موقع الناس     http://al-nnas.com/

قراءة فكرية في مشاريع مستقبلية

 

لطفي حاتم

الأحد 10 /9/ 2006

قراءة أولية لمشروع الوثيقة البرنامجية المعدة للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي تنقلنا إلى رحاب الفكر والسياسية وتجبرنا على ملامسة حزمة من الرؤى والأفكار التي كانت ولازالت عند كثرة من التيارات الفكرية أفكاراً مقدسة يصعب مناقشتها أو المساس بها. وفي هذا الإطار نقول أن الحزب الشيوعي العراقي بوثائقه الجديدة قد تجاوز (المقدسات) النظرية وأحدث تغييراً جذرياً في بنيته الفكرية / التنظيمية الأمر الذي يبيح له فرص التفاعل مع المشكلات الحقيقية التي تواجه الدولة العراقية والتفاعل مع مصاعب التشكيلة العراقية بما يخدم التوجهات المستقبلية لقوى اليسار الديمقراطي.

لغرض إسناد الرؤية المشار وإكسابها مشروعية فكرية دعونا نطرح السؤال التالي: ما هي المضامين الفكرية لمشاريع الوثائق البرنامجية ؟ وما هي طبيعة التغيرات التي طرأت على البنية الفكرية لحزب الشيوعيين العراقيين ؟ .

الاحاطة بمحتوى ذلك السؤال تبدأ من موضوعة مفادها إن الحزب الشيوعي العراقي ورغم بنيته الفكرية المتخمة بالأهداف الإستراتيجية وانبهارها بالموديلات الاشتراكية ، إلا مسيرته الكفاحية كانت ولازالت ذات هموم وطنية/ ديمقراطية عامة، وبهذا السياق نشير إلى إن هموم الحزب الوطنية / الديمقراطية جرى تركيزها في الوثيقة البرنامجية على قاعدة فكرية / واقعية تستمد حيويتها من تغيرات اللحظة التاريخية. إذن دعونا نفسر ذلك على ضوء المرتكزات النظرية في مشاريع الوثائق الجديدة.

أولاً: المنطلقات الفكرية: ــ

اعتمدت مشاريع الوثائق رؤى جديدة شكلت قطعاً تاريخياً مع البنية الأيديولوجية للمرحلة السابقة في قضايا أساسية منها: ـ

ـــ ( بناء نظام ديمقراطي يقوم على التعددية السياسية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة )

إن النص المشار إليه يؤكد القطيعة التامة مع مفاهيم نظرية سابقة تمثلت بأعتماد السلطة السياسية كرافعة لبناء الدولة الاشتراكية من خلال قيادة الحزب الواحد استناداً إلى تقدير أن السلطة السياسية أداة طبقية بيد الطبقة العاملة.

ــــ استبدال أساليب الانتفاضة المسلحة واستخدام العنف الثوري بهدف الوصول إلى السلطة بطريق آخر يتمثل بنبذ (العنف واستبعاده من الحياة السياسية ) و( حلّ المشكلات الاجتماعية عبر أشكال النضال السلمية والديموقراطية) التي تستمد شرعيتها من كفالة ( الدستور وقوة القانون ).

ـــ اعتماد مفهوم المواطنة ومبدأ المساواة واحترام حقوق الإنسان، الأمر الذي أفضى إلى استبعاد الجانب الطبقي الذي ميز البنية الفكرية السابقة والأخذ بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان بأعتباره مواطناً متساوي الحقوق والواجبات بغض النظر عن مواقعه الطبقية برجوازي / عامل.

إن الأخذ بحقوق الإنسان بشكلها التجريدي لا يعني غياب الهوية الطبقية للحزب والتي جرى تحديدها من خلال إن الحزب هو (حزب الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين وسائر بنات وأبناء شعبنا من شغيلة اليد والفكر) بل أضاف رؤية جديدة لموقع الإنسان المواطن في نشاط الحزب الشامل.

ــ التركيز على تلاحم الوحدة الجدلية بين الوطنية والديمقراطية الأمرالذي يشير إلى قضيتين رئيسيتين: أولاهما إن الديمقراطية بنية ثقافية لا يمكن التغني بها بعيداً عن الممارسة الفعلية. وثانيتهما إن تلك البنية تترابط ومصالح الناس السياسية منها والاقتصادية والفكرية، وبهذا المنحى تنتقل الوثائق إلى إحداث قطيعة مع فكر الماضي المتمثل بسيادة اللون الاشتراكي الواحد، والانتقال إلى التعددية الفكرية / والثقافية.

ـــ على الرغم من تأكيد مشروع النظام الداخلي على إقامة (الروابط الكفاحية والتضامنية مع الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والعمالية.... ... ....... في العالم ) إلا أن وثيقة المشروع ألبرنامجي أعطت زخماً أمميا واسعاً تمثل بأعتبار الحزب الشيوعي العراقي ( جزءً من الحركة العالمية المناهضة للعولمة الرأسمالية ) وعدم اقتصار ذلك على الحركة الشيوعية وحدها.

ـــ إن التغيرات التي حملتها الوثائق الجديدة استندت على فرضية فكرية مضمونها يتحدد في أن الاشتراكية باتت هدفاً استراتيجياً عالمياً مرتبط بطبيعة التكتلات الاقتصادية الدولية وعملية تطورية تاريخية وذات خصوصية دولية / وطنية حيث إن( طريق بلادنا الخاص إلى الاشتراكية سيكون محصلة عمل تراكمي ومتدرج..... وعبر عدد من المراحل الانتقالية التي يمكن أن تستمر طويلاً).

ــ الانتقال من الأهداف الاستراتيجية الغامضة الملامح إلى الأهداف الواقعية يتطلب معالجة الوقائع التاريخية الملموسة المتمثلة بسيادة الرأسمالية كتشكيلة عالمية وتعبيراتها الأيديولوجية المتمثلة بالليبرالية الجديدة بروح واقعية وما يشترطه ذلك من الإقرار بالتطور الرأسمالي كطريق تاريخي راهن لتطور بلادنا، وهذا ما أشارت له الوثيقة ضمناً من خلال التأكيد على أن الكفاح الراهن ينصب على (تجنيب شعبنا مصائب رأسمالية وحشية).

ـــ متطلبات التصدي للنزعات المتوحشة للرأسمالية الليبرالية وبرغم من كونها مهمة وطنية بالنسبة لتطور بلادنا إلا أنها تشترط ( المساهمة في نضالات القوى اليسارية والتقدمية والديمقراطية في سياق حركة أممية، ديمقراطية النهج والأطر والأساليب ).

إن الملاحظات الفكرية المشار إليها والتي تشكل مدخلاً ضرورياً لتحديد البناء النظري للوثيقة البرنامجية لا تمنع من إبداء بعض الملاحظات الضرورية على بعض المفاصل والتي أراها في الملاحظات التالية: ــ

ـــ الملاحظة الأولى تتمحور حول الوحدة الفكرية للشيوعيين العراقيين الواردة في النظام الداخلي والتي أراها لا تتناسب والبناء الديمقراطي للحزب الذي يشترط تعدد المعالجات الفكرية للقضية الواحدة انطلاقاً من المنهجية الماركسية. الأمر الذي يعني ازدهار الثقافة وتعدد الأفكار وما ينتج عن ذلك من ازدهار فكر اليسار الديمقراطي.

إن الوحدة الفكرية المفترضة يجري الاستعاضة عنها بوحدة الخط السياسي المستند إلى الوثيقة البرنامجية المستمدة من الوقائع التاريخية الملموسة التي تكتسب شرعيتها من المؤتمرات والكونفرنسات الحزبية.

ــ الملاحظة الثانية تتعلق بطبيعة مشروع البرنامج والذي أراه معداً لواقع عراقي معافى ومنظومة سياسية في دولة ديمقراطية.، الأمر الذي نلمسه في أن العديد من أجزاءه تقفز على الوقائع التاريخية المعاشة، لذلك ولإزالة هذه الأردية الفكرية المثالية اقترح الصيغة التالية: ــ

أ: ــ تقسيم الوثيقة البرنامجية إلى قسمين:أحدهما يغطي المهام الأنيه ومتطلبات معافاتها بدأ من الكفاح الديمقراطي لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية وما يتطلبه ذلك من معالجات إعادة بناء الأجهزة السيادية للدولة، وسيادة الأمن، وإجراءات اقتصادية / سياسية أخرى تمهد للوحدة الوطنية.

ب: ــ قسم أخر ذو صبغة مستقبلية يسعى الحزب من خلاله إلى بناء تحالف اجتماعي ديمقراطي بهدف الوصول إلى السلطة السياسية وما يتطلبه ذلك من طرح البرامج الانتخابية التي تتشكل فيها رؤية الحزب المستقبلية.

بكلمة موجزه أرى إن مشروع الوثيقة البرنامجية مثقل بالمهام المستقبلية التي تحددها الرغبات المثالية المبتعدة عن واقع يشير إلى أن مستقبل العراق السياسي / الاقتصادي تتحكم في صياغته النزاعات الدولية / الإقليمية والتناقضات الوطنية.

ــ الملاحظة الثالثة تتعلق بالموقف من الدولة ويمكن تناولها من ثلاث زوايا: ــ

1: ــ شكل بناء الدولة: ـ

يدعو مشروع الوثيقة البرنامجية إلى اعتماد الفدرالية ليس القومية منها وحسب بل و ( في مناطق العراق الأخرى وفقاً لأحكام الدستور) وعلى الرغم من إن هذا النص الدستوري أثار الكثير من الجدل الصاخب إلى أن العودة إليه ضرورية لأسباب رئيسية منها: ــ

ـــ إن اعتماد فدرالية المحافظات يكرس النزعة الطائفية ويغذي الروح الانفصالية وذلك يعود إلى أن العراق تتقاذفه أمواج الصراعات الطائفية الناتجة عن التداخلات الدولية / الاقليمية.

ــ اعتماد فدرالية المحافظات يفضي إلى تفكيك المشروع الوطني الديمقراطي الذي يدعو له اليسار الديمقراطي وذلك من خلال حصر الكفاح الوطني في كانتونات طائفية / عرقية. وما يعنيه من تغليب الروح الفئوية على الروح الوطنية.

إن الأسباب الأنفة الذكر تشترط أيضاً معالجة جدية لوحدة الحزب البرنامجية مع الحزب الشيوعي الكردستاني الذي لا تختلف أهدافه الآنية والمستقبلية عن برنامج الحزب الشيوعي العراقي. بكلمة موجزة إن الإقرار بالشكل الفدرالي للدولة لا ينسحب على البنية التنظيمية للحزب. الأمر الذي يتطلب معالجة جدية لوحدة اليسار الديمقراطي وتعزيز الهوية الوطنية / الأممية للحزب الشيوعي.

2: ــ موقع الدولة في التحولات الاجتماعية:

تحتل الدولة ودورها في الحياة الاقتصادية / الاجتماعية موقعاً أساسياً في مشروع الوثيقة البرنامجية، وذلك انطلاقاٌ من كونها ـ الدولة ـ كانت ولازالت أداة أساسية ورافعة رئيسية للتحولات الاجتماعية وفي هذا المنحى تشير الوثيقة البرنامجية إلى اعتماد ثلاث أشكال من الملكية يتصدرها:

أ:ـــ ملكية الدولة المتمثلة ب(القطاع العام، بأعتباره قاعدة رئيسية للاقتصاد الوطني ) والمتكون من القطاع النفطي الذي يعتبر( قطاعا استراتيجيا ).
ــ المشاريع ( الصناعية... ذات الأهمية الإستراتيجية كالصناعات الكيماوية والبتروكمياوية، والإنشائية ).
ــ ( المنشآت الصناعية والمعامل العائدة للدولة).
ب: ـــ الملكية التعاونية
ج: ــ الملكية الخاصة

إن تحديد وظائف الدولة الاقتصادية / الخدمية وما تشترطه من أشكال للملكية ينطلق من روح أيديولوجية تجد تعبيراتها في المرحلة الانتقالية للثورة الاشتراكية، وبهذا تغفل الوثيقة البرنامجية التطورات الجديدة التي أفرزتها العولمة الرأسمالية والتي تتجلى في كثرة من التجليات السلبية على الدول الوطنية أهمها: ــ

أولاً:
ـ تفضي وحدة العالم المتمثلة بوحدانية التطور الرأسمالي وسيادة الاحتكارات الاقتصادية إلى تحويل الدول الوطنية إلى شركات فرعية وما ينتج عن ذلك من تهميش وإفقار طبقات اجتماعية كاملة بعد إقصاءها عن العملية الإنتاجية.

ثانياً: ـ رغم مطالبة الليبرالية الجديدة بتحرير الاقتصادات الوطنية ومنع تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلا النزعات العامة لحركة رأس المال تشير إلى رغبة الشركات الدولية بوجود قطاع دولة كبير ومتطور شريطة خضوعه لسيطرة الاحتكارات الدولية.

ثالثاً:
ـ ترتكز التحالفات الاجتماعية التي أنتجتها الليبرالية الجديدة على تشابك وتداخل مصالح الطاقم البيروقراطية الحاكمة في الدول الوطنية ومصالح الشركات الدولية، الأمر الذي أفضى إلى ضياع المصالح الوطنية.

استناداً إلى الآراء المارة الذكر أقترح التركيز على أهمية تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية عبر إشرافها على القطاع العام الخاضع للرقابة القانونية وعدم تقنين الوظائف الاقتصادية / الخدمية للدولة برؤية مسبقة خاصة أن سير تطور الاقتصاد العراقي خاضع لعوامل دولية/ وطنية كثيرة.

إيجازاً يمكن القول أن المضامين الفكرية / السياسية لمشاريع وثائق المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي تشكل نقلة جديدة في تاريخ الحركة اليسارية الديمقراطية وتعزز مواقع الرافضين لنهوج العنف واحتكار السلطة السياسية، والراغبين في بناء دولة القانون والعدل الاجتماعي.