناسب ورسالة الروح الوطنية للشعب الفرنسي.

ب : ــ تعثر سياسة اندماج الوافدين الجدد في أوربا بسبب سياسة التمييز خاصة ضد الوافدين من القارة الآسيوية وجالياتها الإسلامية . وما نتج عن ذلك من بؤر للتوتر الاجتماعي والعرقي.

ج: ــ تقليص الضمانات الاجتماعية للشعوب الأوربية تمشياً مع نهج الليبرالية الجديدة الأمر الذي عزز التوجهات القومية والوطنية في هذه البلدان
( 2 )

2: ــ إن وحدة المراكز الرأسمالية الكبرى فرضته مسارات التطور الاقتصادي الدولي الذي تميز بازدهار القارة الآسيوية من خلال النهوض الاقتصادي للصين، الهند، كوريا، تايوان, والنمور الآسيوية الأخرى وما يشترطه ذلك من سير العالم نحو تكتلات اقتصادية قارية.

2: ـ انحسار التفرد الأمريكي في إدارة الشئون الدولية أملته نتائج الشرعية الانتخابية التي أشرت بدورها إلى نتيجتين أولاهما ضعف المواقع الاجتماعية للقوى الداخلية المتحالفة مع التوجهات السياسية / الاقتصادية للوافد الخارجي. وثانيها محاولة بعض الدول تعديل مسار الإختلالات الحاصله بين المصالح الوطنية والمصالح الاستراتيجية للشركات الاحتكارية. بهذا الاتجاه نحاول رصد بعض التجليات السياسية لنتائج الشرعية الانتخابية من خلال الوقائع التالية:

الواقعة الأولى: ـ استلام الأحزاب اليسارية في أميركا اللاتينية ـ البرازيل، شيلي، فنزويلا، الأرجنتين، الشيلى، بوليفيا ــ للسلطة السياسية الأمر الذي اشترطته طبيعة التشكيلات الاجتماعية لهذه البلدان المرتكزة على نهب الشركات الاحتكارية لثرواتها من جهة وعلى قوة الصراعات الوطنية المناهضة لسياسة النهب من جهة أخرى. لهذا من الضروري التأكيد على أن الشرعية الانتخابية أجبرت القوى اليسارية على تنوع قاعدتها الاجتماعية التي شكلت بدورها الأساس الوطني القادر على مناهضة السياسة الكارثية لليبرالية الجديدة وإعادة بناء توازن المصالح الوطنية / الدولية.

الواقعة الثانية: صعود النزعة القومية واليسارية في دول روسيا وأوربا الشرقية المترابط وقوة البرجوازية الناهضة على أنقاض ملكية الدولة الاشتراكية والمتحالفة مع الجهاز البيروقراطي السابق والراغبة في بناء دولة قومية ذات طموحات تتعدى حدودها الوطنية.
( 3 )

لقد استندت طموحات البرجوازية الجديدة ذات النزعات القومية في دول ( الكتلة الاشتراكية ) إلى تكتل اجتماعي كبير يحيط به حشد هائل من القوى الشعبية المتضررة من الانفلات الرأسمالي وضياع الهيبة الوطنية.

الواقعة الثالثة: ـ بسبب سياسة التداخلات المباشرة في الشئون الداخلية لمنطقة الشرق الأوسط خاصة في العراق، لبنان، وسوريا، ومباركة سياسة الاحتلال والتنكيل الإسرائيليتين أفرزت الشرعية الانتخابية صعود القوى الإسلامية إلى مواقع السلطة السياسية في العديد من البلدان العربية.

إن صعود قوى الإسلام السياسي إلى واجهة السلطة واحتلالها مواقع مؤثرة في السياسة الوطنية يعود إلى أسباب كثيرة منها: ـ

أ: ـ انحسار فعالية القوى الديمقراطية واليسارية بسبب تخريب التشكيلات الاجتماعية الوطنية وتحلل مكوناتها الطبقية الناتجة عن الحروب والاحتلال. ناهيك عن غياب برامجها الوطنية.

ب: ـ غياب القوى الاجتماعية ( الوطنية ) المؤثرة والساندة لمشروع السياسة الأمريكية بسبب اصطفاف قوى المعارضة الليبرالية مع سياسة التدخل والاحتلال .

إن صعود القوى الراديكالية والإسلامية في الكثير من دول الشرق الأوسط يطرح الأسئلة التالية: ما هي اتجاهات السياسية الأمريكية بعد فشلها في صياغة الأنظمة السياسية ؟ . وما هو مضمون الديمقراطية التي تنشدها الولايات المتحدة الأمريكية ؟ وأخيراً وما هي السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية إزاء صعود بعض القوى الراديكالية ؟

الإجابة على الأسئلة المثارة تتحدد من خلال تحديد جوهر الرؤية السياسية للإدارة الأمريكية المرتكزة على الأهداف التالية: ـ

ـــ تحجيم مبدأ السيادة الوطنية وتطويعه بما يتلاءم والمصالح الاستراتيجية للشركات الاحتكارية الأمريكية.

ــ التدخل في صياغة التوجهات الوطنية / الدولية للأنظمة السياسية عبر بناء قوى داخلية حليفة فاعلة وساندة للتوجهات الأمريكية.

ــ المشاركة في الثروات الوطنية عبر بناء قوانين داخلية تؤكد الشراكة الوطنية / الدولية في رسم السياسة الاقتصادية.

إن مضامين الأهداف الأمريكية المتصادمة مع المصالح الوطنية هي التي أنتجت المسارات الجديدة للسياسة الأمريكية في طورها الثاني والتي يمكن تأشير العديد من تجلياتها السياسية المتمثلة بـ: ــ

1: ــ الترويج لعدم شرعية الانتخابات الحاملة لقوى اجتماعية وحركات وطنية مناهضة لسياسة الغطرسة الأمريكية

2: ــ إشاعة مفهوم التصدي لديكتاتورية الأغلبية, (ومعاداة) الطائفية.

3: ــ ممارسة الضغوطات الدبلوماسية ، الاقتصادية ،على القوى الوطنية التي أفرزتها الشرعية الانتخابية المناهضة لسياسية الهيمنة الأمريكية .

استناداً إلى الرؤية المشار اليها يمكن صياغة بعض الاستنتاجات الضرورية: ـ

أولاً: ـ تمر السياسة الدولية في مرحلة جديدة تتسم بتنامي الاتجاهات اليمينية في توجهات المراكز الرأسمالية بهدف الحد من تحول العالم نحو التعددية وتعزيز الشرعية الدولية .

ثانياً: ـ اصطفاف بعض دول العالم رغم اختلافها في الرؤى والتوجهات إزاء روح الهيمنة والتفرد في تقرير الشئون الدولية.

ثالثاً: ـ سعي بعض المنظمات خاصة الإسلامية منها إلى بناء تحالفات شعبية وطنية ذات امتدادات إقليمية / دولية بهدف التصدي لروح التدخل الأمريكية.


1: ـ نشر فوكوياما مؤلف ( نهاية التاريخ ) مقالتين هامتين أحداهما في الشرق الأوسط بعنوان وهمان أمريكيان: صياغة العالم بالقوة والإنفراد بقيادته بتاريخ 27 شباط الماضي وثانيتهما ما بعد المحافظية الجديدة التي جرت ترجمتها في السفير البيروتية بتاريخ 24 شباط والذي أكد فيه على عقم استيراد الديمقراطية ونشرها بالقوة

2: ـ أشر التصويت على رفض الدستور الأوربي في فرنسا إلى تنامي النزعات الوطنية واليمينية وعبر عن خشية المواطن الأوربي من ضياع مكتسباته الاجتماعية.

3: ــ قدمت مجلة فيناس الروسية لائحة ضمت أسماء 720 بليونيراً روسياً أعضاء نادي الأثرياء وتصدر اللائحة 39 من أصل خمسين بليونير جمعوا ثرواتهم في قطاع النفط والثروات المعدنية انظر الحياة اللندنية 28 شباط