| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

لطيف حسن

 

 

 

الأحد 29/3/ 2009



(يوم المسرح العالمي – 27 آذار 2009 )
مسرح السجون المنسي

لطيف حسن

كنت انوي ان ابدأ الحديث عن العروض المسرحية في السجون ، دون ان اشير الى منجز الحزب السابق في مجال دعم الثقافة الوطنية الديمقراطيه وتنمية الحياة المدنية و صيانة الحرية في المجتمع ، لأنني مؤمن بأننا ابناء هذا اليوم ، وماضينا المشرق الذي هو حقيقة في كل الاحوال ، حدث في زمن آخر انتهى ، والعراق تغير ، والناس تغيرت ، والحزب تغير ايضا .

الا انني عجزت في النهاية ان ابدأ الموضوع مباشرة كما كنت انوي ، دون مقدمة التطرق الخاطف لهذا التاريخ ، فنحن في الوقت الذي لسنا فيه عشاق العيش في امجاد الماضي ، الا اننا لانتجرد منه ، ولا مناص لنا من ان نتذكره ، ونذكر به كتاريخ .

أرتبطت الحركة الديمقراطية و اليسارية التقدمية في العراق ، باسم الحزب الشيوعي العراقي منذ تشكيل حلقاته الماركسية الجنينية الاولى في العشرينات ، وقد أتفقت كل الشهادات عن هذا الدور الذي لعبه خلال حقبة القرن الماضي ومازال ، على لسان أصدقاء و أعداء الحزب على حد السواء ، تناولت هذه الشهادات مختلف المواقف الريادية للحزب واليسار في نشر وترسيخ النزعة المدنيه والحضارية في المجتمع ، ومحاولاته لأنهاضه بعد كل كبوة يقع فيها ليقف على قدميه و يواصل السير بعدها الى الامام ، فكل التقدم المدني للمجتمع العراقي ارتبط بوجود حزب شيوعي قوي ويسار فاعل في الساحه ، وكل توقف وتراجع عن المكتسبات الاجتماعية الحضارية ارتبط بابعاد الحزب وتهميش دوره فيه ، وتغريبه المفتعل عنه ، سيما في المجال الحيوي للثقافة والمجتمع المدني .

وهنا لااتوقف عند هذه الحقائق المعروفة التي باتت من البديهيات ، بل سأتناول ما هو مهمل عن ذكره تقريبا من جوانب مهمة في علاقة الحزب الشيوعي واليسار عموما بالمسرح الذي ولد وترعرع في العراق باحضان اليسار والحركة الوطنية المعادية للأستعمار والرجعية الداخلية ، فليس غريبا على الحزب ان يدعم بكل قوته نشر المسرح الوافد في كل زوايا المجتمع ادراكا ميكرا منه في انه يشكل احد الادوات المهمة التي تساعد في تحرير العقل من الخرافة والقيود البالية للماضي ، والدفع بالنضال الضروري من اجل التقدم والرقي .

لن اتناول بهذه العحالة كل الدور الذي لعبه الحزب واليسار في تقدم المجتمع ، بل سأذكر فقط بالدور ( المهمل ذكره ودراسته بشكل كاف لحد الان ) الذي لعبه رفاق الحزب ومأثرتهم الريادية في ارساء تقليد العرض المسرحي في كل مكان متاح ، حتى في قاعات السجون ، فمثلما حول مناضلونا الاوائل قاعات السجون التي دخلوها الى مدارس فكرية ماركسية للتنوير والوعي الاجتماعي الثوري ، حولوا ايضا تلك القاعات الى مسارح ، باعتبارها مدرسة ايضا ، وارسوا تقاليده ، حتى اصبح معروفا انه اينما كان هناك سجناء شيوعيون او يساريون ، كانت هناك امسيات مسرحية مقامة في القاعات التي زجوا بها .

كان الحزب انذاك يولي اهتماما كبيرا واستثنائيا لمسرح السجون ، على سبيل المثال ، في بداية الخمسينات كان يخصص شهريا ثلاثون دينارا من مالية السجناء الحزبية في سجن الكوت ، ( قبل حصول المذبحة الشهيرة فيه) ، تحت باب ( صرفيات الندوات والنشاط المسرحي ) وكان يعتبر هذا المبلغ كبيرا في ذلك الوقت .

وكانت المسرحيات التي تقدم في السجون ، مسرحيات متكاملة فنيا وتكنيكا ، وكان السجناء يحصلون على ادوات الماكياج ، والحاجيات وألا كسسوارات المسرحية عن طريق ذويهم اثناء المواجهات الشهرية ، وكانوا يعدون بانفسهم الملابس الخاصة بالمسرحية عادة ، او يكلفون خياط السجن بذلك ، وكذلك كانوا ينجزون الديكور بمعاونة نجار السجن .

وعندما لاتكون هناك قاعة مسرح في السجن ، وهكذا كان حال معظم السجون العراقية آنذاك ، كانوا يفرغون احدى قاعات السجن ، ويحولوها الى ما يشبه المسرح باستخدام الافرشة والبطانيات ، التي تستخدم كستائر ، وتقسم القاعة تقليديا كما هو متعارف عليه الى منصة للمسرح ، والقسم الاعظم المتبقي لجلوس المتفرجين على الارض المفروشة بالبطانيات ، وكان المتفرجون هم السجناء انفسهم أضافة الى شرطة السجن ، ويحضرها في احيان كثيرة مدير السجن نفسه .

وقد قدم اليساريون في هذه السجون مسرحيات متقد مه مهمة ، على سبيل المثال في عام 1953 قدموا في سجن الكوت ( المفتش العام ) لكوكول و( بزوغ القمر ) لتشايبيك ، أي قيل ان تقدم هاتين المسرحيتين للجمهور العادي خارج السجن في بغداد بعشر سنوات ، اضافة لمسرحيات يوسف العاني وشهاب القصب ، الانتقادية الساخرة ذات الفصل الواحد . (*)

ان الكثير من نزلاء السجون انذاك رأى وتعرف على فن المسرح لاول مرة في حياته في السجن ، او في مناطق الابعاد كمعسكر السعدية ، واصبحوا فيما بعد من عشاقه ومتذوقيه وجمهوره الدائم .

في ختام هذه اللمحة ، اقول ، من الصعب الكتابة عن ظاهرة تقديم العرض المسرحي في السجون بشكل مشبع ووافي الان ، لرحيل معظم روادها وعلى رأسهم الشهيد سلام عادل ، والشهود العيان لهذه العروض ،

لاشك ان الظاهرة قد اندثرت اليوم وابتعدنا عنها زمنيا وطواها النسيان ، ولا تتكرر على ما اعتقد ، وكان من اسباب دوافع ممارستها كما اعتقد هو ان معظم الشيوعيين في العهد الملكي كانوا محكومين باحكام ثقيلة ، من عشرة الى عشرين سنه ، وكانوا منظمين وبدقة لحياتهم الداخلية في السجن ، وأ ستفادوا كثيرا من وقت الفراغ الطويل بالدورات والدروس السياسية و الفكرية ، وممارسة الرياضة والمسرح والرسم ، وكانوا يجدون في النشاط المسرحي غير الذي ذكرت ، نوعا من التعويض الثقافي عن الحياة العادية خارج الاسوار والمحرومين منها .

وتاريخ السجون العراقية اليوم ، لا يذكر انه قد قدم السجناء في يوم ما عرضا مسرحيا ، عدا العروض التي قدمها الشيوعيون .



(*) المعلومات شحيحه عن هذا المسرح ، وقد جمعت هذه المعلومات مشافهه من خلال لقاءات متفرقة بين الاعوام 1983 -1985 ، مع بعض قيادي الحزب آنذاك ، هناك مقاله قديمه سبق وان اطلعت عليها . منشوره في بدايات السبعينات كما اتذكر ، في احد اعداد الثقافة الجديدة لااتذكر الان اسم كاتبها درست بشكل جيد هذه الظاهرة ، ولم اتمكن مع الاسف العثور عليها في الغربة .



 


 

free web counter